مركز البحوث والمعلومات :

 

يصادف يوم الجمعة القادمة الذكرى الثالثة لليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وتكريمهم، ويركز الاحتفال على قدرة الضحايا وعائلاتهم على الصمود والتكيف مع المجتمع والجهود التي ساعدتهم في الشفاء والانتعاش والبقاء أقوياء ومتحدين ضد الإرهاب.

وعلى الرغم من تضرر كثير من البلدان من الإرهاب، فإن أعداد الضحايا تتركز إلى حد كبير في عدد صغير من الدول الأعضاء.. ولم يزل ضحايا الإرهاب يكافحون لإسماع أصواتهم، وليجدون من يلبي احتياجاتهم، ويؤيد حقوقهم.. وغالباً ما يشعر أولئك الضحايا بالنسيان والإهمال بمجرد تلاشي التأثر الفوري للهجمات الإرهابية، الأمر الذي يترتب عليه عواقب وخيمة عليهم.

وتمتلك عدد قليل من الدول الأعضاء الموارد أو القدرات اللازمة للوفاء بالاحتياجات المتوسطة والطويلة الأجل للضحايا حتى يتعافون تعافيا كاملا، وحتى تكتمل عمليتي إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.. وتتطلب عملية تعافي ضحايا الإرهاب دعما متعدد الأبعاد وطويل الأجل، على أن يشتمل على الدعم البدني والنفسي والاجتماعي والمالي، التي تمكنهم من الشفاء والعيش بكرامة.

وتقع المسؤولية الأساسية لدعم ضحايا الإرهاب والحفاظ على حقوقهم على عاتق الدول الأعضاء.. حيث تعمل الأمم المتحدة على توفير الموارد وتعبئة المجتمع الدولي وتحسين تلبية احتياجات ضحايا الإرهاب، وتلعب دوراً مهماً في دعم الدول الأعضاء لتنفيذ العنصرين الأول والرابع من إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب من خلال التضامن وتقديم الدعم للضحايا، والمساعدة في بناء القدرات، وإنشاء شبكات من المجتمع المدني وتقديم الدعم له، ولا سيما الجمعيات المعنية بضحايا الإرهاب، وتشجيع الدول الأعضاء على تعزيز وحماية واحترام حقوق الضحايا.

وأطلقت الأمم المتحدة في السادس من الشهر الماضي أسبوع مكافحة الإرهاب الافتراضي 2020م، بعنوان “التحديات الإستراتيجية والعملية لمكافحة الإرهاب في بيئة وبائية عالمية “.

وشارك في هذا الأسبوع، وهو الأول من نوعه الذي تعقده الأمم المتحدة، أكثر من 1000 مشارك من 134 دولة و47 منظمة دولية وإقليمية و88 منظمة من منظمات المجتمع المدني وكيانات القطاع الخاص.

وتضمن أسبوع مكافحة الإرهاب الافتراضي ما مجموعه 10 ندوات ومناقشات تفاعلية تمت عبر الإنترنت، تناولون فيها مواضيع رئيسية لمكافحة الإرهاب في ضوء أزمة كوفيد-19، وكذا التركيز على الإرهاب البيولوجي والإلكتروني، والتهديدات والاتجاهات عالية المخاطر، ومعالجة أزمة ضحايا الإرهاب، وبرامج الأمم المتحدة الرئيسة لمكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، ومكافحة تمويل الإرهاب، والمبادرات التي يقودها الشباب لبناء مجتمعات مرنة، ووجهات نظر المجتمع المدني ووسائل الإعلام لمنع التطرف العنيف.

وأوضح وكيل الأمين العام لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، في جلسة ختام الأسبوع أن جائحة كوفيد-19 شكلت أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، منذ إنشاء الأمم المتحدة قبل 75 عاما واختبارا للمرونة الوطنية والتضامن الدولي والتعاون متعدد الأطراف.

وأضاف أن العالم “يركز بشكل صحيح على محاربة الفيروس، ولكن لأن الإرهابيين يستغلون الوضع، فلا يمكن إيقاف الجهود لمنع ومواجهة التهديد العالمي للإرهاب.. فكان هذا الأسبوع فرصة فريدة للتفكير الجماعي في هذه المسائل والاستماع إلى أولويات الدول الأعضاء.

مشيرا إلى أن العالم يواجه تهديدا يأتي من الشبكات العابرة للحدود مثل داعش والقاعدة وفروعهما الإقليمية، ومن الأفراد والجماعات الذين يعملون بمفردهم.

محذرا من النازيين الجدد، والمتعصبين البيض والأشكال الجديدة لأعمال الإرهاب بدوافع عرقية وإثنية وسياسية وأيديولوجية، مؤكدا أن الإرهاب البيولوجي والإلكتروني يشكل تهديدا متزايدا للسلم والأمن الدوليين، مما يشكل ضغطا إضافيا على الاستجابة للطوارئ والهياكل الأمنية.

