السياسية:

بعد أيام فقط من محادثات عبر الفيديو بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ، بهدف الحصول على ضمانات من بكين بعدم تقديم يد المساعدة لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، أعلنت واشنطن فرضها عقوبات على مسؤولين صينيين.

وبغض النظر عن الأسباب التي ساقتها واشنطن لتبرير فرضها عقوبات على مسؤولين صينيين، فإن توقيتها يشي بأن الرئيس الأمريكي لم يحصل من نظيره الصيني على الضمانات التي كان يرغب فيها، ما سيدفعه لإخراج أوراق ضغط في ملفات عديدة تملكها بلاده ضد بكين.

إحدى أوراق الضغط هذه ملفات حقوق الإنسان في الصين المتعلقة بالأقليات الدينية والعراقية، خاصة عرقية “الإيغور” المسلمين في إقليم شينغيانغ (تركستان الشرقية) في شمال غربي الصين.

إذ أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في 21 مارس/آذار، فرض “قيود للتأشيرات ستركّز على المسؤولين الصينيين المنخرطين في سياسات ترمي لقمع الأقليات الدينية والعرقية ومعارضين ونشطاء حقوقيين وصحفيين”.

وفي نفس اليوم الذي عقد فيه الرئيسان الأمريكي والصيني محادثاتهما الافتراضية، في 18 مارس/آذار، شددت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، على أنه “لا يمكننا أن ننسى محنة الروهينغا في بورما (ميانمار) أو الإيغور في الصين، والجماعات العرقية والإثنية الذين يتعرضون للقمع الوحشي لمجرد هويتهم أو ما يؤمنون به”.

* ورقة ضغط

وليست هذه المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على الصين بسبب قضية الإيغور، إلا أن تزامنها مع محادثات بايدن وجين بينغ حمّلها رسائل متعددة الأبعاد.

فحتى بعد تحذير الرئيس الأمريكي من “التداعيات والعواقب بالنسبة للصين إذا قدمت مساعدات مادية لروسيا”، وشرحه للعقوبات التي تم فرضها على موسكو بسبب حربها على أوكرانيا، فإن الرئيس الصيني لم يعلن أي موقف يدين فيه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أو يعلن التزامه بالعقوبات الغربية ضدها، واكتفى بالقول إن “الأزمة الأوكرانية شيء لا نريد رؤيته”.

غير أن الرئيس الصيني استغل المحادثات لتحذير الرئيس الأمريكي بدوره من أن “سوء إدارة قضية تايوان سيكون له تأثير سلبي على العلاقات الثنائية”، ورد عليه بايدن بأن “الولايات المتحدة تواصل معارضة أي تغيير أحادي الجانب للوضع الراهن”.

فالاجتماع الذي استغرق أقل من ساعتين، لم تخرج منه واشنطن بأي التزام من بكين بدعم العقوبات الغربية ضد روسيا أو على الأقل عدم تقديم أي مساعدات عسكرية أو اقتصادية لموسكو تمكنها من الالتفاف على العقوبات أو مقاومتها.

لذلك تمثل إدانة الولايات المتحدة “للقمع الوحشي” الصيني للإيغور، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل وفرض عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب “انتهاكهم لحقوق الأقليات”، التلويح بأوراق ضغط يمكن استعمالها لإظهار مدى جدية واشنطن في فرض عقوبات على بكين إن وقفت إلى جانب موسكو بأي شكل من الأشكال.

في حين عبَّرت الصين في بيان مشترك مع الجزائر عن رفضهما “إساءة استعمال العقوبات الأحادية الجانب، والمخالفة للقانون الدولي” في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، تفادياً للمساس بالظروف المعيشية لشعوب الدول.

إذ تعتبر الصين أن العقوبات الغربية على روسيا من شأنها الإضرار باقتصاد الكثير من البلدان، وتجلى ذلك في ارتفاع أسعار الوقود والغذاء.

كما تتهم بكين الغرب بازدواجية المعايير، حيث استثنت الدول الأوروبية صادرات النفط والغاز الروسية من العقوبات حتى لا تضر باقتصادها.

وترفض الصين عبر بياناتها الرسمية ووسائل إعلامها وصف الحرب الدائرة في أوكرانيا بـ”الغزو” وتعتبرها “مواجهات”، وتحذر من أي شكل من أشكال “العقوبات الواسعة والعشوائية” التي يمكن أن “تشل الاقتصاد العالمي المتعثر بالفعل، وتتسبب في خسائر لا يمكن تعويضها”.

إذ تخشى الصين من أن يؤدي التوسع في العقوبات الغربية ضد روسيا أن تطالها بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصة أن الاقتصاد العالمي لم يتعافَ بشكل كامل من آثار جائحة كورونا.

