لماذا فشلت الثورة في الولايات المتحدة ؟
السياسية:
بقلم : المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
دعونا نتسائل أولاً، لماذا أصبح اقتحام الكونغرس الأمريكي أمراً ممكناً؟
تحمل هذه الانتخابات طابعاً مصيرياً لكلا المعسكرين المتنافسين.
فالتغيرات الديموغرافية، أي انخفاض نسبة البيض بين سكان الولايات المتحدة الأمريكية، سوف تحرم الجمهوريين للأبد من فرصة الوصول إلى السلطة على المستوى الفدرالي، أو على الأقل الجمهوريون بشكلهم الحالي.
يخطط الديمقراطيون لمنح الشرعية لـ 11 مليون مهاجر غير شرعي، وجعل بورتوريكو ولاية أمريكية، وزيادة عدد قضاة المحكمة العليا، وتعيين الديمقراطيين هناك. بشكل عام، ونظراً للانخفاض المستمر في نسبة البيض، فلن يتمكن الجمهوريون مرة أخرى من الصعود أعلى من مستوى بعض الولايات الفردية في أي من أفرع السلطة.
لقد حرمت انتخابات الخامس من يناير الجاري، على مقعدي عضوين جمهوريين من مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، الجمهوريين من السيطرة على مجلس الشيوخ، وأصبحت الآن هزيمتهم نهائية باتة، وستصبح الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان الجمهوريون يعرفونها، شيئاً من الماضي البعيد، الذي سيختفي للأبد عقب تولّي بايدن منصب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي، فقد أصبحت القضية بالنسبة للجمهوريين من النخب والمؤيدين هي قضية حياة أو موت.
بالنسبة للحزب الديمقراطي، فإن التغيرات الديموغرافية، للوهلة الأولى، تبدو أمراً إيجابياً لا لبس فيه، حيث ترتفع نسبة الأقليات القومية، وستستمر في الارتفاع لعقود قادمة. الآن تصوّت تلك الأقليات لصالح الحزب الديمقراطي، ما يعني أن الديمقراطيين سوف يحكمون للأبد. يبدو الأمر، وكأنه لا داعي لمحاربة ترامب إذن بهذه الضراوة، وفي نفس الوقت دفع البلاد نحو شفا الحرب الأهلية.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فالديمقراطيون اليوم هم مجموعة غريبة من الأقليات العرقية والليبراليين البيض وأنصار الاشتراكية. بالإضافة إلى ذلك، ينقسم القادة الديمقراطيون إلى مجموعتين، فمن ناحية يوجد من هم الآن في السلطة بالحزب الديمقراطي، الممثلين عن قطاع رأس المال الضخم، وكبار السن البيض، الذين يبلغ متوسط أعمارهم أعلى حتى بكثير من متوسط عمر حكومة بريجنيف قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. ومن ناحية أخرى يوجد الممثلون عن الشباب من الأقليات العرقية، من ذوي الرؤى اليسارية. بمعنى أن انقسام الحزب الديمقراطي نفسه إلى حزبين أو إلى أحزاب جديدة هو أيضاً أمر لا مفر منه بمرور الوقت ومن حيث المبدأ.
ومع ذلك، فإذا خسر الديمقراطيون الآن، فإن الحزب الديمقراطي كان سوف ينقسم الآن، بينما ستتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى لبنان عملاق، لا تتمتع فيه أي من القوى السياسية بالقوة الكافية لتولي السلطة بمفردها، ويكاد يكون التحالف بين هذه القوى السياسية مستحيلاً على نحو مطلق، لعدم توافق الأهداف والأجندات السياسية، وهو عدم توافق يفوق نظيره في لبنان بمراحل. والفوضى المحتملة إثر ذلك تحتاج لمناقشة مفصّلة.
في الوقت نفسه، فبالنسبة للقيادة القديمة للحزب الديمقراطي، أصبحت الهزيمة الآن هي الأخرى قضية حياة أو موت بالمعنى السياسي، ولن يكون لديهم فرصة أخرى للوصول إلى السلطة.
