السياسية:

كانت حجة الدول التي وقعت تطبيعاً مجانياً مع العدو الإسرائيلي أنهم سيوظفون علاقاتهم مع تل أبيب لصالح السلام في المنطقة والحفاظ على حقوق الفلسطينيين، فجاء العدوان على الأقصى وغزة ليبدد تلك الحجج الواهية.

وبينما يكثف الاحتلال الإسرائيلي من عدوانه ويرتكب المجازر الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة لليوم السابع على التوالي، لا يزال الموقف العربي ككل ملتزماً بالإدانة لتلك “الجرائم الممنهجة” بحق الفلسطينيين دون أن تقترن الإدانات بالأفعال.

التطبيع وحجة “السلام”

كانت الإمارات أول من أعلنت عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وذلك على لسان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منتصف أغسطس/آب من العام الماضي، وهو ما أثار غضباً شعبياً عارماً في الدول العربية وتشكيكاً عالمياً في جدوى التطبيع فيما يتعلق بإحلال السلام في الشرق الأوسط، كما زعم ترامب وقتها لتمرير “صفقة القرن” التي قدمها على أنها “الحل السحري لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني”.

وتبنت الإمارات تحديداً هذا المنطق لتبرير تطبيعها الصاروخي للعلاقات مع إسرائيل، رداً على اتهامات “الخيانة” من جانب الفلسطينيين لقضيتهم ووجودهم، خصوصاً أن أبوظبي لم تتوقف عند العلاقات الدبلوماسية لكنها دخلت في تحالف اقتصادي وسياسي مع تل أبيب بصورة أثارت الاستغراب والصدمة في المنطقة، على الرغم من أن الكيان الإسرائيلي نفسه عارض بيع طائرات الإف-35 الأمريكية للإمارات، وهي الصفقة التي استخدمها البعض لتبرير التطبيع الإماراتي.

ومع بدء الكيان الإسرائيلي تحركاتة الحالية من خلال السعي لتهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح إلى غلق باب العامود في القدس الشرقية المحتلة إلى الاعتداءات الوحشية على المسجد الأقصى منذ بداية شهر رمضان، وصولاً إلى ارتكاب المجازر في قطاع غزة وهو ما يجري حالياً، أصبحت الأنظمة العربية التي جادلت بأن قرب علاقاتها مع إسرائيل يمكن أن يكبح جماح التحركات الإسرائيلية التي تستهدف الفلسطينيين في كلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة، في موقف “محرج” على أقل تقدير.

إدانات عربية دون فعل

وبشكل عام يمكن القول إن الموقف العربي الرسمي حالياً لم يجد بداً من إدانة العدوان الإسرائيلي، في ظل الغضب الشعبي العربي والتضامن الواضح مع الفلسطينيين، لكن يظل الموقف الرسمي، في أغلبه، متوقفاً عند حدود الإدانة دون تخطيها إلى الفعل.

وهذا ما عبر عنه إتش إيه هيلر الباحث في سياسات الشرق الأوسط لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، بقوله لصحيفة The New York Times الأمريكية: “لم أشاهد أي دولة عربية لم تعرب عن دعمها للفلسطينيين على مستوى البيانات، وسيكون من الصعب عليهم أن يقولوا شيئاً آخر خلافاً لهذا. لكن أفعالهم حيال ذلك مختلفة تماماً”.

إذ إن الحكومة المصرية، التي تصنف حماس على أنها أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين، كانت برغم ذلك حذرة من الشعور العام لدى الشعب المصري، وقال أوفير وينتر، المتخصص في الشأن المصري وشؤون العالم العربي لدى معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن خطبة الجمعة 14 مايو/أيار في الجامع الأزهر، أحد أهم المؤسسات الدينية المؤثرة في العالم العربي، كانت على غير المعتاد تنتقد جبن القادة العرب في الدفاع عن القدس، وهي خطبة يجب أن تحصل على موافقة الحكومة.

وقال خالد الجندي مدير برنامج فلسطين في معهد الشرق الأوسط للصحيفة الأمريكية إن حماس لا تروق لغالبية الحكومات في العالم العربي السنّي، لكن رسالتها المباشرة بأنها أقدمت على قصف إسرائيل دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى، ضربت على وتر حساس. وأضاف أن غزة تجسد جانباً من القضية، لكن “القدس مهمةٌ للجامعة العربية وأصحاب المصلحة الواضحين، مثل الأردنيين والسعوديين”، وهم أصحاب الوصاية على المساجد الثلاثة المقدسة عند المسلمين.

وعلى مدى أسابيع من الاعتداءات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح وباب العامود والمسجد الأقصى، حذرت حماس حكومة بنيامين نتنياهو مراراً أنها سوف تدافع عن القدس وبالفعل أوفت الحركة بتعهداتها وأطلقت وابلاً من الصواريخ دفاعاً عن المسجد الأقصى الذي هدد المستوطنون المتطرفون باقتحامه، فردت إسرائيل بغاراتها الجوية “الوحشية” على قطاع غزة مستهدفة البنية التحتية والمباني السكنية ومقار وسائل الإعلام العالمية للتغطية على جرائمها.

ومن جانبها قالت زها حسن المحامية الحقوقية والزميلة الزائرة لدى مؤسسة كارنيغي لنيويورك تايمز إن البحرين والإمارات لم تكونا في حاجة إلى التفكير قبل إدانة اعتداء الشرطة الإسرائيلية على المسجد الأقصى يوم الإثنين 10 مايو/أيار؛ “بسبب حساسية الأقصى والعنف الذي ظهر ضد المصلين في أقدس ليلة من ليالي رمضان وفي أحد أقدس المواطن بالنسبة للمسلمين”.

وأوضحت زها أن تحركات إسرائيل لطرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، كانت في الوقت ذاته لها صدى لدى الفلسطينيين المنفيين خارج وداخل إسرائيل. أضافت زها: “لا يوجد فلسطيني واحد لا يعرف ما يعنيه أن يُسلب المرء بيته أو يتلقى تهديدات بسلبه إياه”.

موقف مصر والأردن

تقرير نيويورك تايمز رصد إدانة الأنظمة العربية للعدوان الإسرائيلي دون اتخاذ إجراءات عملية حتى الآن لمعاقبة تل أبيب وإجبار رئيس وزرائها نتنياهو على وقف العدوان والاستجابة للأصوات المطالبة بهدنة فورية كخطوة أولية لمفاوضات أكثر عمقاً.

والآن يتحد العالم العربي في إدانة العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة المحاصر وضد الطريقة التي اقتحمت بها الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى، فقد عبرت الحكومات عن موقفها صراحةً، وانطلقت الاحتجاجات، واستعرت وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن بشكل عام، لم تتخذ الإدانة ثوب التحركات، بل كانت مجرد كلمات، على الأقل حتى الآن، حيث تبدلت شواغل المنطقة منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014، مع وجود مخاوف جديدة من نفوذ إيران والقلق بشأن الاضطرابات الشعبية في الدول العربية، وتزايد الاعتراف بإسرائيل في العالم العربي، بعد موسم التطبيع العام الماضي.

وحتى البلدان التي طبعت العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في العام الماضي -وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- فقد انتقدت جميعها صراحة السياسات الإسرائيلية ودعت إلى دعم الفلسطينيين والدفاع عن القدس.

أما مصر والأردن، وكلاهما يحظى بعلاقات دبلوماسية طويلة مع إسرائيل، فهما منخرطان الآن انخراطاً عميقاً في محاولات وقف تصعيد الصراع، ولكن يجب عليهما أيضاً أن يحذرا من الغضب الشعبي، الذي يمكن أن يسوء إذا كانت إسرائيل على وشك شن حرب برية شاملة ضد حماس في غزة، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية.

