بقلم: ديفييد هيرست

( موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ترجمة: نجاة نور- سبأ)

تُعد إقالة القائد العسكري الأمير فهد بن تركي هي الأحدث في سلسلة عمليات التطهير التي نفذها ولي العهد المصاب بجنون العظمة.

كان هناك ما لا يقل عن خمس عمليات تطهير كبرى وإعدام جماعي في المملكة العربية السعودية منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة كولي للعهد,

 وهي كالتالي:

– حملة اعتقالات لعلماء المسلمين.

– القبض والتحفظ على أكثر من 300 من رجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة في فندق ريتز كارلتون.

– حملة ضد الناشطات والمدافعات عن  حقوق الإنسان.

– اعتقال قيادات هيئة البيعة.

– اعتقال 300 موظف حكومي.

– واخرها كان إقالة الأمير فهد بن تركي, القائد العام للقوات السعودية المشتركة ونجله, وهكذا أصبحت عمليات التطهير سمة دائمة من سمات حكم الأمير المصاب بجنون العظمة.

لديه، بالطبع، كل الأسباب التي تجعله مصاباً بجنون العظمة، فقد صنع العديد من الأعداء من أبناء عمومته وأعمامهم, كما ارتكب العديد من الأخطاء التي ستنقلب ضده لدرجة أن المملكة أصبحت اليوم أضعف عسكرياً واقتصادياً من أي وقت مضى، لقد ذبلت هيبة المملكة إقليمياً.

إن صنع السياسة هو خراب,  ألقى عبد الرحمن السديس، إمام المسجد الحرام في مكة، خطبة فُسرت على نطاق واسع على أنها مقدمة للتطبيع مع إسرائيل.

وبحلول يوم الأحد، أبلغ الملك سلمان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه لا تطبيع مع اسرائيل بدون دولة فلسطينية.

قد يكون لدى ولي العهد سبب للاعتقاد بأن الاسلحة قد نفذت من جعبته, لكن كان هناك أسلوب في جنون المراسيم الصادرة في جوف الليل.

أبناء وإخوة:

أولى محمد بن سلمان اهتماماً خاصاً لخطوط الخلافة المتنافسة التي لها حق شرعي في العرش إذا أطاح به انقلاب من داخل القصر الملكي.

يوجد فرعين من أفراد الأسرة مصدر قلق له هم أبناء السديري السبعة “الإخوة الشقيقين لوالده الملك سلمان” (أبناء الملك عبد العزيز من حصة السديري) وأبناء الملك الراحل عبد الله، ثلاثة منهم هم رهن الاعتقال الآن.

كان فهد بن تركي في مرمى محمد بن سلمان في كلتا الحالتين, فهو آخر أبناء السديري ذوي الأهمية العسكرية المهمين الذين طردوا من المنصب, والعضوان الآخران من هذا الخط، شقيق الملك سلمان الأمير أحمد وابن أخيه محمد بن نايف وكلاهما رهن الاعتقال، وكانا هدفاً لعمليات تطهير سابقة.

ولكن إذا لم يكن ذلك كافياً، فإن عبير زوجة فهد بن تركي هي أيضاً ابنة الملك الراحل عبد الله والدة الأمير عبد العزيز بن فهد بن تركي الذي أقيل من منصبه كنائب لأمير منطقة الجوف في الشمال.

كانت عبير نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي, حيث ترأست المنظمة العربية للسلامة المرورية وأطلقت جائزة الشراكة المجتمعية باسمها.

واحد السديريين الذين تم احتجازهم هو عبد العزيز بن سعود بن نايف، حفيد الأمير نايف وزيراً للداخلية, وبحسب بعض التقارير، ربما يكون قد احتُجز أثناء عمليات التطهير هذه.

كما احتفظ أبناء وأحفاد شقيق الملك سلمان ببعض النفوذ, فقد احتفظ فيصل بن خالد بن سلطان وفهد بن سلطان بولايتين, بينما حصلت ريما ابنة بندر بن سلطان على منصب سفيرة المملكة في واشنطن وشقيقها خالد بن بندر بن سلطان سفيراً في لندن.

الأمير السعودي فهد بن تركي، قائد التحالف العربي آنذاك، يتحدث إلى الدبلوماسي الأمريكي بريان هوك، خلال زيارة لقاعدة عسكرية في الخرج السعودية في 21 يونيو 2019

إن العشيرة السديرية بشكل عام أصبحت ظل لما كانت عليه في السابق, ففي عهد الملك فهد سيطر هذا الخط من العائلة على المراكز العسكرية والاستخباراتية.