لذلك فالصراع الذي نراه اليوم هو صراع بقاء ليس محوره الحياة قدر ما محوره الموت.
كل ذلك يدفعنا إلى إلقاء نظرة فاحصة على خطوات ترامب الأخيرة. فقبل شهر من انتهاء ولايته، استبدل وزير الدفاع بوزير ممن يدينون له بالولاء، كما أقال المدعي العام السابق لرفضه التحقيق في الاحتيال المزعوم. وقد رأينا بوضوح خطوات التقدم بالطعن في 18 ولاية على رأسها ولاية تكساس، أمام نتائج انتخابات المحكمة العليا. كما نرى مجموعات من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين يرفضون الاعتراف بانتصار بايدن. أي أن النخبة الجمهورية، إن لم يكن بالكامل، فإلى حد كبير، كانت متماسكة حول ترامب. وأعتقد أنهم على دراية بثمن القضية وبآفاقهم السياسية ومصممون بإصرار حتى اللجوء للقوة لحل القضية.
لقد بدا واضحاً أن ترامب ربما كان يستكشف إمكانية استخدام القوة العسكرية، من الرسالة المفتوحة التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست في 3 يناير الجاري، نقلاً عن وزراء دفاع سابقين، يحثون فيها ترامب على عدم استخدام الجيش في محاولاته لمنع نقل السلطة إلى بايدن.
كما أن تنظيم مظاهرة لأنصار ترامب يوم أمس، 6 يناير، في نفس يوم المصادقة على نتائج التصويت، لم يكن مصادفةً. أعتقد أن خطة ترامب كانت أن يرفض نائب الرئيس مايك بنس، التصويت على الانتخابات لأسباب رسمية، بصفته رئيساً لمجلس الشيوخ. بعد ذلك كان يتعين على حشد المؤيدين تحييد أي محاولات من قبل الديمقراطيين لمقاومة مثل هذا التطور للأحداث. لذلك لم يكن اقتحام الكونغرس، على الأقل، مستبعداً.
ومع ذلك، فإن خيانة نائب الرئيس، بنس، واحتمال عدم استعداد الجيش المحتمل لدعم ترامب أحبطت هذه الخطة. وربما كان السبب أن دونالد ترامب نفسه لم يقرأ لفلاديمير لينين، الذي كتب أن التأخير في الاستيلاء على السلطة الكاملة والقضاء على المعارضين يعني هزيمة الثورة.
لم يذهب ترامب نحو التصعيد، ولم يتوجه إلى الشعب، ربما لهذا السبب خسر ترامب شخصياً بالفعل. من الممكن كذلك أن يحاكم الديمقراطيون الرئيس ترامب شخصياً، مؤكدين من جديد تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة من دول العالم الثالث…
هل هذا يعني وقف انزلاق البلاد إلى الحرب الأهلية؟ قطعا لا، بل على العكس.
دائماً ما كنت ولا زلت أتوقع أن انهيار الولايات المتحدة الأمريكية سوف يحدث في السنوات العشر القادمة.
هناك لذلك ثلاث معطيات أساسية، ثلاثة عوامل، لكنها في درجات مختلفة من النضج، وحتى الآن لم تتطور لتصبح سبباً مثالياً عاصفاً.
فسوف تنضج العوامل العرقية والديموغرافية بالكامل لتصل إلى 100% في غضون 20 عاماً، عندما يصبح البيض أقلية في الولايات المتحدة. على مستوى السياسة الخارجية، ستنتقل زعامة العالم إلى الصين، وهو عامل سينضج خلال 10 سنوات (في غضون 5 سنوات ستتفوق الصين على الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً، وفي غضون 15 عاماً في المجال العسكري). تعتبر الأزمة الاقتصادية وانهيار هرم الديون والدولار كعملة عالمية هي الأصعب تنبؤاً، فمن الممكن أن يحدث ذلك في غضون عام، أو في غضون خمسة أعوام، وربما حتى بعد ذلك. وهي الأزمة التي ستؤدي إلى تفاقم كل الأزمات الأخرى.