وحاولت قطر التوسط كذلك، فقد دخل وزير خارجيتها في محادثات مع إسماعيل هنية، قائد حماس، ومع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فلم يعلق بالكثير على الأحداث الحالية، بينما أرسل مسؤوليه الأمنيين كي يحاولوا التوسط بين إسرائيل وحماس.

لكن وزير خارجيته، سامح شكري، أخبر نظراءه من وزراء العرب في اجتماع طارئ للجامعة العربية، بأن الاهتمام العربي شعبياً ورسمياً بما يحدث في القدس، هو أكبر رسالة تؤكد أن فلسطين كانت وستظل هي قضية العرب المركزية.

القدس في قلب الصراع

وتضغط الجامعة العربية كذلك من أجل عقد جلسة مناقشة طارئة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي أجلتها الولايات المتحدة حتى اليوم الأحد 16 مايو/أيار على الأقل، إذ يتفق المحللون على أن الجامعة العربية تحتاج أن تبقى في مقدمة النقاش حول القدس.

وقال وينتر للصحيفة: “هذه المرة، لا يتعلق النضال بغزة، بل بالقدس والمسجد الأقصى، والمسلمون ملتزمون بالدفاع عنهما. أدت حماس عملاً رائعاً في استراتيجيتها لإيصال الرسائل، ويجب أن تتعامل الدول العربية مع هذه التأويلات”.

ينتاب حكومة مصر القلق أيضاً، مثلما هو الحال في إسرائيل، من أن تدمير حماس قد يفتح الباب أمام أطراف أكثر تشدداً في غزة، لكن مصر والدول العربية الأخرى، حتى إذا كانت تقمع الاحتجاجات والمعارضة داخلياً، يتوجب عليها الاصطفاف بطريقة ما مع الرأي الشعبي، حتى إذا كانت تخشى من احتمالية تحول الاحتجاجات ضد إسرائيل بسرعة إلى احتجاجات ضد هذه الأنظمة نفسها.

أما بالنسبة للدول العربية التي اعترفت بكيان اسرائيل مؤخراً، فتعد المواجهة محرجة وتجسد معضلةً لأنها تعد اختباراً لنفوذها الذي تمارسه مع إسرائيل، أو افتقارها لهذا النفوذ، وذلك حسبما قال المحللون لنيويورك تايمز. 

قال الجندي، مدير برنامج فلسطين في معهد الشرق الأوسط، إن الاعترافات الدبلوماسية كان “يفترض أن تعطيهم نفوذاً، وكانت أحد حججهم أن إسرائيل لن ترغب في تعطيل هذه العلاقات الجديدة مع العالم العربي؛ ولذا سوف توقف أشياء على شاكلة المستوطنات وقضية غزة”، وأضاف قائلاً إنه في الواقع يعتقد عكس ذلك؛ فالإسرائيليون الآن لديهم غطاء أكبر”.

صحيحٌ أن هذه الدول لن تقطع علاقاتها الجديدة مع إسرائيل بسبب المزايا الاقتصادية والتكنولوجية، لكن الأمر سيكون أكثر صعوبة بالنسبة للمغرب والسودان، حيث ثمة مساحة أكبر لإبداء الآراء الشعبية. 

أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فقد كان ناقداً قوياً للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ولا سيما تجاه غزة. وفي يوم الجمعة 14 مايو/أيار، تعهد أردوغان، مستخدماً عبارات قاسية على نحو متوقع، بأن تركيا لن تقف صامتة ولن تقبل اضطهاد الفلسطينيين.

قال أردوغان: “محاولات دولة الإرهاب (إسرائيل) لنهب مدينة مثل القدس تضمّ أماكن مقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود، بلا حياء، تجاوزت كل الحدود”. وأضاف: “مع عدم إيقاف العدوان الإسرائيلي في فلسطين وخاصة في القدس فإن كل شخص سيجد نفسه هدفاً لتلك العقلية الوحشية (لإسرائيل)”.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولا تعبر عن رآي الموقع