أحدٌ كارثيّ على الكيان .. قراءة عسكرية لتطورات المواجهة
شارل أبي نادر*
بالرغم من أن الأمر لم يكن خارج مسار المواجهة العنيفة التي تجري حالياً بين حزب الله وبين ”إسرائيل“، حيث تنفذ الأخيرة عدواناً واسعاً على لبنان بكل إمكانياتها التدميرية وخاصة الجوية والبرية، وحيث تدافع المقاومة في مواجهة ذلك بكل ما تملك من قدرات عسكرية، سواء على مستوى الأعمال القتالية أو الصواريخ والمسيرات، فإن هناك عدة تساؤلات طرحت نفسها أمس الأحد بعد مروحة الاستهدافات الصاروخية والمسيرة التي نفذتها المقاومة داخل الكيان، والتي يجب التوقف عندها لما تحمله من دلالات مهمة وأساسية، والتي عليها يُبنى تقييم هذه الحرب غير المسبوقة بين كيان الاحتلال وبين الطرف الرئيسي من أطراف محور المقاومة، أو رأس الحربة في هذا المحور والذي هو حزب الله.
أهم هذه التساؤلات التي تفرض نفسها هي قدرة حزب الله الاستثنائية التي برهنها أمس من خلال مروحة الاستهداف الواسعة التي نفذها داخل الكيان، شمالاً وساحلاً ووسطاً في تل أبيب ووصولاً إلى أسدود جنوبها وعلى مسافة أكثر من ١٥٠ كلم عن لبنان، مع إجراء جولة استهداف نوعية بالصواريخ والمسيرات على أكثر من قاعدة جوية، ومنها بلماخيم جنوب تل أبيب، وعلى أكثر من قاعدة بحرية ومنها أسدود شمال غزة.
صحيح أنها كانت قدرة منتظرة ومعروفة وبالحد الأدنى الذي كان متوقعاً، ولكن حساسية الموضوع هو القدرة على إظهار هذه الإمكانيات الصاروخية والمسيّرة والتدخل بها، والنجاح عبرها في استهداف أغلب المواقع والمناطق الأكثر حساسية وأهمية داخل الكيان، وذلك بعد مروحة تدمير عنيفة ومتواصلة وغير مسبوقة تاريخياً، نفذها وينفذها العدو على لبنان عامة وعلى جنوبه خاصة، وتحديداً على المناطق المعنية باحتضان أغلب قواعد إطلاق الصواريخ والمسيرات التابعة لحزب الله جنوب الليطاني.
النقطة الأخرى اللافتة في هذا الإطار، هي أن أغلب قواعد إطلاق الصواريخ والمسيرات التي كانت أمس عماد مناورة الاستهداف من قبل المقاومة، هي غير بعيدة عن خطوط الاشتباك والمواجهة الحالية، في القطاع الغربي وتحديداً بين البياضة والناقورة وطير حرفا وشمع مع أوديتها، أو في القطاعين الأوسط والشرقي وتحديداً في الخيام وطلوسة وعلى مشارف أودية الليطاني والحجير، وحيث كانت هذه المناطق التي توجد فيها قواعد إطلاق أسلحة المقاومة، والتي هي نفسها بالتحديد الأهداف الفعلية لعملية العدو البرية داخل الأراضي اللبنانية، بقيت هذه القواعد ناشطة بقوة في استهدافاتها، وبقيت المقاومة تتدخل تماماً حسب المناورة المرسومة، في الزمان الذي تريده، وفي المكان الذي تختاره، وفي النمط الذي تقرره.
كل ذلك نفذته المقاومة بإتقان وبثبات، تحت إطار إدارة لافتة ودقيقة لمناورة النيران، عبر نشر منظومة فعالة من القواعد، على كامل جبهة المواجهة، وعلى عدة طبقات في عمق جنوب الليطاني ،ومقابل خطة دفاع جوي استثنائية للعدو، نشر من خلالها مروحة ضخمة من أحدث منظومات القبة الحديدية والدفاع الجوي، والمعززة بدعم جوي واسع عبر القاذفات المتعددة النماذج، والتي أصبحت مهمتها ملاحقة ورصد المقذوفات الجوية التي يستهدف فيها حزب الله كل أجواء الكيان.
انطلاقاً من هذا التدخل الصادم للمقاومة، والمتمثل بالاستهداف الصاروخي والمسير الفعال والناجح، واستنادًا لتداعيات الاستهدافات الصادمة داخل الكيان، خاصة أن هاجس العدو الرئيسي وهدفه الأول والأكثر إلحاحاً، كان وما زال، إبعاد هذه الاستهدافات ومنعها قدر الإمكان، وفشل في ذلك، لا بد من التطلع بعد اليوم إلى تأثيرات هذا المستوى الحاسم من الاستهداف على المواجهة، ولا بد من انتظار تغيير جدي على عدوان العدو وعلى مسار معركته ضد لبنان والمقاومة، وفي الوقت الذي لا يمكن فيه استبعاد جنوحه نحو التصعيد التدميري أكثر، أيضاً لا يمكن استبعاد جنوحه نحو القبول بوقف إطلاق النار وسلوك تسوية سياسية مقبولة من لبنان.
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ـ موقع العهد الاخباري