عواصم / تقرير: مرزاح العسل

أعلنت روسيا، أنها ستبدأ إنتاج لقاحها المطور محليا (سبوتنيك-V) لعلاج مرض كورونا في سبتمبر المقبل، بعد أن حصل على موافقة الجهات التنظيمية في البلاد، وقبل مضي شهرين من اختباره على البشر.

الإعلان الذي جاء على لسان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأسبوع الجاري، رغم أن رد فعل بعض الدول كان أكثر إيجابية تجاهه، إلا أنه لاقى مزيدا من المخاوف والشكوك الدولية بشأن سلامة وفاعلية هذا اللقاح، والذي سارعت السلطات الروسية إلى القول إن تلك المخاوف “لا أساس لها على الإطلاق”.

بوتين في إعلانه وصف اللقاح الذي جرى تطويره بواسطة معهد “نيكولاي غاماليا” في موسكو بالأول عالمياً، وقال إنه اجتاز كافة الاختبارات المطلوبة.. مؤكداً أنه يوفر “مناعة مستديمة” ضد فيروس كورونا.

وأكد بوتين أن وزارة الصحة الروسية وافقت على اللقاح الروسي لفيروس كورونا المستجد، وأن إبنته أعطيت اللقاح بالفعل، كدليل على ثقته الكبيرة بفاعلية وسلامة اللقاح.

وزير الصحة الروسي، ميخائيل موراشكو، هو الآخر قال: إن اللقاح “أثبت أنه فعال وآمن للغاية”.. مشيداً به باعتباره خطوة كبيرة نحو “انتصار البشرية” على مرض (كوفيد-19).

أما وزير التجارة الروسي، دينيس مانتوروف، فقد أكد أن 3 شركات طبية حيوية ستتمكن، اعتبارا من سبتمبر المقبل، من إنتاج لقاح تم تطويره من قبل مركز “نيكولاي غاماليا” لعلم الأوبئة والأحياء المجهرية، بكميات كبيرة.

روسيا، رابع دولة في العالم من حيث عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة والبرازيل والهند، أعلنت في أبريل الماضي، عن رغبتها في أن تكون من بين الدول السباقة، إن لم تكن الأولى، التي تطور لقاحا ضد الفيروس، دون أن تكشف عن البيانات العلمية التي تثبت فعالية لقاحاتها وسلامتها.

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الروسية استعدادها للبدء في عمليات التطعيم واسعة النطاق، بعدما قالت إنها نفذت تجارب ناجحة على اللقاح.. فيما قال مسئولون روس إنهم يخططون للقيام بعمليات تطعيم شاملة في أكتوبر المقبل.. مشيرة إلى أن 20 دولة قدمت طلبات للحصول على اللقاح المضاد للفيروس المسبب لمرض (كوفيد-19) من بين هذه الدول البرازيل والهند.

هذا ولم تنشر روسيا حتى الآن دراسة مفصلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فاعلية اللقاح.. فيما أعرب خبراء دوليين عن مخاوفهم بشأن سرعة العمل الروسي في مجال إنتاج لقاح.. مشيرين إلى أن الباحثين الروس ربما تجاوزوا بعض الخطوات المعتادة من أجل تسريع العملية.. وشبهت روسيا البحث عن لقاح بسباق الفضاء الذي تنافس فيه الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.

الصحة العالمية تعلق بحذر:

وسط مخاوف من احتمال حدوث تساهل في التأكد من سلامة اللقاح، حثت منظمة الصحة العالمية روسيا الأسبوع الماضي على إتباع الإرشادات الدولية الخاصة بإنتاج لقاح ضد مرض (كوفيد-19).

 

وعلّقت المنظمة الدولية الأربعاء، بحذر على إعلان روسيا التوصل للقاح ضد وباء (كوفيد-19).. مذكّرةً بأن “المرحلة التي تسبق الترخيص” والترخيص للقاح يخضعان لآليات “صارمة”.

وقال المتحدث باسم المنظمة، طارق ياساريفيتش، خلال مؤتمر صحفي: “نحن على تواصل وثيق مع السلطات الروسية والمحادثات تتواصل.. المرحلة التي تسبق الترخيص لأي لقاح تمرّ عبر آليات صارمة”، وذلك رداً على سؤال عن إعلان الرئيس الروسي توصل بلاده لـ”أول لقاح” ضد فيروس كورونا المستجدّ.

وأوضح المتحدث أن “مرحلة ما قبل الترخيص تتضمن مراجعة وتقييماً لكل بيانات السلامة والفعالية المطلوبة التي جمعت خلال مرحلة التجارب السريرية”.

