الدكتورة حسناء نصر الحسين*

بالنظر لواقع المتغيرات الاقليمية والدولية ، التي حصلت مؤخرا والانفتاح العربي والاقليمي والدولي على الدولة السورية الذي شهدناه في الايام القليلة الماضية والاتفاق الروسي الأمريكي بشأن الوصول الى حل وتسوية للأزمة السورية ، نستطيع ان نجزم بأن قمة سوتشي بين الرئيسين فلاديمير بوتين وأردوغان لن تكون كسابقاتها من الاجتماعات ، فهذه القمة وما سبقها من اللقاء الثنائي الذي جمع الرئيس السوري بشار الاسد ونظيره الروسي في موسكو قبل ايام رسمت خارطة طريق جديدة لمؤتمر سوتشي الحالي ، وترجمت هذه الخارطة باستهداف سلاح الجو الروسي والسوري لمقرات الارهاب المدعوم تركيا في منطقة شمال غرب سورية ،هذا بجانب التصريحات الروسية السورية رفيعة المستوى على ضرورة القضاء على بؤرة الارهاب المتبقية في إدلب السورية ، هذه الهجمات الثنائية تؤكد على ان الدولة السورية وحليفها الروسي عازمون على انهاء ملف ادلب للوصول الى تسوية سياسية للملف السوري، هذه المعطيات والحيثيات هي من صنعت مشهد أردوغان الأخير العائد من نيويورك محملا بالخيبات والهزائم وهو ما انعكس جليا في فشل وفده الذي سبقه الى واشنطن من تأمين انعقاد قمة تجمعه بزعيم البيت الابيض على هامش اجتماع الجمعية العمومية في نيويورك يحاول من خلالها الحصول على دعم واشنطن بالضغط على روسيا لايقاف العمليات العسكرية الروسية السورية على مناطق الارهاب الاردوغاني في ادلب وعفرين وغيرهما وهذا ما لم يحدث ، وفي هذا الرفض الامريكي لانعقاد قمة مع اردوغان رسالة مفادها أن ما في جعبتك ليس أولوية بالنسبة للبيت الابيض .

امام هذه المتغيرات الاخيرة يجد اردوغان نفسه وحيدا مع ارهابييه في الملف السوري فقرار التحرير اتخذ والعمليات العسكرية على مقرات الارهاب مستمرة وليس امام الرئيس التركي سوى الرئيس فلاديمير بوتين الذي ضاق ذرعا بتنصل اردوغان من الايفاء بتعهداته السابقة واستمرار ادخاله للقوات العسكرية التركية المحتلة للأراضي السورية واستمرار هجمات الارهابيين على مقرات للجيش العربي السوري وقاعدة حميميم الروسية .

ذرائع اردوغان بأن استمرار المعارك في ادلب وتطهيرها من رجس ارهابييه سيؤدي الى موجة نزوح جديدة وان تركيا لم تعد تستطيع استقبال اعداد اضافية من اللاجئين والتهديد بهذه الورقة لم تعد مجدية لايقاف عملية التحرير التي انطلقت في ادلب ولم يجد اردوغان هذه المرة سيده الامريكي ليعيد معه هذه النغمة ويوقف هذه العملية .

لن يكون لاردوغان فرصة المناورة والمراوغة هذه المرة من ناحية المتغيرات الدولية والاقليمية الحاصلة منذ انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان والتغيير الحاصل في الاستراتيجية الامريكية الجديدة لناحية جدول اعمالها المستقبلي وعودة الجنوب السوري للأم السورية .

الاحباط الذي عبر عنه اردوغان جاء في تصريحاته التي لم يستثني فيها سيده الامريكي ولا صديقه الروسي وفي هذا مؤشر واضح على خسارته في قمة سوتشي ولن يكون بإمكانه الا ان يقدم تنازلات ، اقلها ان يفي بتعهداته وفتح الطريق الدولي M4 والبدء بالعمل على فصل ارهابييه بين ارهابي معتدل وارهابي غير معتدل .

وهنا لابد من الاشارة لازمات اردوغان الداخلية والتي اولت اهتماما كبيرا بالعمليات العسكرية السورية الروسية الاخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التركي وفيها رسائل شديدة اللهجة للرئيس اردوغان طالبته بسحب القوات التركية من مناطق القصف الروسي السوري وحذروه من الاستمرار بتعريض حياة الجنود الاتراك للخطر فالشارع التركي لم ينسى موت الجنود الاتراك والذي فاق عددهم٣٤ جندي في معركة تحرير الدولة السورية لمدينة سراقب .

وفي هذا مؤشر واضح لزيادة الضغوط الداخلية الرافضة لسياسة اردوغان الخارجية وملف اللاجئين وانخفاض قيمة الليرة التركية ، والمعارضة الداخلية التي تدعو لانتخابات مبكرة كل هذه الازمات ستؤثر على مخرجات قمة سوتشي وتدفع باردوغان للذهاب الى القبول بالانخراط بالتسوية وعدم الانجرار الى تصعيد لا يحمد عقباه عبر اشراك قواته النظامية ، بل من الممكن جدا ان تكون هذه القوات وسلامتها احد اهم النقاط التي سيبحثها ويطلبها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فهل سنشهد عملية انسحاب للنقاط التركية التي كانت انسحبت سابقا اثناء عملية تحرير سراقب واعادت تموضعها في مناطق اخرى ام سنجدها منسحبة انسحابا كاملا من الاراضي السورية هذا ما ستكشفه الايام القادمة .

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع