السياسية:

تحقيق في مجلة "نيويوركر" الأميركية كتبه باركر ييسكو، يكشف كيف قامت السلطات الأميركية بتبرئة جنود أميركيين ارتكبوا جرائم حرب في العراق وأفغانستان، ويقول فيه إنّ إدارة ترامب الثانية قد تمنح الحصانة للجنود الأميركيين الذين يرتكبون الفظائع وجرائم الحرب.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:


في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وقبل يوم المحاربين القدامى مباشرة، بثّت قناة فوكس نيوز حلقة خاصة مدّتها ساعة بعنوان "المحاربون المعاصرون"، شارك فيها أحد المعلّقين السياسيين ومقدّمي البرامج، بيت هيجسيث، إلى جانب أربعة رجال خدموا في وحدات العمليات الخاصة الأميركية.

جلست المجموعة حول طاولة في ما يبدو أنه قبو نبيذ في مطعم فاخر في مانهاتن. ووضعوا سواعدهم الموشومة على مفرش المائدة الأبيض، واحتسوا أكواباً من النبيذ الأحمر، وتحدّثوا عن قتل الأشرار. وقدّم هيجسيث للمشاهدين جندياً من قوات النخبة البحرية يدعى إيدي غالاغر، الذي "هزم" مؤخراً بسبب "إساءة معاملة إرهابيّ من داعش" في العراق عام 2017، على حد تعبير هيجسيث. ووصف هيجسيث غالاغر بأنّه "بطل حرب".

في واقع الأمر، حوكم غالاغر بتهمة القتل وعدد كبير من الجرائم الأخرى. وكان الضحية المزعومة شاباً يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً يدعى خالد جمال عبد الله، والذي أسرته القوات الأميركية في الموصل وقتلته وهو مصاب بجروح خطيرة. وقد سلّمته فصيلة غالاغر، ووصفته، وفقاً لفيديو حصلت عليه صحيفة "نيويورك تايمز"، بأنّه "شرير للغاية" و"لا يمانع في قتل أي شخص يتحرّك". وأفادت التقارير بأن غالاغر طعن الشاب في رقبته، كما أطلق النار في حوادث منفصلة على مدنيين بمن في ذلك رجل عجوز وفتاة صغيرة. وشملت الأدلة ضد غالاغر مقطع فيديو له وهو راكع إلى جانب عبد الله قبل مقتله بفترة وجيزة، وصوراً له وهو يقف إلى جانب جثة عبد الله. وفي وقت لاحق أرسل جندي البحرية رسالة نصية إلى صديق، كتب فيها: "قتلته بسكين الصيد الخاص بي". وقد بُرّئ غالاغر من جريمة القتل بعد أن صعد جندي آخر من قوات البحرية، الذي مُنح الحصانة، إلى المنصة في محاكمة غالاغر واعترف بشكل غير متوقّع بقتل عبد الله بنفسه. تمت إدانة غالاغر بتهمة بسيطة واحدة فقط.

في الدوائر العسكرية السائدة، دُمّرت سمعة غالاغر، لكنه أصبح قضية شهيرة بين أتباع حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". في نظرهم، كان مدافعاً لا يرحم عن الحرية الأميركية وضحية لليقظة التي أصابت المؤسسة العسكرية؛ لقد تعرّض للاضطهاد لمجرّد قيامه بوظيفته. شارك مات غيتز، عضو الكونغرس عن ولاية فلوريدا آنذاك، في التوقيع على رسالة إلى الرئيس دونالد ترامب آنذاك، حثّه فيها على التدخّل في المحاكمة.

كان هيجسيث، وهو خريج جامعة برينستون ورجل مشاة سابق في الجيش في العراق وأفغانستان، أحد مقدّمي برنامج "فوكس آند فريندز ويك إند". في عام 2018، بدأ بانتظام في عرض قصص العديد من مجرمي الحرب المتهمين في البرنامج، الرجال الذين قال هيجسيث إنّ المؤسسة "وضعت عليهم الخناق". وكان من بينهم ماثيو جولستين، وهو جندي سابق في القوات الخاصة الأميركية اتُهم بالقتل بعد أن أخبر أحد أجهزة كشف الكذب أثناء مقابلة عمل مع وكالة المخابرات المركزية أنّه أطلق النار على معتقل، ودفنه في قبر ضحل، بعد أن أحرق الجثة. كان القتل والتستر عليه، كما هو موصوف، انتهاكاً واضحاً لاتفاقيات جنيف، التي تملي قواعد الحرب، ولكن في حلقة من برنامج "فوكس آند فريندز"، في شباط/فبراير 2019، جعل هيجسيث الأمر يبدو وكأنه عمل عادي. قال هيجسيث عن جولستين: "إذا كان ارتكب جريمة قتل عمداً، فأنا أيضاً فعلت ذلك.. ضعونا جميعاً في السجن". كما دافع هيجسيث عن قضية الملازم الأول كلينت لورانس، الذي حُكِم عليه بالسجن تسعة عشر عاماً في فورت ليفنوورث لأنه أمر جنوده بإطلاق النار على ثلاثة مدنيين عُزّل كانوا يركبون دراجة نارية، مما أسفر عن مقتل اثنين منهم، في قندهار.

في أوائل عام 2019، ورد أنّ هيجسيث حثّ الرئيس ترامب بشكل خاص على منح العفو لغالاغر وجولستين ولورانس. وفي برنامج "فوكس آند فريندز"، وجّه هيجسيث أيضاً نداءات عامة متكرّرة للعفو عن الرجال الثلاثة.

