السياسية – متابعات :

عبثاً تُحاول دويلة الإمارات التأكيد لجمهورها أنّ عمليّة التطبيع لم تكن مجّانية، مُروجةً في كلّ وسائلها الإعلامية بأنّ عملية التطبيع هذه ستجلب للإمارات كل أمر ما كان مُمكناً قبل ذلك، وبالأخص الأسلحة التي تُحرم “إسرائيل” على دول الشرق الأوسط الحصول عليها.

ومردُّ رفض الكيان لهذا الأمر على الرغم من توقيع أبو ظبي لاتفاقية سلام، نابعٌ من الحذر والخوف من المستقبل في حال تغيّر المُعادلة، فالكيان يعلم جيداً أنّ توقيع أي اتفاقيّة تطبيع مع الأنظمة الموجودة وجميعها دكتاتورية تبقى إمكانية الثورة عليها واردة في أيِّ لحظة، وحينها فإنّ مصير هذه الأسلحة سيكون في يد الشعوب التي ترفض أيّ نوعٍ من أنواع التطبيع مع الكيان، وبالطبع فإنّ ما ينطبق على الإمارات من حذر الكيان؛ ينطبق على بقيّة الدّول التي تُهرول للتطبيع مع الكيان.

لماذا الإصرار على التسلّح؟

بالتأكيد إنّ اتفاق التطبيع مع الإمارات سمح لها الحصول على بعض الأسلحة ولكن ليست تلك التي تُشكِّل تهديداً للكيان، لكن حتى هذه الأسلحة، لماذا تُريدها الإمارات، فأحدٌ لا يُهدد وجودها، ولم تدخل في حرب في الماضي.

وبنظرةٍ شاملة لدول الشرق الأوسط؛ نجد أنّ الدول العربية أو حتى غير العربيّة والمُهددة والتي تمتلك صراعات إقليميّة أو نزاعات حدودية، فهي بحاجة إلى أسلحة متطورة لتدافع عن وجودها ضد القوى الخارجيّة، وهنا يبرز السؤال الحقيقي عن حاجة الإمارات لكل هذه الأسلحة التي تُكلّف الخزينة الإماراتية عشرات مليارات الدولارات خصوصاً وأنها تعيش أزمة اقتصادية حادة؟ ومن هو العدو الذي يُهدد الإمارات طالما أنّها طبّعت مع الكيان الإسرائيلي الذي كانت تدعي أنّه يُشكّل لها تهديداً وجودياً، بل أكثر من ذلك فقد دخلت معه في حلفٍ ضمن اتفاق “إبراهيم”.

قد يقول قائل بأنّ الإمارات تتسلح لمحاربة إيران أو تركيا، غير أنّ الواقع يؤكد أنّ الإمارات وعلى الرّغم من طموحاتها الكبيرة غير أنّها تعرف حجمها جيداً وتعرف مداها أيضاً، وتعرف أيضاً أنّه لا قِبل لها لا بمحاربة إيران ولا تركيا، فإيران قوة إقليمية كبيرة حتى أمريكا تحسب لها ألف حساب، وحتى الكيان لن يجرؤ على مهاجمة إيران، وتركيا أيضاً لا تمتلك أي حدودٍ مع إيران، وعلى الرّغم من كلّ المشكلات بين البلدين، فإنّ تركيا لم تُهاجم الإمارات أو تُهددها، وإذا فرّقتهما السياسة، فإنّ الاقتصاد يجمعهما فالكثير من الشركات التركية تعمل في الإمارات، كما أنّ للإمارات استثمارات كبيرة في تركيا، وبعد ما تقدّم بات يحق لنا التساؤل عن حاجة الإمارات لتكديس الأسلحة الفتّاكة والمُتطورة.

ماذا تُريد الإمارات

منذ العام 2011 باتت تُعرف الإمارات كقائدة للثورات المُضادة، وباتت تحتضن كافة قوى الشّر المُناهضة لتطلعات الشعوب، وعلى هذا الأساس وبالتعاون مع مملكة آل سعود تدخلا في البحرين في مارس من العام 2011، عندما كانت عائلة خليفة تخشى أن تتطوّر حركات الاحتجاج إلى أن تُصبح مُهددة لحكمها، وفي يوليو من العام 2013، دعمت أبو ظبي وبالاشتراك مع الرياض انقلاب الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي على الحكم الشرعي للإخوان المُسلمين الذي قاده محمد مُرسي.

وفي ربيع العام 2015، بدأت ملامح جديدة للتدخلات الإماراتيّة في المنطقة، حيث بدأت تزجُّ بالمُرتزقة الذي تشتريهم وتُسلّحهم في ساحات المعارك، ولتبدأ حرباً شرسة في اليمن بمُشاركة آل سعود ضد حركة أنصار الله، وحتى اليوم وبعد خمس سنوات لم تُحقق أيّ مكاسب حقيقية على الأرض، وباتت اليوم حاجتها كبيرة لشراء أسلحة مُتطوّرة علّها تستطيع تحقيق أيّ تقدمٍ ملموس، وهو الأمر المُستبعد على الأقل في الوقت الحاضر.

أما في ليبيا فقد أخذ الصّراع شكلاً مُختلفاً، وباتت الإمارات ومن خلفها ميليشيات خليفة حفتر ومصر والسعودية لا يواجهون الليبيين فقط، بل وجودوا أنفسهم في مواجهةٍ مُباشرة مع تركيا ذات الثقل الإقليمي الكبير، وهي التي زجّت بجيشيها وعناصر من المُرتزقة المُوالين لها في تلك، وبات من الواضح أن الأسلحة التي تُورّدها الإمارات لحفتر لا تفي بالغرض بعد الهزائم المُتلاحقة التي مُنيت بها قوّاته، وبات لزاماً عليها أن تجد أسلحة أكثر فتكاً علّها تستطيع تغيير المعادلة العسكرية على الأرض ومن ثُمّ تغيير المعادلة على طاولة المُفاوضات.

وفي النهاية؛ بات من الواضح أنّ السبب الأساس في الإخفاق بمغامراتها العسكرية الخارجية والتي حاولت من خلالها دعم الثّورات ليس مردّه إلى ضعف تلك الأسلحة، بل إنّ المُشكلة تكمن في البُنية الأساسية للنظام الإماراتي وإصراره على مُهاجمةِ أيّ شيء ذي صبغةٍ إسلامية (كالإخوان المسلمين وتركيا وإيران)، كما أنّه وعلى الرّغم من امتلاكه لأمولٍ طائلة، غير أنّه لم يعرف حجم إمكانياته جيداً، فهو يُحاول لعب دورٍ أكبر من حجمه على مستوى الإقليم، وهو الأمر الذي لن تستطيعه الإمارات، خصوصاً بعد اتفاقيّة التطبيع التي فضحت الدور الإماراتي في المنطقة.

* المصدر : الوقت التحليلي