زينب حاوي *

بيروت المنكوبة والمشغولة هذه الأيام بلملمة جراحها، وانتشال ضحاياها من تحت الركام، وتماثل جرحاها للشفاء، لا تزال تنتظر الرواية الرسمية عن ملابسات الانفجار المدوّي الذي حدث نهار الثلاثاء الماضي في مرفأ بيروت، وسط كمّ هائل من السرديات المتضاربة. سرديات اتّخذت ساحتها في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى ألسنة الساسة والقنوات التلفزيونية المحلّية، ووجدت ضالتها على باقي المنصّات الخليجية والغربية.

صحيح أن الانفجار حدث على بعد أيام قليلة، من إصدار «المحكمة الدولية» قرارها الاتّهامي في قضية اغتيال رفيق الحريري واتهام عناصر من «حزب الله» بالضلوع في الجريمة، وهو تقاطع أيضاً مع أجواء متوترة بين لبنان والكيان الصهيوني، وبين الأخير وإيران وسلسلة التفجيرات التي تطال أراضيها… هذه الأجواء والأحداث، استُثمرت أوراقها ووُظِّفت على الساحة اللبنانية بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية، وليس انتهاءً بدول الخليج. مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ انفجار بيروت «ناجم عن قنبلة من نوع ما، ويبدو أنه اعتداء»، بدأت هذه السردية تنتقل بدورها إلى باقي المنصّات العربية.

علماً أن cnn نفت هذه النظرية، مؤكّدةً عبر مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية، أنه ليس هناك «ما يشير إلى أن انفجار بيروت هجوم مدّبر». سرديّة انتقلت إلى باقي مضامين الإعلام العبري، الذي أخذ الإعلام الخليجي يترجم فحواه، بهدف ربط الانفجار بـ«حزب الله»، وتأكيد نظرية تخزينه للسلاح هناك وبسط سيطرته الكاملة عليه. كذلك، أراد هذا الإعلام أن يقول إنّ ما حصل لا يعدو كونه ضربة إسرائيلية للمرفأ بعد اكتشاف الصهاينة أنّ أحد العنابر يحوي مواد كيميائية خطرة!

موقع «عربي 21» (مدعوم قطرياً) الذي أخذ يترجم مقالاً نُشر في موقع «زمن إسرائيل» العبري، نقل عن المحلل الصهيوني أمير بار شالوم، أن «الردع الإسرائيلي ازداد جرعة إضافية بعد تفجير بيروت»، وأن «اللبنانيين كانوا متوجّسين من وجود متفجرات لحزب الله في المجمّعات السكنية»، فيما نقل موقع «روسيا اليوم» عن صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» ترجيح أن يكون الانفجار في مرفأ بيروت «ناجماً عن ذخائر تابعة لحزب الله». قناة «العربية» التي دأبت في تغطيتها الأخيرة لحادثة انفجار مرفأ بيروت، على إلصاق التهمة بـ «حزب الله»، وادعائها بأن «عناصر» منه «انتشرت في المرفأ» بعد دويّ الانفجار، أخذت تكرّر مراراً تقارير استخباراتية أميركية، لعلّ أبرزها ما بثته أول من أمس، عن هذه التقارير التي تدّعي بأن «حزب الله» يسيطر على المرفأ، وأن معظم عمليات هذا المرفأ تقع تحت سيطرته. تقرير الشبكة السعودية، استند إلى ما أوردته شبكة «فوكس نيوز» الأميركية من «معطيات تكشف علاقة قديمة بين حزب الله ومادة الأمونيوم».

وذهبت «العربية» أبعد من ذلك، عندما ربطت في تقريرها، بين هذه المادة الكيميائية، و«تورط حزب الله في عمليات حول العالم» وضبط كمية من هذه المادة بحوزته. عدا ذكرها طبعاً، لشحنات الأسلحة التي تمرّ من إيران إلى المرفأ، وتهريبها عبره. صحيفة «مكة» السعودية بدورها أعادت سرد السيناريو عينه، وزادت عليه علم «إسرائيل بتخزين المتفجرات»، وتعمّدها ضرب العنبر، الذي يقع «وسط كتلة سكانية». أمّا صحيفة «الشرق الأوسط» فقد أكّدت في عددها أمس النظرية العسكرية، موردةً أن مسرح الشرق الأوسط كان «مهيئاً لحدث كبير من طينة مواجهة عسكرية أو جولة من جولات الحرب الخلفية في المنطقة، وما حصل في المرفأ عزّز استسهال بأنه يقع في الحرب الخفية».

هكذا، باختصار، دارت الروايات وحطّت عند «حزب الله» وأسهم في ذلك تقاطع التفجير مع أحداث مفصلية، وأخرى تقع ضمن سلّة الاحتمالات، من بينها السيناريو العسكري مع الكيان الصهيوني. وسط تعاظم الأبلسة الإعلامية والسياسية التي يتعرّض لها الحزب، وآخرها زجّه في أسباب الإنهيار الاقتصادي في لبنان، ها هو يواجه حملة ممنهجة خليجياً ومن خلفه إسرائيلياً، ليصار إلى تحميله مسؤولية انفجار مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضي، في اتكاء إلى تحاليل من شخصيات مختلفة، ومن وسائل إعلام تضخّ ليلاً نهاراً سمومها مستغلّة الظروف الحالية المأساوية التي يمرّ بها لبنان.

* المصدر : موقع جريدة الأخبار اللبنانية
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع