بقلم: تيم بلاك (مجلة “سبيكد البريطانية”، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-

رداً على الأحداث في اليمن، لم يغير وزير الخارجية البريطاني (السابق) كلماته. وقال “إنني أخشى من ضربة صاروخية أخرى”. وأضاف: “هذا هو ثاني حادث مروع من نوعه خلال ستة أسابيع والذي استهدف مرة أخرى منطقة مأهولة بالسكان”، مضيفًا: “أؤيد بشدة تحقيقات الأمم المتحدة بشأن منشأ هذه الأسلحة وأرحب باقتراح الأمم المتحدة بإجراء مناقشة مشتركة لهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة للنظر في هذه التهديدات والنظر في اتخاذ إجراءات ضد المسؤولين.

حتى الآن، لم يكن في كلامه هذا إدانة للهجوم الصاروخي الذي شنته قوات التحالف بقيادة السعودية على حافلة في ضحيان، معقل المتمردين الحوثيين في صعدة، حيث قُتل ما لا يقل عن 29 طفلاً وأصيب كثيرون بجراح خطيرة. كما لم يكن في كلامه دعوة إلى تحقيق الأمم المتحدة في الهجوم الذي تقوده السعودية على الحديدة، المدينة الساحلية، التي تقع على الساحل الغربي لليمن وتمثل نقطة الدخول الرئيسية للمواد الغذائية والإمدادات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين. في الواقع، لم يكن في كلامه رداً على أي من الفظائع التي ارتكبت خلال السنوات الثلاث الماضية كجزء من حرب التحالف السعودي على المتمردين الحوثيين في اليمن. لا، فهذا هو بوريس جونسون، الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية، وكان يتحدث في ديسمبر عن محاولة هجوم المتمردين الحوثيين على العاصمة السعودية الرياض. ذلك الهجوم الصاروخي الذي فشل بفضل التقنية العسكرية السعودية التي اعترضته والتي صنعت بلا شك في الغرب.

يبدو أن التحالف الذي تقوده السعودية يمكن أن يدمر اليمن، ويحاصر الموانئ ويدمر البنية التحتية الحيوية  ويقتل المدنيين بالآلاف، دون أن ينطق أحد ببنت شفه للمعارضة سواء في لندن أو واشنطن. ولكن عندما يرد الطرف الآخر  أو يحاول على الأقل، يصدر عنهما الخطاب الأخلاقي المنتقد الصارم.

قارنوا رد جونسون مع ذلك الصادر عن وزارة الخارجية البريطانية، التي يشرف عليها الآن جيريمي هانت ردا على الهجوم الصاروخي الذي حدث الأسبوع الماضي: “مطلوب إجراء تحقيق شفاف.  تدعو المملكة المتحدة جميع الأطراف إلى الحيلولة دون وقوع إصابات بين المدنيين وإلى التعاون مع الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي دائم في اليمن. أين “الهلع”؟ أين “الصدمة”؟ وأين الدعوة لاتخاذ إجراء ضد “المسؤولين عنه”؟ في أي مكان. لا توجد أقلام  تعلق هنا، الجميع غسل يده من المسؤولية الأخلاقية.

لكنها لم تكن مفاجأة بالطبع. فالملوك السعوديون هم رجالنا في الشرق الأوسط. إنهم حلفاء الدولة البريطانية وأصدقاءها. وكما قال جونسون في ديسمبر، “تظل المملكة المتحدة ملتزمة بدعم المملكة العربية السعودية لأنها تواجه أزمات إقليمية وتهديدات أمنية”. ليس هناك شك في التزام المملكة المتحدة أو أمريكا، نظراً لتصميمها وتصنيعها أسلحة بقيمة مليارات الدولارات للحاكم الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. إضافة إلى إرسال المستشارين العسكريين وتقديم المساعدات اللوجيستية. وفوق كل ذلك، يتغاضون باستمرار عن دمار اليمن. وعندما يبرهن على ذلك أمر لا يُحتمل مثل قصف حافلة تحمل أطفالا أو آثار احتراق مستشفى، فلا يكون منهم إلا التعبير عن القلق إزاء ذلك ويصاحبه دعوة روتينية لجميع الأطراف للتوصل إلى حل سلمي وكأن لا علاقة لهم بالأمر.

وهذه هي مشكلة دمار اليمن: إنه صراع تنخرط فيه العديد من القوى الخارجية والقوى التي ترسخ الصراع وتبرئ منه أولئك الذين يتحملون وطأته الآن. نعم، الصراعات الداخلية داخل اليمن حقيقية. المتمردون الحوثيون، الأقلية الشيعية المحرومة في شمال اليمن، لطالما استاءوا من تفضيل الدولة اليمنية للسنة، منذ توحيد اليمن في عام 1990. لكن هذا الصراع الأساسي، استعر مع وجود القاعدة وتنظيم داعش في الجنوب الانفصالي واكتسب ديناميكيته الدولية منذ اللحظة التي تدخلت فيها الأمم المتحدة مع دول الخليج ذات الأغلبية السنية، في الربيع العربي لليمن وعينت عبد ربه منصور هادي رئيسًا جديدًا لليمن في مطلع العام 2012. هذا على الرغم من تورط هادي في نفس الحكومة التي عارضها المتظاهرون اليمنيون.

ومنذ تلك اللحظة، ارتبط مصير هادي ومصير الدولة اليمنية بمؤيديه الدوليين والإقليميين ومن بينهم المملكة العربية السعودية. ليس ذلك لأنها كانت لعبة بسيطة من جانب السعوديين. وعلى عكس تدخلهم العسكري في البحرين في العام 2012 ، كانت محاولة آل سعود دعم سلطتهم الداخلية وبالتالي تعزيز أمنهم الخارجي، في منطقة تتفكك في أعقاب تدخل غربي كارثي، خاصة منذ حرب العراق في العام 2003 ، ثم الربيع العربي في العام 2011.

ومع ذلك، فإن قرار السعودية بتكثيف العمليات العسكرية في اليمن، في مارس 2015 ، كان مُدمراً لأمة كانت بالفعل أفقر الدول العربية. تم تصعيد الصراع، ودُفع المتمردون الحوثيون لخوض معركة ليس فقط ضد بقايا النظام القديم ولكن أيضا ضد السعودية وحلفائها الخليجيين. وفي الحقيقة، فإن هادي، الخصم الأصلي للحوثيين، يعيش الآن نفسه، وإن كان قيد الإقامة الجبرية، في الرياض. ومن جانبهم لم يستغرق الأمر طويلا لدى الحوثيين حتى لجأوا لخصوم آل سعود في المنطقة، إيران نفسها التي عقدت العزم على تحسين أمنها ضد التهديدات الخارجية، لبدء دعم الحوثيين، بمساعدة من حزب الله، ميليشيا إيران العميلة في لبنان.

وهكذا أصبحت الحرب الأهلية حربًا إقليمية بالوكالة  ثم حربًا دولية بالوكالة، في الوقت الذي تقف فيه كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في صف آل سعود، ووصل ذروته برقص ترامب مع الأمير سلمان، في حين أن روسيا تميل نحو الحوثيين المدعومين من إيران. ومع كل لحظة يجري فيها تدويل الصراع اليمني، تتضاءل احتمالات تمكن أطرافه الداخلية المختلفة من التوصل إلى أي حل. لأن الكثيرون عدا اليمن استثمروا الكثير في اليمن.