السياسية :
نجيب هبة

 

تتوالى القرارات المرتبطة بالهزيمة والفشل السعودي في اليمن وكان آخرها إقالة فهد بن تركي بن عبدالعزيز قائد القوات المشتركة في اليمن وعدد من الضباط والمسؤولين الآخرين..

وشمل قرار الإقالة أيضاً ابن الأمير فهد، عبد العزيز بن فهد نائب أمير منطقة الجوف الذي كان يعتبر أميرًا شابًا صاعدًا في المملكة.

هذه الإقالة وإن كان ظاهرها والمعلن فيها هو إحالته إلى التقاعد والتحقيق في قضايا فساد داخل المؤسسة العسكرية السعودية مرتبطة بالعمليات والعدوان على اليمن إلا أن باطنها وماخفي منها متعلق بقضيتين رئيسيتين أولهما الفشل السعودي الذي بات واضحاً وعدم تحقيقها الأهداف التي أعلنتها في بداية عدوانها على اليمن.

وثانيهما مخاوف ولي العهد محمد بن سلمان من منافسة أبناء عمومته على العرش وهي المخاوف التي أدت إلى حملات الاعتقال التي شنها بن سلمان على عدد من الأمراء خلال الفترات الماضية.. حيث يتخوف بن سلمان المسكون بالرعب من انقلاب عسكري وشيك كان يدبره فهد بن تركي مستعينا بالقوات التي يقودها في الحرب على اليمن.

 

كبش فداء العدوان على اليمن

ففي هذا السياق.. تساءل محرر شؤون الشرق الأوسط بصحيفة التايمز البريطانية إن كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أراد بإقالته الفريق الركن فهد بن تركي تحميل هذا الأخير مسؤولية الفشل في تحقيق النصر في هذه الحرب التي مضى عليها 5 سنوات.

وقال ريتشارد سبنسير إن “هذا الإجراء جاء ضمن عملية تطهير جديدة في أوساط العائلة السعودية الحاكمة شملت هذه المرة القائد المذكور وابنه عبد العزيز بن فهد، الذي كان يشغل نائب أمير منطقة الجوف”.

وأضاف أن “ثمة تكهنات بأن يكون هذا الجنرال، الذي كان يتولى قيادة قوات تحالف العدوان السعودي الإماراتي في اليمن قد اتُّخذ كبش فداء للتغطية على فشل الرياض في تحقيق انتصار في هذه الحرب، التي أراد بن سلمان أن يحقق فيها نصرا سريعا لكنها، وفقا للكاتب، تحولت بدلا من ذلك إلى أكبر إحراج تواجهه المملكة في تاريخها الحديث”.

وأوضح سبنسير أن “بن سلمان إنما شن هذه الحرب بعد تعيينه وزيرا للدفاع بغية ترك بصماته مع بداية صعوده إلى السلطة، غير أن القوات السعودية وجدت نفسها عالقة في مستنقع اليمن وأدت الغارات التي شنها الطيران السعودي إلى قتل آلاف المدنيين بمن فيهم الكثير من الأطفال”.

ولفت الكاتب إلى أن “بن سلمان جعل من حملات التطهير بين أبناء عمومته ملمحاً لصعوده إلى السلطة، إذ أطاح في يونيو2017 بابن عمه ولي العهد محمد بن نايف، وأشفع ذلك بسجن أمراء ورجال أعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض بتهمة الفساد، قبل أن يجبرهم على تسويات مالية”.

وفي مارس الماضي اعتقل بن سلمان محمد بن نايف وشقيق الملك سلمان الأمير أحمد بن عبدالعزيز ومعهم مجموعة من الأمراء.

كما اعتقل عددا آخر من أبناء العائلة، يقال إن عددهم لا يقل عن 10 آلاف معتقل، وهناك -بحسب الكاتب – من خدعهم بن سلمان بالعودة إلى المملكة أو أجبرهم على العودة ضد رغبتهم في ظروف غامضة وبعد ذلك اختفوا.

 من ناحيته .. نشر الكاتب البريطاني، دافيد هيرست، مقالا في موقع “ميدل إيست آي”، تحدث فيه عن أسباب وتداعيات إقالة ولي العهد السعودي، لقائد العمليات المشتركة في اليمن..

واعتبر هيرست إن “لدى محمد بن سلمان سببا آخر يجعله يخشى من فهد بن تركي، فقد كان قائدا للقوات البرية يتمتع بالشعبية ولربما عبر عن امتعاض الجيش بسبب الطريقة التي أدار بها وزير الدفاع، وهو نفسه ولي العهد، الحملة الحربية في اليمن”.

وأضاف أنه “بعد مرور خمسة أعوام، ما زال مشروع ولي العهد عالقا في مستنقع اليمن، ويكلف المملكة مليار دولار شهريا. ما زال الحوثيون في صنعاء، وما زالوا قادرين على إطلاق الصواريخ، التي بإمكانها الوصول إلى الرياض وأماكن شاسعة من الأراضي السعودية ، وأن جنوب اليمن يتعرض للتقسيم على أيدي قوات موالية لأبوظبي”.

وتابع “من المعروف أن فهد كان قد اصطدم مع محمد بن سلمان؛ بسبب استيلاء الإمارات على جزيرة سقطرى الاستراتيجية، وسقوط عدن في أيدي قوات موالية للإمارات”.. معتبرا أن محمد بن سلمان وشقيقه خالد يتوجهان نحو إيجاد مخرج دبلوماسي دون الاعتراف بالهزيمة، إلا أن استمرار سيطرة أنصار الله على العاصمة ومركز الحكم في اليمن ينبئ بشيء مختلف تماما”.

 وأضاف هيرست “لو كان ثمة حاجة إلى دليل يثبت أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لديه نفوذ على وزير الدفاع السعودي أكبر بكثير مما لدى كبار الجنرالات في الجيش السعودي، فلا يوجد إشارة أقوى من إقالة فهد”.. ونقل الصحفي البريطاني عن مصادر سعودية أن “فهد بدأ يتحدث مع الجنرالات المتقاعدين حول عدم رضاه، ويستحيل معرفة إلى أي مدى وصل الأمر، أو ما إذا تمكن بن سلمان من رصد ذلك النشاط عبر شبكة الرقابة الشاملة التي لديه”، بحسب هيرست.

وكانت مصادر سياسية روسية رجحت حدوث ثورة قريبة داخل الأسرة الحاكمة في المملكة، إزاء تصاعد حملة ولي العهد محمد بن سلمان ضد أفراد الأسرة وثرواتهم ومؤسسات الدولة.

وقال موقع “نيوز ري” الروسي في تقرير له “إن هناك تشكيلات سياسية تتكون داخل الأسرة الحاكمة نتيجة سياسات ولي العهد بين أبناء عمومته، بعد أن فشلت الحملات التي شنها لتطهير المعارضين في المملكة لتحييدهم عن معارضة نظام حكمه”.

وأضاف الموقع أن “سياسات ولي العهد أدت لتشكيل حركة معارضة قوية في صفوف أبناء عمومته.. حيث أن مصادر مقربة من معارضي الحكم في السعودية تؤكد أن حملات التطهير التي استهدفت المعارضين في الرياض. لم تؤد إلى تحييد مشاعر رفض نظام الحكم الحالي في صفوف عائلة آل سعود، وهو أمر من المرجح أن محمد بن سلمان نفسه يشعر به”.

وأضاف التقرير “أن مواقع مقربة من مصادر سعودية تحدثت عن مشاعر العداء التي تشبه أجواء الحرب. يكنها أفراد من عائلة آل سعود لولي العهد محمد بن سلمان؛ إذ إن أبناء عمومته لا يزالون يرفضون الاعتراف بشرعيته كولي للعهد”.

 

وعلقت أوساط أمريكية على قرار إقالة قائد القوات المشتركة فهد بن تركي بأن الخطوة تعود إلى فشل ولي العهد محمد بن سلمان في اليمن.

وقال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن “بن سلمان على الرغم من أنه الحاكم الفعلي للمملكة، إلا أنه غالبا ما يظهر بأنه يخشى المؤامرات التي تحول دون استلامه للعرش رسميا، خلفا لوالده المريض والمسن”.

وذكر المعهد أن خطوة مثل إحالة فهد بن تركي إلى التقاعد والتحقيق معه يرجح أنها ترتبط بقضية الخلافة للعرش.. مضيفاً “إن مزاعم الفساد ضد الفريق فهد، لن تؤدي إلّا إلى تأجيج الشائعات بأن هناك قضايا أخرى على المحك، إلى جانب عدم الرضا من حملة اليمن”.  

ورأى المعهد أنه بالنسبة لواشنطن، “قد يشكل التغيير في القيادة العسكرية فرصةً للنقاش مع الرياض بشأن تغيير سياستها تجاه اليمن، وحل هذه الأزمة التي طال أمدها بشكل قاطع ونهائي”.

ومنذ أوائل عام 2018، كان الفريق الركن فهد بن تركي، الذي خدم فترة طويلة في الجيش السعودي. يتولى قيادة تحالف العدوان الذي تقوده السعودية في اليمن.

وقال المعهد إن حرب اليمن “كانت إخفاقاً باهظ الثمن، حيث تكلّف السعودية نحو مليار دولار شهرياً. ولا يزال الحوثيون يسيطرون على صنعاء والأجزاء الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد”.

 

عدم كفاءة الجيش السعودي

وأشارت إلى أنه “اتّضح عدم كفاءة الجيش السعودي بشكل متزايد. وتضررت سمعته بصورة أكبر بسبب الضربات الجوية غير الدقيقة التي أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا في صفوف المدنيين”.

وختم معهد واشنطن تقريره بأن “الأمير محمد بن سلمان وشقيقه الأصغر نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان ينأيان بنفسيهما عن السياسة اليمنية بشكل متزايد. ويسعيان إلى مخرج دبلوماسي دون الاضطرار إلى الاعتراف بالهزيمة”.

وبين هذا وذاك فإن ماهو مؤكد ومكشوف للمراقبين هو استمرار النظام السعودي في المتاجرة بدماء اليمنيين وتغذية الانقسام الداخلي واستخدام الحرب والعدوان على اليمن كمطية لتصفية الحسابات والصراع على العرش داخل الأسرة الحاكمة في المملكة.. ولكن الثمن الذي سيدفعه نظام العدوان السعودي والذي يحجبه الغرور عن رؤيته سيكون قاسياً وغالياً بغلاء الدم اليمني المسكوب.