عشيرة عبد الله ليست أفضل حالاً, فتركي بن عبد الله هو الضحية الوحيدة الكبرى وهو أحد المحتجزين في فندق كارلتون ريتز, حيث لا يزال رهن الاعتقال منذ ثلاث سنوات تقريباً, كما أعيد اعتقال شقيقيه فيصل ومشعل بحسب بعض التقارير, ولا يزال تركي بن عبد الله يحتفظ ببعض النفوذ، وكانت هناك نداءات على وسائل التواصل الاجتماعي للإفراج عنه.

تداعيات أزمة اليمن:

كان لمحمد بن سلمان أسباب أخرى للخوف من فهد بن تركي, فقد كان هذا الأخير جندياً محترفاً وقائداً شعبياً للقوات البرية, ومعروفاً بالتواضع.

وعلى هذا النحو كان سيعكس ازدراء الجيش للطريقة التي أدار بها وزير دفاعهم، ولي العهد، الحملة في اليمن.

بدأت حملة تطهير الحوثيين من صنعاء بعد فترة وجيزة من تولي الملك سلمان العرش في يناير 2015, وكان من المفترض أن تحقق الضربة الخاطفة إلى بدء سياسة خارجية أكثر نشاطا من قبل المملكة.

بعد مرور خمس سنوات، أصبح مشروع ولي العهد السعودي متعثراً ويكلف مليار دولار شهرياً ولا يزال الحوثيون في صنعاء قادرين على إطلاق صواريخ يمكن أن تصل إلى الرياض ومكة ومساحات شاسعة من الأراضي السعودية, حيث وقد تم تقسيم جنوب اليمن فعلياً من قبل القوات المدفوعة الموالية لأبو ظبي.

ومن المعروف أن الأمير فهد تعارض مع محمد بن سلمان بشأن استيلاء الإمارات على جزيرة سقطرى الاستراتيجية وسقوط عدن في أيدي القوات الموالية للإمارات.

يتجه محمد بن سلمان وشقيقه خالد نحو مخرج دبلوماسي، دون الاعتراف بالهزيمة, وجود الحوثيين في العاصمة ومقر الحكومة في اليمن يدل على خلاف ذلك.

إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة على أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، له نفوذ أكبر على وزير الدفاع السعودي من كبار جنرالاته، فلا يمكن أن تكون هناك إشارة أقوى من إقالة فهد.

أبلغتني مصادر سعودية أن فهد بدأ أيضاً في التحدث إلى الجنرالات المتقاعدين بشأن عدم رضاه, ومن المستحيل معرفة المدى الذي وصل إليه هذا الأمر أو ما إذا كانت شبكة المراقبة الشاملة التابعة لمحمد بن سلمان قد التقطت هذا النشاط.

إشارة خاطئة:

الرسالة التي ترسلها عمليات التطهير المستمرة هذه إلى المنطقة هي الرسالة الخاطئة, حيث يحتاج ولي العهد إلى تقديم صورة مستقرة للمملكة تحت سيطرته الكاملة، لاسيما في وقت تتعرض فيه السعودية لضغوط من جانب شركائها، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره ومستشاره الخاص جاريد كوشنر، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

يريد محمد بن سلمان تجنب ظهور علامات الضعف والفوضى, لأنه إذا سادت الفوضى فإن الصفقة التي وقعها وحده مع إسرائيل (التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصياً عدة مرات) لا تستحق الورقة التي كُتبت عليها، لأنها لن تحصل على موافقة من بقية أفراد العائلة المالكة.

ويجب أن يعلم نتنياهو بالتأكيد أنه إذا تم إسقاط محمد بن سلمان، فإن كل جهود إسرائيل لجعل المملكة تتماشى معها فيما يخص القضية الفلسطينية ستذهب أدراج الرياح, وستعود السياسة السعودية تجاه إسرائيل بالتأكيد إلى الوضع القديم لمبادرة السلام العربية لعام 2002, والتي كانت إنتاجاً سعودياً وإنجازاً فريداً للسياسة الخارجية للملك عبد الله منذ أن كان ولياً للعهد.

وسواء كان فهد يمثل تهديداً حقيقياً أو ما إذا كان الجنرال ضحية لنوبة أخرى من جنون الارتياب في منتصف الليل للأمير، فلا فرق كبير, نظراً لكونها إشارة انعدام الأمن الدائم على أعلى مستويات العائلة المالكة, كما يتجسد انعدام الأمن الدائم في محمد بن سلمان نفسه، حيث كان يعمل طوال الليل ويتآمر ويشتبه ويهاجم دون التفكير في العواقب.

التطهير المعلن الأسبوع الماضي لا يزال مستمرا, حيث تم القبض على المزيد من رجال الدين، بما في ذلك الشيخ الدكتور عبد الله بصفر الداعية والمقرئ المعروف بالرغم من كونه لا يُعرف عنه أي انتماء سياسي.

لا يمكن لمحمد بن سلمان أن ينام بسلام, وهذه هي مشكلته، أما مشكلة المملكة أنها لن تتمتع بالاستقرار في ظل حكمه.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.