كان ترامب قد أمر بالفعل بنقل غالاغر من الحبس الاحتياطي في سجن البحرية. كما أصدر الرئيس عفواً عن غولستين ولورانس، وضابط ثالث في الجيش، مايكل بيهينا، الذي أدين بأخذ معتقل إلى مكان بعيد وإطلاق النار عليه حتى الموت.

في الأسبوع الماضي، اختار ترامب هيجسيث وغيتز لقيادة المؤسستين - وزارة الدفاع ووزارة العدل على التوالي - المسؤولتين عن مقاضاة أفراد الخدمة الحاليين والسابقين عن الجرائم المرتكبة أثناء القتال. يوم الخميس، أعلن غيتز انسحابه من الترشيح لمنصب المدعي العام الأميركي، حيث أصبح من الواضح أنه سيواجه صعوبة في الفوز بتأكيد مجلس الشيوخ وسط استمرار الأسئلة حول تحقيق فيدرالي بتهم جنسية، انتهى من دون توجيه اتهامات ضده.

وقبل وقت طويل من تولّي ترامب منصب القائد الأعلى للمرة الأولى، في عام 2017، كانت العدالة بعيدة المنال لضحايا العنف غير القانوني الذي ارتكبته القوات الأميركية. حدّد تحقيق نُشر في الصيف الماضي بواسطة "بودكاست": "The New Yorker In the Dark"، سبعمئة وإحدى وثمانين جريمة حرب محتملة ارتكبها أفراد الخدمة الأميركية في العراق وأفغانستان، منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، والتي حقّق فيها الجيش. ولكن في أغلب الحالات، توقّفت التحقيقات لأنّ المحقّقين لم يصدّقوا أو لم يتمكّنوا من إثبات وقوع جريمة. وعندما خلصوا إلى أنّ القانون قد انتهك، كان العقاب الهادف نادراً. وقد وجد تحليل للسجلات التي حصلت عليها منظمة "إن ذا دارك"، بعد مقاضاة الجيش، أنّ أقل من واحد من كلّ خمسة متهمين بارتكاب هذه الجرائم حُكِم عليهم بالسجن؛ وكان متوسط الحكم ثمانية أشهر فقط.

في عام 2021، دفع الكونغرس بمشروع قانون، استغرق إعداده عقداً من الزمان، لتغيير جوانب نظام العدالة العسكرية. فقد طالب القانون بأن يحلّ محامون مدرّبون ومستقلون محلّ القادة في مقاضاة جرائم معيّنة، وخاصة الجرائم المتعلقة بالجنس. وجاء إقرار هذا الإجراء في أعقاب وفاة فانيسا جيلين، المتخصصة في الجيش، في عام 2020، والتي تعرّضت للتحرّش الجنسي من قبل رئيسها وقتلها جندي زميل في الموقع المعروف آنذاك باسم فورت هود. وكانت النساء قد قدْن الحملة من أجل الإصلاح. وقد دفعت البيانات حول المعاملة غير المتساوية التي واجهها أفراد الخدمة السود في المحاكم العسكرية كتلة الكونغرس السوداء إلى تأييد التشريع أيضاً.

إلا أنّ أغلب جرائم الحرب من إطلاق النار، واعتداءات، وقسوة، وسوء معاملة المعتقلين، لم تتأثر بالإصلاحات. وربما لا يتمكّن الضحايا ومناصروهم أبداً من استدعاء التقاء القوى السياسية المطلوبة للتغيير. ومن المؤكد أن مواطني العراق وأفغانستان ليسوا دائرة انتخابية رئيسية للرئيس ترامب، أو أي مسؤول أميركي منتخب آخر.

ويمكن للكونغرس أن يسنّ إصلاحات أخرى، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أنه سيفعل ذلك. وقد شاركت مجلة نيويوركر نتائجها مع اثني عشر مشرّعاً، وكثير منهم أعضاء في لجنتي الخدمات المسلحة في مجلس النواب والشيوخ. ولم يستجب أيّ مشرّع جمهوري. وأعرب العديد من الديمقراطيين عن انزعاجهم إزاء هذه القضية، ولكن لم يشر أحد إلى أنّ أيّ تشريع جديد سوف يصدر.

في التاسع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2005، قتل مشاة البحرية في حديثة بالعراق خمسة وعشرين مدنياً، بمن في ذلك النساء والأطفال. وبعد أكثر من عام بقليل، وجّه المدّعون العسكريون الاتهام إلى أربعة من مشاة البحرية بالقتل. وقد أسقطت جميع تهم القتل في وقت لاحق؛ واعترف أحد الرجال بالذنب في جريمة بسيطة. ولم يقض أحد أيّ وقت في السجن. وصادف هذا الأسبوع الذكرى التاسعة عشرة لما أصبح يُعرف بمذبحة حديثة.

أما بالنسبة لهيجسيث، فإذا تمكّن من الفوز بتأكيد مجلس الشيوخ، فمن المرجّح أن يقود وزارة الدفاع وفقاً للمبادئ التي حدّدها في كتابه الأكثر مبيعاً، "الحرب على المحاربين"، الذي نُشر في حزيران/يونيو. وفي هذا الكتاب، ينتقد "التطرّف اليساري المناهض للمحاربين". ويطالب هيجسيث بـ"مزيد من القتل، وأقل عدداً من المحامين"؛ ويقترح أن يتجاهل الجنود الأميركيون القوانين الإنسانية الدولية تماماً.

* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت ـ الكاتب: باركر ييسكو ـ ترجمة: بتول دياب.