في غضون 5-10 سنوات، وعلى الرغم من أن نضج الأزمة العرقية قد يكون قد وصل إلى 70%، والسياسة الخارجية بنسبة 80%، والاقتصاد بنسبة 90-100%، فإن هذه الأزمات مجتمعة ستكون قاتلةً تماماً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
إننا نشهد الآن بالفعل أشياءً غير مسبوقةٍ تماماً، فاستقرار الولايات المتحدة الأمريكية يتزعزع، بينما تتحول الولايات المتحدة بسرعة إلى فنزويلا.
فما الذي سيحدث بعد ذلك؟ لقد قلت بالفعل إن أحد العوامل الحاسمة للانتقال إلى تصعيد المواجهة، هو إدراك الجمهوريين والمحافظين البيض بشكل عام حقيقة أنهم فقدوا السلطة على المستوى الفدرالي للأبد. دوماً وإلى الأبد! فلو كان الجمهوريون احتفظوا بالسيطرة على مجلس الشيوخ، كان إدراك ذلك سيستغرق دورة انتخابية أخرى. لكنهم خسروا مجلس الشيوخ، وهو ما أدى إلى تسريع العملية بشكل كبير.
ولكن هنا أيضاً، هناك عاملان يمنعان التصعيد.
النخبة القديمة والنائمة والتي قضت كل حياتها في أوقات السلم والاستقرار، والعاجزة عن العمل الحاسم، بينما كان لدى الديمقراطيين جيل أصغر من القادة تقريباً، بما في ذلك أثناء أعمال الشغب المرتبطة بحركة “حياة السود مهمة”. ليس لدى الجمهوريين ذلك الجيل من الزعماء، فقد أظهر القادة الجمهوريون، بمن فيهم حتى ترامب، عدم قدرتهم على التصرف بشكل حاسم عند نقاط التحول في التاريخ، كان هؤلاء هم كبار السن، الذين يريدون أن يتمّوا بقية حياتهم في الاستقرار في مناصبهم.
من المحتمل أن يحدث العداء بين المعسكرين على شكل عمليتين: النضال والتنظيم الذاتي لـ “الشارع” الجمهوري، وتوحيد النخبة الجمهورية على مستوى الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون، والتي قد لا تعترف بالقرارات الفردية للحكومة المركزية. وستمنح هذه العمليات الجمهوريين قادةً جدداً، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت، ربما سنة أو سنتين. إذا اتهم الديمقراطيون الآن ترامب بالانقلاب واعتقلوه، فسوف تسير هذه العملية على نحو أسرع.
والعامل الثاني، فعلى الرغم من المشكلات الاقتصادية المتصاعدة، لا يزال غالبية سكان الولايات المتحدة الأمريكية يعيشون على مستوى جيد للغاية، بحيث لا يمكنهم النزول إلى الشوارع. والجمود كبير للغاية، ولا زالت الإعانات الحكومية تعوّض الدخل المفقود. لكن هذا لن يستمر طويلاً، بحد أقصى عدة سنوات أخرى.
وهكذا نرى أن الوضع لم يكن قد نضج بما فيه الكفاية قبل العاصفة المثالية، وفرص النجاح في اقتحام الكونغرس كانت قليلة.
ولا تزال هناك فرصة ضئيلة لاستمرار أو تصعيد الاحتجاجات الحالية إلى شكل حرب أهلية أو انهيار للولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن الأحداث يمكن أن تتطور بشكل أسرع إذا تدهور الوضع الاقتصادي بشكل حاد. كل ما علينا هو شراء المزيد من الفشار، ومشاهدة هذا العرض المثير للغاية.
* المادةالصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب