السياسية:

قبل عدة أعوام كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يقف بجوار نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون في مدينة هانوي في فيتنام لطي صفحات الخلاف بين بيونغ يانغ وواشنطن، لكن سرعان ما أصبح هذا الأمر ضرباً من الخيال، وعادت الأمور إلى طبيعتها بين الغريمين اللدودين.

اليوم بات المشهد مشابهاً للمشهد السابق، فالعلاقة بين بايدن وكوريا الشمالية ليست على ما يرام، رغم مرور شهرين فقط على وصول الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض.

فبعد صمتٍ لمدة شهرين إزاء إدارة بايدن، قدَّمَت كوريا الشمالية هذا الأسبوع امرأتين قويَّتين لتحذير الولايات المتحدة بشأن التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية والعواقب الدبلوماسية لسياساتها “العدائية” تجاه بيونغ يانغ. 

ومع ذلك، فإن الإحباط والعداء قد يكونان في الواقع صفحةً جديدة بين الدولتين. 

كيم جونغ أون رفقة زوجته في آخر ظهور لها/رويترز

يمكن اعتبار التعليقات الأولى لكوريا الشمالية تجاه الحكومة الأمريكية الجديدة، مع أنها تعجُّ بالغضب، بمثابة بداية لخوضٍ دبلوماسيٍّ في الاتجاهين مع نزوع كوريا الشمالية إلى العودة إلى المحادثات المُتوقَّعة التي تهدف إلى الاستفادة من أسلحتها النووية من أجل منافع اقتصادية هي في أشدِّ الحاجة إليها، بحسب صحيفة The Independent البريطانية.

واختير توقيت تصريحات كوريا الشمالية بعناية، إذ نُشِرَت على الصفحات الأولى وبُثَّت في نشرات الأخبار في الوقت الذي سافَرَ فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ووزير الدفاع لويد أوستن إلى آسيا لإجراء محادثاتٍ مع حلفاء الولايات المتحدة في طوكيو وسيول حول التهديد الكوري الشمالي وغيره من التحديات الإقليمية. 

وقد يعتمد إجراء أيِّ مفاوضاتٍ على مراجعة سياسة إدارة بايدن بشأن كوريا الشمالية، والتي من المُتوقَّع أن تكتمل في الأسابيع المقبلة. 

ما تقوله كوريا الشمالية 

انتقدت شقيقة كيم جونغ أون القوية، يوم الثلاثاء الماضي 16 مارس/آذار، التدريبات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، والتي كان من المُقرَّر أن تستمر تسعة أيام وتنتهي أمس الخميس 18 مارس/آذار. 

ووصفت كيم يو جونغ التدريبات بأنها بروفة للغزو، وحذَّرَت واشنطن من “إثارة الروائح الكريهة” إذا أرادت أن “تنام بسلام” على مدار السنوات الأربع المقبلة. 

وقالت تشوي سون هوي، النائبة الأولى لوزير الخارجية الكوري الشمالي، في بيانٍ، الخميس، إن كوريا الشمالية ستواصل تجاهل العروض الأمريكية لإجراء محادثاتٍ ما لم تتخلَّ عمَّا تصفه كوريا الشمالية بالسياسات العدائية. 

وكانت تشوي ترد على تعليقات بلينكن هذا الأسبوع بأن واشنطن تواصَلَت مع كوريا الشمالية من خلال عدة قنوات، ابتداءً من منتصف فبراير/شباط، ولم تتلق رداً. 

وقالت تشوي: “ما سمعناه من الولايات المتحدة منذ بداية النظام الجديد هو مجرد نظرية مجنونة عن “تهديدٍ من كوريا الشمالية”، وخطاب لا أساس له حول “نزع السلاح النووي” بالكامل”، واصفةً العروض الأمريكية لإجراء محادثات بـ”خدعةٍ لإضاعة الوقت”. 

ما تريده بيونغ يانغ 

قد يكون تصريح تشوي محاولةً من قِبَلِ كوريا الشمالية لخلق بيئةٍ للدخول من جديد في المفاوضات النووية في موقع قوة، وفقاً لشين بيومشول، المُحلِّل في معهد أبحاث كوريا للإستراتيجية الوطنية ومقره سيول. 