وذكر أن المتحدثين سلطوا الضوء على الارتفاع الكبير في الجرائم الإلكترونية في الأشهر الأخيرة، مع زيادة بنسبة 350% في مواقع التصيد الاحتيالي في الربع الأول من هذا العام، حيث يستهدف العديد منها المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية.

وكان من المقرر أن يشمل أسبوع مكافحة الإرهاب لعام 2020 الاستعراض السابع الذي يجري كل سنتين لإستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وأول مؤتمر عالمي للأمم المتحدة لضحايا الإرهاب، وكذلك مؤتمر الأمم المتحدة الثاني الرفيع المستوى لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب في الدول الأعضاء، وبسبب أزمة كوفيد-19 وإتباعاً لقرار الجمعية العامة تم تأجيل مراجعة إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب إلى دورتها الخامسة والسبعين والذي سيعقد العام القادم.

وعن هذه المناسبة أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره ما زال يمثل تحديا عالميا.. فهو يلحق أذى باقياً بالأفراد والأسر والمجتمعات المحلية، ويخلف ندوبا عميقة قد تفتر مع مرور الوقت، ولكنها لا تختفي أبدا.

وأضاف أننا بحاجة إلى تزويد ضحايا الإرهاب والناجين منه بدعم طويل الأجل ومتعدد الأوجه بسبل منها إقامة الشراكات مع الحكومات والمجتمع المدني، وذلك حتى تلتئم جراحهم ويتعافوا ويعيدوا بناء حياتهم ويساعدوا غيرهم.

ولفت إلى أن دعم ضحايا الإرهاب هو واحد من سبل عدة نفي من خلالها بمسؤوليتنا التي تقتضي منا الدفاع عن حقوقهم وعن إنسانيتنا المشتركة.. فبالإصغاء إليهم، يمكننا أيضاً أن نتعلم الكثير بشأن أفضل السبل إلى توحيد مجتمعاتنا المحلية لتقف كالبنيان المرصوص في مواجهة الإرهاب.

مشيرا إلى أن الأمم المتحدة ساعدت على إيصال وإعلاء صوت ضحايا الإرهاب من خلال أنشطة مكتبها لمكافحة الإرهاب.. وكان اتخاذ الجمعية العامة قراراً بشأن الضحايا في الآونة الأخيرة وتشكيل فريق لأصدقاء ضحايا الإرهاب خطوتين أخريين تكفلان تحسين وتكثيف ما نقدم من دعم بحيث يتناول احتياجاتِ الضحايا بجميع جوانبها.

واحتلت العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة مركز الصدارة في اجتماعات مجلس الأمن الأخيرة، حيث أثار الخبراء مخاوف جديدة بشأن التحالفات الانتهازية الناشئة بين المتحاربين الذين يشتركون في العداء تجاه السلطات الوطنية، ويسعون إلى استغلال نقاط الضعف التي أحدثتها أزمة فيروس كورونا.

وفي هذا السياق، قالت غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة “هناك حاجة إلى استجابات شاملة وتعاونية أكثر من أي وقت مضى”.

وقالت أن تقرير الأمين العام عن الإجراءات التي اتخذتها الدول الأعضاء لمعالجة الصلات بين الإرهاب والجريمة المنظمة، بموجب القرار 2482 (2019)، يعكس مساهمات حوالي 50 دولة عضو و15 كيانا من كيانات اتفاق تنسيق مكافحة الإرهاب، وكذلك المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب وفريق الدعم التحليلي ورصد العقوبات.

وأضافت المسئولة الأممية غادة والي، أن الدول الأعضاء سلطت الضوء على مجموعة من الروابط، تتعلق في الغالب بتمويل الإرهاب، فيما لم يتمكن البعض من تأكيد وجود الروابط، بسبب القيود المفروضة على قدراتهم الحقيقية.

وذكرت أن العديد من الدول أفادت أيضا بأن الإرهابيين يستفيدون من أنشطة الجريمة المنظمة، مثل الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، والاختطاف مقابل فدية، والاتجار غير المشروع بالمخدرات، نظراً لأن الشبكات الإجرامية غالباً ما تكون مهتمة بالتعاون مع الجماعات الإرهابية لتجنب التدقيق من قبل السلطات الوطنية.

وعربياً احتفت الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في ابريل الماضي باليوم العربي للتوعية بآلام ومآسي ضحايا الأعمال الإرهابية، والذي يصادف الثاني والعشرين من شهر أبريل من كل عام، وهو نفس التاريخ الذي اعتمدت فيه الاتفاقية العربيـة لمكافحة الإرهاب من قبل مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب في اجتماعهما المشترك عام 1998م.

حيث أكد الدكتور محمد بن علي كومان، الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، أن هذا اليوم يمثل مناسبة متجددة للفت نظر الرأي العام إلى كل ما يتعرض له هؤلاء الضحايا من آلام ومآس، نتيجة الأفعال الإجرامية التي ترتكبها الجماعات والتنظيمات الإرهابية، كما يعتبر فرصة ثمينة لمزيد تشجيع كافة المبادرات الخيرة التي تقوم بها الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي لتخفيف آلام الضحايا وأسرهم.