وأشار إلى أنه بالإضافة إلى المصادقة التي تمنحها الجهات المختصة في كل بلد، “وضعت منظمة الصحة العالمية آلية ترخيص مسبق للقاحات ولكن أيضاً للأدوية.. يطلب المصنعون الترخيص المسبق لمنظمة الصحة العالمية لأنه بمثابة ضمان للنوعية”.

وعلى الرغم من التقدم السريع في مجال تطوير اللقاح، إلا أن الخبراء يعتقدون أن توفير لقاح متاح على نطاق واسع لن يتم قبل منتصف عام 2021.

ويستخدم اللقاح الروسي سلالات معدّلة من الفيروس الغدي، وهو فيروس يسبب نزلات البرد عادة، لتحفيز الاستجابة المناعية مع إنتاج الأجسام المضادة ضد كورونا في الفئران والحيوانات الرئيسية حتى يتم من خلال ذلك تحديد العلاج بشكل فعال.

بيد أن الموافقة على اللقاح من قبل المنظمين الروس تأتي قبل الانتهاء من دراسة أكبر تشمل آلاف الأشخاص، والمعروفة باسم المرحلة الثالثة من التجربة.. ويعتبر الخبراء هذه التجارب جزءا أساسيا من عملية الاختبار.

 

وبحسب منظمة الصحة، ثمة 26 لقاحاً محتملاً في مرحلة التجارب السريرية (أي الاختبار على الإنسان) في كافة أنحاء العالم، و139 في مرحلة التقييم ما قبل السريري.. وبين اللقاحات الـ26، دخلت 6 أواخر يوليو المرحلة الثالثة من التطوير.. وكان اللقاح الذي تطوره “غاماليا” الروسية مصنفاً حينها في المرحلة الأولى.

بيد أن منظمة الصحة العالمية قالت إنها تجري محادثات مع السلطات الروسية بشأن إجراء مراجعة للقاح الذي أطلق عليه اسم (سبوتنيك-V)، وذلك في إشارة إلى تفوقها عندما أطلق الاتحاد السوفيتي قمره الصناعي إلى الفضاء في 1957م.

مخاوف وشكوك دولية:

انتقدت روسيا المخاوف الدولية المتزايدة بشأن سلامة اللقاح الذي طورته محليا لعلاج مرض كوفيد-19، وقالت إن تلك المخاوف “لا أساس لها على الإطلاق”، وأوضحت أن اللقاح حصل على موافقة تنظيمية بعد أقل من شهرين من اختباره على البشر.

بيد أن خبراء سارعوا إلى إثارة مخاوفهم بشأن التسرع الروسي، وأعربت قائمة متزايدة من الدول عن شكوكها، وحث علماء في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة على توخي الحذر.

وقال وزير الصحة الروسي، ميخائيل موراشكو، الأربعاء: “يبدو أن زملائنا الأجانب يستشعرون مزايا تنافسية معينة من اللقاح الروسي ويسعون إلى التعبير عن آراء لا أساس لها على الإطلاق”.

واضاف موراشكو: “ستكون أول دفعة من اللقاح الطبي جاهزة للتسليم في غضون الأسبوعين المقبلين للأطباء في المقام الأول”.

وقوبل التقدم الذي تقول روسيا إنها أحرزته في تطوير لقاح يعالج مصابي فيروس كورونا بتشكيك مسئولي الصحة ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة ودول أوروبا.

وأعرب وزير الصحة الألماني، ينس شبان، عن قلقه من عدم اختبار اللقاح بشكل صحيح ، وقال “قد يكون من الخطير البدء بتحصين الملايين من الناس في وقت مبكر للغاية لأنه قد يوقف إلى حد كبير قبول (فعالية) التطعيم إذا حدث خطأ”.. مضيفاً: “بناء على كل ما نعرفه لم يحدث اختبار لذلك بشكل كاف، الأمر لا يتعلق بأن تكون الأول بقدر ما يتعلق بالحصول على لقاح آمن”.

من جهتها قالت إيزابيل إمبرت، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية في مرسيليا، إن الوعد بالحصول على الشفاء مبكرا جدا قد يكون “خطيرا للغاية” ، مضيفة لصحيفة “لو باريزيان” الفرنسية: “لا نعرف منهجية أو نتائج تجاربهم الطبية”.

أما في الولايات المتحدة، فقد قال أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الفيروسات في البلاد لصحيفة (ناشيونال جيوغرافيك): إنه يشك في الادعاءات الروسية.. مضيفا “آمل أن يكون الروس قد أثبتوا بالفعل بشكل قاطع أن اللقاح آمن وفعال”.. مؤكدا بالقول: “أشك بجدية في أنهم فعلوا ذلك”.

فيما أكد مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية في الولايات المتحدة أن الوصول إلى لقاح وإثبات أن أي لقاح آمن وفعال هما أمران مختلفان، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.