تصنيف الولايات المتحدة، في 21 مارس/آذار، رسمياً ولأول مرة الجرائم المرتكبة في حق المسلمين الروهينغا في ميانمار حليفة الصين بأنه “جريمة إبادة جماعية” إلى جانب وصف ما يتعرض له المسلمون الإيغور في الصين بأنه “قمع وحشي” تطور مهم لا يخلو من أبعاد سياسية.

إذ ليس من المستبعد أن تحاول واشنطن في هذا التوقيت بالذات دق إسفين في علاقات الدول العربية والإسلامية مع الصين، وبالأخص السعودية والإمارات اللتان اختارتا مضطرتين تنويع شراكتهما مع أقطاب دولية بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن الدفاع أن أمنهما القومي ضد ما تعتبره تهديدات من إيران، وأذرعها في المنطقة، على غرار الحوثيين في اليمن.

فبإثارة واشنطن قضيتي الإيغور والروهينغا، والاضطهاد البوذي للمسلمين، إنما تحاول تأليب الدول الإسلامية ضد الصين وحليفتها ميانمار، ووضع جدار سميك بين الطرفين يحول دون إقامة تحالف استراتيجي بين دول إسلامية كبرى على غرار باكستان والسعودية ومصر مع بكين.

إنه أشبه باستدعاء أجواء الحرب الباردة حينما حاولت الولايات المتحدة حشد المسلمين في مواجهة “الإلحاد السوفييتي” وكانت المواجهة في أفغانستان، التي غزاها السوفييت في 1979، ودعمت واشنطن “المجاهدين الأفغان”، وحشدت خلفهم باكستان ودول الخليج والآلاف من المتطوعين العرب.

فالمسألة أبعد من مجرد دفاع عن حقوق الإنسان، بقدر ما هي أوراق تلعب على طاولة صراع استراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، تلوح فيه واشنطن بعرقلة مشروع “طريق الحرير” الصيني الذي يربط الشرق الأقصى بالعالم القديم في حوض البحر المتوسط عبر شبكة من الموانئ وخطوط السكك الحديدية والطرق السريعة.

ومن غرائب الصدف أن يمر طريق الحرير أو أجزاء منه عبر تركستان الشرقية في شمال غربي الصين التي يقطنها الإيغور، نحو ميناء غوادر جنوب غربي باكستان، وطريق آخر منه يمر عبر ميناءين يتم تشييدهما في إقليم أركان بميانمار موطن الروهينغا.

وكلا المنفذين يجنبان الصين المرور عبر مضيق ملقا، الواقع بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، وتفرض الأساطيل الأمريكية نفوذها عليه، خاصة أن 90 بالمئة من تجارة النفط للبلدان المطلة على بحر الصين الجنوبي، بما فيها الصين، تمر عبر هذا المضيق.

وكل من إقليمي تركستان الشرقية وأركان يمثلان خياراً مثالياً لبكين للتحرر من “استراتيجية التطويق” التي تتبناها الولايات المتحدة لاحتواء المارد الصيني.

سواء من الجبهة الشرقية عبر اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أو من الجبهة الجنوبية في بحر الصين الجنوبي عبر تشكيل تحالف “أوكوس”، الذي يضم كلاً من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، مع احتمال ضم الهند إليه.

هذا ما دفع الصين إلى اتهام الولايات المتحدة باستدعاء، أجواء الحرب الباردة، حيث قال مندوبها لدى الأمم المتحدة تشانغ جون، في 28 فبراير/شباط الماضي، “يجب التخلي عن عقلية الحرب الباردة المبنية على مواجهة المحاور بعضها لبعض.. لا مكسب من بدء حرب باردة جديدة بل سيخسر الجميع”.

لكن الولايات المتحدة التي خسرت معركتها التجارية مع العالم العربي والإسلامي لصالح الصين، تريد من المسلمين أن يكونوا جزءاً من “استراتيجية التطويق” بدل أن ينخرطوا في مشروع “الحزام والطريق”، فكيف سيكون موقفهم وأين سيكون موقعهم؟

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه ففي الفترة التي كانت تشهد تنافساً بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي دعمت الولايات المتحدة موقف مسلمي البوسنة بعد المجازر التي ارتكبت بحقهم من قِبَل الصرب المدعومين من قِبَل روسيا في تلك الفترة.

وهذا الأمر يؤكد أن التعاطف الأمريكي مع قضايا المسلمين في الأغلب ما يكون نكاية في القوى العالمية الأخرى.

* المصدر: عربي بوست