وتوقَّفَت المفاوضات بين واشنطن وبيونغ يانغ لأكثر من عامين منذ انهيار القمة النووية بين كيم جونغ أون والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2019. واختلف الجانبان حول تفاصيل خطة لتخفيف العقوبات مقابل نزع السلاح. وقالت بيونغ يانغ مراراً إنها لن تنخرط في محادثاتٍ هادفة بينما تواصل واشنطن العقوبات والضغوط. 

وقال شين: “من الواضح أن كوريا الشمالية تحاول تعزيز قدرتها على المساومة”. 

لكن يمكن أن تستعد كوريا الشمالية أيضاً لتوجيه كلماتٍ أشد قسوة لإدارة بايدن بشأن إدانة بلينكن المتكرِّرة في سيول لسجل حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وهو أمرٌ تجاهله ترامب إلى حدٍّ كبير في اجتماعات القمة مع كيم. ومن شأن ذلك أن يعقِّد أيَّ مفاوضاتٍ مستقبلية. 

تُعتَبَر كوريا الشمالية حسَّاسةً للغاية تجاه النقد الخارجي بشأن أوضاع حقوق الإنسان السيئة فيها، والتي تعتبرها بمثابة هجومٍ على قيادتها، ويبدو أن بيان تشوي قد صيغَ قبل أن تتَّخِذ كوريا الشمالية قراراً بشأن الرد على تصريحات بلينكين. 

وقال بارك وون جون، أستاذ دراسات كوريا الشمالية في جامعة إيوا في سيول: “من المُحتَمَل أن تكون هناك معارضةٌ جدية من كوريا الشمالية بشأن تعليقات بلينكن حول حقوق الإنسان”. 

المحادثات والضغط 

يتفق معظم الخبراء على أن كوريا الشمالية ستحاول في نهاية المطاف العودة إلى المفاوضات لمحاولة كسب المساعدة، لكنهم يختلفون حول توقيت استئناف المحادثات وما ستتطلَّبه. 

كان كيم مؤخَّراً يتَّسِم بالتحدي بشأن تطوير ترسانة نووية يرى أنها أقوى ضمان لبقائه. وحثَّ شعبه على التحلي بالمرونة في الكفاح من أجل الاعتماد على الثبات اقتصادياً أثناء إطلاق خطة جديدة على مدار سنوات عديدة لإنقاذ اقتصاده المنهار. 

قال شين إن تركيز كيم على مساعيه الاقتصادية المحلية قد يعني أن كوريا الشمالية تبتعد عن المحادثات لمدة عام آخر، ولن تعود إليها إلا بعد أن يتَّضِح أن سياسات كيم الجديدة تفشل. 

وأضاف: “إذا كانت كوريا الشمالية في حاجةٍ ماسَّة لاستئناف المحادثات سريعاً، فإنها ستختبر إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات في 15 أبريل/نيسان، وهو اليوم الذي يوافق ميلاد الجد المؤسِّس للدولة كيم إيل سونغ، للضغط على واشنطن لإجراء محادثات”. 

لكنه قال إنه من المُرجَّح أن تتجنَّب كوريا الشمالية استفزاز إدارة بايدن، لأن أولوية كيم هي ترسيخ بلاده بهدوءٍ كقوةٍ نووي، وهو أيضاً هدفٌ رئيسي من مساعيه الاقتصادية المحلية. 

قد تستمر كوريا الشمالية في محاولة إجراء تجارب إطلاق قصيرة المدى تهدِّد كوريا الجنوبية وليس الولايات المتحدة. ولكن كوريا الشمالية، كما قال شين، “ستُبقي أيَّ عملٍ كبيرة مُعلَّقاً على الأقل حتى تنتهي مراجعة سياسة إدارة بايدن تجاهها”. 

يتعيَّن على كيم أن يتَّخذ خطوةً في العلاقة الصعبة مع واشنطن، بينما تواجه بلاده عقوباتٍ مفروضة عليها، وإغلاقاً حدودياً، وكوارث طبيعية تقتل المحاصيل قد تدفع البلاد نحو زعزعةٍ اقتصادية أسوأ. 

ومهما كانت الخطوات التي تتَّخِذها كوريا الشمالية، فإن رسائلها الأخيرة تشير إلى أنها لن تعود إلى المحادثات ما لم تقدِّم الولايات المتحدة على الأقل مستوى معين من تخفيف العقوبات. ومع ذلك، من غير المُرجَّح أن يحدث ذلك دون تقليصٍ لقدرات كيم النووية.

 عربي بوست