بقلم:بيير بيرنين

باريس, 18 يوليو, 2018(صحيفة “اوريان 21” الفرنسية, ترجمة :أسماء بجاش-سبأ)

 على الرغم من اِستِفحال حدة الأزمة الإنسانية والخُطب المُنذرة فيما يخص الوضع الحاصل في اليمن، لا تزال تعبئة الأطراف الدولية الفاعلة من أجل تسوية سلمية للنزاع في هذا البلد عاجزة عن إنقاذ هذا الشعب.

ومن الواضح أن مؤتمر الخبراء الذي عُقد في 27 من يونيو المنصرم في العاصمة الفرنسية “باريس” والذي أعلن عنه الرئيس “إيمانويل ماكرون” خلال زيارة ولي العهد السعودي الامير “محمد بن سلمان” في أبريل الماضي, لم يفي بوعوده.

من جانبه, أعلن التحالف العربي، الذي يقود عملاً عسكرياً ضد المتمردين الحوثيون، في 12 يونيو الماضي إطلاق الهجوم العسكري ضد ميناء الحديدة القابع تحت سيطرة أعداؤه -الحوثيون- منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ولطالما تراجع التحالف العربي مراراً وتكراراً عن تطهير هذا المنفذ الاستراتيجي بسبب المخاطر الإنسانية الناجمة عن شل أو تدمير نقطة الدخول الوحيدة والتي يمر من خلالها ما يعادل 70٪ من الواردات وفقاً للتقارير الصادرة عن الوكالات التابعة لهيئة الأمم المتحدة , حيث أصبحت  هذه الواردات متاحة بالفعل بعد حدوث انفراج وانفتاح على جبهة ساحل البحر الأحمر خلال ربيع العام2018 .

تولت القوات التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة قيادة زمام الأمور لأول مرة على أرض الواقع في المحافظات الشمالية، التي لطالما كانت حكرا على القوات السعودية.

تعول حكومة أبو ظبي في هذا الهجوم على الدعم الذي تقدمة القوات التابعة للحراك الجنوبي والميليشيات المحلية في الساحل، بالإضافة إلى أقارب الرئيس السابق “علي عبد الله صالح” والقوات الموالية لهم الذين لديهم ثأرً يسعون للأخذ به من الحوثيون, كما يعولون ايضاً بشكل خاص على المرتزقة السودانيون .

انعدام التأهب و سياسة حافة الهاوية:

زفت وسائل الإعلام الموالية لقوات التحالف العربي خبر اسقاط مطار الحديدة في 20 يونيو المنصرم, حيث عمت حالة من الابتهاج في الاوساط الإعلامية الموالية للتحالف العربي, لدرجة أن بعض تلك القنوات كادت أن تزف خبر الاستيلاء الفعلي على المدينة وميناءها الذي يقع في اقصى شمال المحافظة, ولكن هذا التقدم لا ينبغي أن يصور أن الهدف القادم سيكون سهل المنال.

فمن ناحية، لا يمثل المطار الواقع إلى الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة الحديدة قيمة استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى الحوثيون نظراً للحظر الجوي المفروض على المناطق الخاضعة لسيطرتهم, ومن ناحية أخرى، لم يبدأ القتال في المدينة نفسها ولا في الميناء حتى الآن.

وفي حال اراد التحالف العربي نقل العمليات القتالية إلى المدينة فإن هذا التقدم سيكون في جميع الحالات تدريجياً جداً أو أنه سيؤدي بهم إلى الوصول إلى طريق مسدود.

إن توازن القوة العسكرية ليس من السهل قياسه, في حين أن الحوثيون لديهم بعض نقاط القوة, خاصة بعد استحواذهم على جزءًا كبيرًا من الجيش الوطني.

وعلاوة على ذلك، فإن التكلفة فيما يتعلق بتدمير المدينة وتوطين الأزمة الإنسانية الحادة بالفعل لا يتحكم فيها قادة التحالف ولا صُناع القرار السياسي.

مدينة عدن الجنوبية والتي اعلانها الرئيس “عبد ربة منصور هادي” عاصمة مؤقتة للبلد, لا تزال تعاني منذ أكثر من ثلاث سنوات تقريباً من تدهور الوضع الامني المحفوف بالمخاطر بشكل خاص.

وهذا التدهور الخطير يؤرق مضاجع المنظمات الدولية غير الحكومية والوكالات التابعة للأمم المتحدة التي دقت ناقوس خطر المجاعة وعودة ظهور وباء الكوليرا الذي القى بظلاله في العام 2017 على مليون شخص.

كما تحذر المنظمات غير الحكومية التحالف العربي من مغبة مواجهة المخاطر الشديدة، ولكن بالكاد يتم الاستماع إليها.

وبالتالي يتم تنفيذ الهجوم في مرحلة معينة من حالة عدم الاستعداد, مما قد يؤدي إلى سلسلة من “النتوءات” ضد قوافل اللاجئين وحشد المقاتلين الذين ليس من السهل  التنسيق معهم, طالما وهم ليسوا سوى حلفاء للظروف.

كما لا يبدو أن آثار تعطيل خطوط الإمداد بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والتي يعيش فيها حوالي 50% من إجمالي عدد السكان ولو بشكل مؤقت، لا يؤخذ بعين الاعتبار,إذ إن مرور البضائع من خلال الخطوط الأمامية، لا يخضع لإجراءات الرقابة على الإطلاق.

إن الهدف الذي يقف وراء الهجوم على مدينة الحديدة يكمن في رغبة التحالف العربي في إطباق الخناق على الحوثيون, وبالأخص على الإيرادات التي يحصلون عليها من خلال الضرائب المفروضة على الواردات التي تدخل ميناء الحديدة, بالإضافة إلى منع وصول الأسلحة المزعومة من طهران, بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي تُطلق على المدن السعودية.

يسعى التحالف العربي بشكل أو بأخر إلى افشال جميع المبادرات الإنسانية والسياسية التي تسعى إلى التوصل إلى حل سياسي.

إن عرض خطة السلام التي أعدها المبعوث البريطاني الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، “مارتن غريفيث”، بعد أربعة أشهر من العمل المكثف عليها, قد تبؤ بالفشل جراء الهجوم على مدينة الحديدة.

مؤتمر إنساني … بدون عمل إنساني:

شهد  10أبريل المنصرم، وذلك خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمع الأمير “محمد بن سلمان” مع الرئيس الفرنسي، الإعلان المفاجئ عن انعقاد المؤتمر الإنساني الخاص باليمن في باريس, الذي من المحتمل أنه جاء رداً على الانتقادات والتهم التي يتعرض لها قصر الاليزية الفرنسي، بوضعه في نفس “خانة اليك” واعتباره متواطئ مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على اليمن.

منذ نهاية العام 2017 , تعالت الاصوات الحرة المنددة بعمليات بيع الاسلحة الفرنسية لقوات التحالف العربي, والتي تعد صفقات غير قانونية بناءاً على المعاهدة الدولية لحظر بيع الاسلحة, كما يؤيد 40 من أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية إنشاء لجنة تحقيق برلمانية في هذا الشأن.

ففي بادئ الأمر, واجه مؤتمر باريس حشد على المستوى الوزاري, الذي نُظم بالتنسيق مع السعوديون, حيث يهدف هذا المؤتمر  إلى الحصول على التزامات ملموسة في المسائل الإنسانية, ولاسيما فيما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية التي شهدت انخفاض بصورة تدريجية.

وفي الاخير, تم تحديد تاريخ انعقاد المؤتمر والذي تم التعتيم عليه لفترة طويلة في 27 يونيو.

ومن الواضح جداً أن السعوديون والإماراتيون قاموا بكل شيء لبث الفوضى, بحجة أنهم قادرون على التعامل مع القضية الإنسانية بأنفسهم.

إن “التسريبات” التي نشرتها الصحف من خلال الجيش الإماراتي حول قضية التزام فرنسا بقضية إزالة الألغام في الحديدة, وهي المهمة التي كان الأمريكيون أنفسهم قد استثمروها إلى جانب قوات التحالف العربي, تعمل – تلك التسريبات- في كل الأحوال على تشويه الموقف الفرنسي الذي وصف بالمنافق من قبل العديد من المراقبين.

وخلال العمليات التي سبقت الإعداد للاجتماع أدى التفاعل مع المنظمات غير الحكومية العاملة في اليمن إلى خلق حالة من توترات المختلفة.

وعلى الرغم من الأهمية الحاسمة لهذه المنظمات بعد أن لعبت دوراً مهماً في المشاورات, اكتشفوا متأخراً أن المؤتمر نفسه سيجري دون مشاركتهم.

لا شك أن هذا كان مطلباً من السعوديون الذين تم تمثيلهم رسميا في 27 يونيو من قبل مسؤولي مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية.

وفي الوقت نفسه, فإن الاتصالات السياسية التي جمعت الفرنسيون مع جماعة الحوثي يستحيل في الواقع تعبئتُها في إطار المؤتمر الإنساني الذي عمل على تنظيمه السعوديون بالاشتراك مع منظمات المجتمع المدني اليمني.

أخطاء “إيمانويل ماكرون” الدبلوماسية:

كانت التبادلات في المؤتمر الذي جمع ممثلين من حوالي 20 بلداً, بالإضافة إلى الوكالات التابعة للأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية مخيباً للآمال دون أدنى شك.

حوار اصم دار بين من يدقون ناقوس خطر وقوع البلد في شرك ازمة انسانية حادة وبين ممثلوا قوات التحالف العربي الواثقين من مبدأهم وصحة نهجهم في التعامل مع الازمة الانسانية في اليمن, في حين أن خطة الاستجابة الإنسانية التي تم اطلاقها لم تؤتي ثمارها بعد.

وفي خضم هذا المؤتمر، لم يتمكن المنظمون سوى التأكيد على المشاركة المحدودة للمسائل الانسانية, في حين أن معالجة القضايا التي انعقد المؤتمر لمعالجتها فضل التحالف تجاهلها.

ظهرت عيوب في سياسات “إيمانويل ماكرون” في كثير من الأحيان على انها مزعجة للغاية، والتي يجب على الدبلوماسيين التعامل معها بشكل يومي.

كما اظهر هذا المؤتمر على وجه الخصوص، الصعوبات التي واجهها المؤتمر المصيدة التي وقع فيها المجتمع الدولي برمتة، والغير القادر فعلاً على ممارسة الضغوطات على دول التحالف العربي، وذلك بسبب تطوير النقد شديد التحفظ.

ولا بد من القول أن عقود التسليح من وجهات نظر الاستثمارات والمساهمات لوكالات الأمم المتحدة في مجال التعاون في مكافحة الإرهاب, التي تعد وسيلة للضغط من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة, لا تزال مهمة, ودون الإعلان عن الشقاق الحاصل بشأن الملف اليمني بين المنظمات الإنسانية ودول التحالف العربي، تسعى الممالك النفطية جاهدة إلى تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي, ولكن دون جدوى.

دعى الناشطان اليمنيان: فارع المسلمي ورأفت الأكحلي من خلال أحدى المقالات التي نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية في 27 يونيو على خلفية هامش المؤتمر، إلى إجراء تغييرات في الاستراتيجية المعتمدة القائمة على دبلوماسية الشجاعة، مطالبين بمزيد من ‘التنازلات’ اللازمة لوضع حد للنزاع “من جانب السعوديون، إذ يبدو هذا الحل وكأنه الأكثر واقعية.

تعتبر  فرنسا من وجهة نظرهم “القوة الدولية” القادرة على حل الأزمة الإنسانية في اليمن, ومن المأمول أن يدرك القادة الفرنسيين والأوروبيين للمأزق والجمود للمسار الحالي دون الحاجة إلى ايقاع البلد في شرك المجاعة والأوبئة والعنف الجامح الذي يتم الإعلان عنه دائما للأسف.