كما حثت جمعية منظمات التجارب الطبية “أكتو” ومقرها موسكو، والتي تمثل أكبر شركات الأدوية في العالم في روسيا، وزارة الصحة على تأجيل الموافقة إلى ما بعد المرحلة الثالثة من التجارب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية سفيتلانا زافيدوفا، لموقع (ميد بورتال) الروسي، إن قرار إجراء تحصين شامل أٌتخذ بناء على اختبارات المرحلتين الأولى والثانية على 76 شخصا، ومن المستحيل تأكيد فعالية الدواء على هذا الأساس.

كما أعرب باحثون عن قلقهم من سرعة تطوير اللقاحات الروسية، متخوفين من أنه قد يتم تجاوز خطوات معينة من أجل تسريع العمل تحت ضغط من السلطات، وتوظيف الأمر سياسياً كما حصل في السباق إلى الفضاء.

وأوضح فيتالي زفيريف الأستاذ ورئيس مختبر في معهد ميتشنيكوف للأبحاث، لوكالة الصحافة الفرنسية أنه من المبكر جداً التصديق على لقاح لم يخضع للتجارب بما فيه الكفاية للتأكد من سلامته.

وتابع “من المستحيل التأكد من صحة لقاح في فترة زمنية مثل تلك التي تفصلنا عن بداية تفشي الوباء”، مضيفاً أن الشركات الروسية الطبية البيولوجية التي يفترض أن تنتج اللقاح لم تكن معتادة على ذلك ولا على التقنية المتقدمة التي ينبغي استخدامها.

وتم تسجيل اللقاح قبل أن يكمل العلماء ما يسمى دراسة المرحلة الثالثة، حيث إن هذه المرحلة النهائية، التي عادة ما تضم عشرات الآلاف من الناس، هي الطريقة الوحيدة لإثبات ما إذا كان اللقاح التجريبي آمنًا ويعمل حقًا.

ووفقاً لتوماس بوليكي، مدير برنامج الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، فإن اللقاحات التي لم يتم اختبارها بشكل صحيح يمكن أن تسبب ضررًا بعدة طرق، من التأثير السلبي على الصحة إلى خلق شعور زائف بالأمان أو تقويض الثقة في اللقاحات.

من جهته، قال جارباس باربوسا مساعد مدير منظمة الصحة للبلدان الأميركية، الثلاثاء، إن منظمة الصحة العالمية لم تتلقَّ معلومات كافية بشأن اللقاح الروسي لمرض «كوفيد – 19» لتقييمه.

 

تفاعل إيجابي:

وعلى الرغم من المخاوف والشكوك إلا أن رد فعل بعض الدول كان أكثر إيجابية تجاه إعلان موسكو.

ففي الفلبين أشاد الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي بالجهود الروسية لتطوير اللقاح، وأبدى استعداده للمشاركة في تجربته، كما رحب بعرض روسي لإمداد مانيلا باللقاح، قائلا إنه يتوقع أن يكون دون مقابل.

وعبّرت روسيا عن استعدادها لإمداد الفلبين باللقاح، أو التعاون مع شركة محلية لإنتاجه بكميات كبيرة.

وقال دوتيرتي (في كلمة متلفزة) “سأبلغ الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين بأنني أثق كثيرا في دراساتكم لمكافحة كوفيد-19، وأعتقد أن اللقاح الذي أنتجتموه مفيد للبشرية حقا”.

عربياً أعلن وزير الصحة الأردني، سعد جابر، الثلاثاء، أن بلاده ستشتري اللقاح الروسي ضد كوفيد-19 “إذا ثبتت نجاعته”.. مؤكدا إنه ينتظر تفاصيل عن اللقاح من الجهات المختصة في روسيا.

وقال الوزير، في تصريحات تليفزيونية، إن “الأردن أجرى اتصالات مع روسيا بشأن مصل فيروس كورونا المستجد، كوفيد-19 الذي طور في موسكو”.

وأوضح جابر أنه تم التواصل مع السلطات الروسية المعنية في ما يتعلق باللقاح، مشيرا إلى أن بلاده “تنتظر تفاصيل اللقاح من الجهات المختصة في روسيا”.

إلى ذلك صرح السفير المصري لدى روسيا، إيهاب نصر، بأن بلاده لديها قطاع نشط وقوي لإنتاج الدواء والمستحضرات الطبية والأمصال واللقاحات.

وقال “هناك عدد كبير من الشركات المصرية سارعت بتوقيع اتفاقيات مع الشركات التي نجحت في تطوير أدوية، لإنتاجها في مصر وتصديرها إلى أسواق أخرى”.

واضاف “هناك بالفعل، في العالم تم التوصل إلى 4 أدوية لعلاج مرض كورونا، وحققت نتائج جيدة، أعتقد 3 من هذه الأدوية تم توقيع أتفاقيات لإنتاجها في مصر”.

سبأ