وتابع : آثار الأعمال الإرهابية النكراء تتعدى الاعتداء على الأنفس والممتلكات إلى تأثيراتها النفسية الحادة وأذاها الاجتماعي العميق وضررها الاقتصادي الكبير، مما يجعلها تمثل جرحا داميا في عمق المجتمعات المتضررة يستمر نزيفه لأعوام طويلة، خاصة في ظل ما يكرسه الإعلام الإرهابي من تسويق للعمليات الإجرامية، التي خلفت آلاف الضحايا الأبرياء بين قتيل ومصاب، وشملت الأطفال والنساء وكبار السن، وفي الوقت الذي نستشعر فيه مرارة آلام ومآسي ضحايا الأعمال الإرهابية من المواطنين الأبرياء الذين طالتهم يد الغدر الإرهابي، ونستنكر فيه ما تعرضه بعض وسائل الإعلام من صور ومشاهد تحبذ الإرهاب وتروج له، فإننا نشيد بالجهود الحثيثة التي ما فتئت الأجهـزة الأمنية في الدول العربية تبذلها في مكافحة الإرهاب ودحره والنجاح الكبير في الحدِ من جرائمه في الأعوام الأخيرة، وما يقوم به الإعلام الأمني من توفير للمعلومات الصحيحة والبيانات الدقيقة حول العمليات الإرهابية، وجهوده في تبصير الرأي العام بمخلفاتها.

وأضاف كومان أن المجلس اعتمد في دورته السادسة والثلاثين المنعقدة عام 2019م القانون العربي الاسترشادي لمساعدة وحماية ضحايا الأعمال الإرهابية الذي يمثل إطارا قانونيا تستهدي به الدول الأعضاء في مجال تعويض المتضررين من الأعمال الإرهابية وتقديم الدعم اللازم لهم.

وتشير دراسة أعدتها مؤسسة الإبداع السياسي الفرنسية حول العمليات الإرهابية التي ارتكبها متطرفون في العالم منذ غزو أفغانستان من قبل الاتحاد السوفيتي في 1979 وحتى نهاية أغسطس 2019، إلى أن 90% من ضحايا الإرهاب مسلمون.

وذكرت الدراسة أن المنظمات المتطرفة ارتكبت خلال الفترة المعنية 33 ألفاً و769 عملية إرهابية، قتل فيها 167 ألفاً و96 شخصاً وأصيب فيها 151 ألفاً و431 شخصاً.

وأبرزت الدراسة، أن 89.1% من العمليات الإرهابية ارتكبت في بلدان مسلمة وأن 91.2% من الضحايا مسلمون.

وعلى الصعيد الأوروبي، ذكرت الدراسة، أن 54% من عمليات داعش التي أدمت الدول الأوروبية ارتكبت في فرنسا.

ويظهر مؤشر السلام العالمي الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام للسنة السابعة على التوالي أن خارطة الإرهاب العالمي شهدت عام 2019م كثيراً من المؤشرات والاتجاهات الإيجابية، مقارنة بموجة إرهاب تنظيم داعش الذي وصل ذروته عام 2014م، حينما أعلن خلافته المزعومة واستولى على أراض في سوريا والعراق.   وشهد العام الماضي أهم حدثين في مسيرة الإرهاب العالمي الإسلاموي على صعيد تنظيم داعش، الأول هزيمة تنظيم داعش في معاقله الرئيسة في سوريا وتشتته وذوبانه في العراق، والثاني مقتل زعيم التنظيم وعدد من القياديين المهمين في التنظيم.. وتجلى ذلك في انخفاض عدد قتلى العمليات الإرهابية التي تنسب إلى داعش بنسبة 69% وكذا عدد عمليات التنظيم بنسبة 63%، وانخفض العدد الكلي لأعضاء التنظيم في سوريا والعراق من 70 ألف مقاتل إلى 18 ألف مقاتل في 2019م.

ورغم هزيمة تنظيم داعش عسكرياً في العراق وسوريا، وإحباط الكثير من العمليات الإرهابية للتنظيم خلال العام الماضي، خاصة في أمريكا وبريطانيا والنمسا والمغرب والأردن، إلا أن التنظيم لم يهزم تنظيمياً وإيديولوجيا، بل لا زال قادرا على شن الهجمات، والتهديد بالمزيد منها في كل دول العالم، وهو ما يعني حاجة المجتمع الدولي إلى استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب.

يذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت بموجب قرارها 165/72 عام 2017م، يوم 21 أغسطس يوماً دولياً لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وإجلالهم، من أجل تكريم ودعم ضحايا الإرهاب والناجين منه وتعزيز وحماية تمتعهم الكامل بما لهم من حقوق الإنسان وحرياتهم الاساسية .