الأسس المهتزّة لاتفاق الرياض.. “إبن سلمان” غير قادر على إنهاء الحرب
في الأيام الأخيرة، برز الوضع في جنوب اليمن مرة أخرى إلى الواجهة مع إعلان ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي عن التخلّي عن الحكم الذاتي وقبول العودة إلى طاولة المفاوضات مع حكومة الرئيس المستقيل “عبد ربه منصور هادي” القابعة في فنادق الرياض. الجدير بالذكر أن الاوضاع في جنوب اليمن أصبحت معقدة للغاية، خاصة بعد وقوع العديد من الاشتباكات العنيفة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وعناصر تابعة للرئيس اليمني المستقيل “منصور هادي” في الأشهر الأخيرة واحتلال قوات المجلس الانتقالي التابعة للإمارات مدينة عدن وعدد من المناطق الجنوبية.
ولمناقشة الوضع المعقد في جنوب اليمن بعد الاتفاق المبدئي الذي تم التوقيع عليه في العاصمة السعودية الرياض لإنهاء الخلافات بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الرئيس المستقيل “منصور هادي”، قام موقع “الوقت” التحليلي بإجراء مقابلة صحفية مع الدكتور “سعد الله زارعي” الخبير في شؤون غرب آسيا.
مراسل “الوقت”؛ لماذا قرّر المجلس الانتقالي إلغاء إعلان الحكم الذاتي؟
الدكتور “زارعي”؛ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن يكون لدينا أولاً نظرة عامة على الوضع في جنوب اليمن ونرى لماذا قامت الإمارات، التي سعت لتقسيم اليمن والتي أعتقد أنها لا تزال موجودة، بتأجيل الحكم الذاتي في جنوب اليمن.
إن هنالك رأي يتعلق بالقضية الجنوبية، مفاده أن السعوديين ليست لديهم معرفة بطبيعة القبائل في جنوب اليمن ولهذا فإنهم لا يريدون أن يشكلوا حكومة مستقلة في الجنوب ترتكز على الجنوبيين وذلك لأن السعوديين لديهم معرفة بالحكومات الجنوبية التي تشكلت في عدن بين عامي 1970 و 1922، والتي كانت تناهض التدخلات السعودية في جنوب اليمن. ومن الناحية التاريخية، فلقد تأثر الجنوبيون أكثر بمصر وكانوا أقرب إلى القاهرة وحتى قبل عدة سنوات، عندما أراد قادة الجنوب القدامى، مثل “علي محسن محمد” و”حيدر العطاس” و”علي سالم البيض”، وما إلى ذلك، التفاوض، فكانوا يعقدونها في القاهرة، وهي خطوة مهمة تؤكد ميل الجنوب إلى مصر وليس للسعودية. وفي الحرب القديمة، بين الجمهوريين والملكيين، تمركزت مصر في القسم الجمهوري في الجنوب وخلال تلك الفترة أرسل “جمال عبد الناصر” 50 ألف جندي إلى اليمن. لذلك، من وجهة النظر السعودية، تعتمد اليمن الجنوبية اعتماداً كلياً على مصر.
والرأي الثاني، يقول أن السعوديين يشعرون أن استقلال الجنوب لن يتم عملياً، وأن الخلافات في الجنوب بين الجنوبيين وحزب “الإصلاح”، وبين أبو ظبي والرياض ، وبين القبائل المختلفة في مأرب وشبوة، سيزداد حدة وأن الجنوب سيصبح مسرحاً للصراعات وهذا الأمر سوف يساعد قوات “أنصار الله” على توسيع نفوذها ببطء في الجزء الجنوبي من اليمن، كما حدث في أجزاء من محافظات البيضاء، ومأرب، والجوف، ولحج وتعز، وحتى في أجزاء من المحافظات الجنوبية في المملكة العربية السعودية. لذلك، يعتقد السعوديون أن حركة “أنصار الله” ستحصد ثمار الخلافات في الجنوب، وفي النهاية، لن يتم تشكيل حكومة في مدينة عدن، وسيتم تشكيل حكومة موحدة تضم كل المدن اليمنية. في الواقع، من وجهة النظر السعودية، إن الاختلافات بين حركة “أنصار الله” وحزب “الإصلاح” ليست بالقدر الذي لا يمكن الوصول إلى تفاهمات بين الجانبين. ونتيجة لذلك، قررت السعودية والإمارات العمل بجد لحل الخلافات في جنوب اليمن. لكن في رأيي لا يمكن حل هذه الخلافات بسهولة لأن الجنوبيين متمردون بطبيعة حالهم، والجنوبيين، مثل المجلس الجنوبي، أذكياء ومهرة وسوف يستغلون تلك الخلافات لابتزاز السعودية والإمارات على حد سواء وذلك من اجل الحصول على الكثير من الأموال.
وفي رأيي، إن إعلان عودة الإمارات إلى اتفاقية الرياض وإعلان الاستعداد لبدء المفاوضات، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخاوف بشأن الوضع الذي خلقته قوات “أنصار الله” على ساحة المعركة في الأشهر الأخيرة.
مراسل “الوقت”؛ إذا عدنا إلى اتفاقية الرياض، فأولاً، لماذا لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق حتى الآن؟ وثانياً، هل هناك أي أمل في إحيائه؟
الدكتور “زارعي”؛ إن اتفاقية الرياض لها أساس مهتز. ماذا تقول هذه الاتفاقية؟ فوفقاً لهذا الاتفاق، سوف يقوم الرئيس المستقيل “منصور هادي” بتقسيم وزارات حكومة “معين عبد الملك سعيد” مناصفة “50-50” بينه وبين الجنوبيين. وفي هذه الحالة يسأل الجنوبيون أين هي قوات “منصور هادي”؟ لماذا يجب علينا أن نسّلم الرئيس ورئيس الوزراء ونصف مجلس الوزراء إلى قوة ليس لها وجود على الأرض؟
ومن ناحية أخرى، فإن أولئك المسؤولين عن تنفيذ الاتفاقية نيابة عن “منصور هادي”، ليسوا شخصيات قوية وسياسيين أقوياء، وهذا هو السبب في أنهم سيواجهون بالفعل مشكلات مع السعوديين ولقد سمعت أن السعوديين أخبروا مرافقين “منصور هادي” من الوزراء واعضاء مجلس النواب مؤخرًا أنه سيتعين عليهم دفع تكاليف الفنادق التي يسكنون فيها من الآن فصاعدًا.
مراسل “الوقت”؛ وبالطبع، يلوم الجنوبيون أيضًا الجانب الآخر لعدم تنفيذه اتفاقية الرياض
الدكتور “زارعي”؛ إن هذه ألعاب سياسية حيث يقوم الطرف الأول بلوم الطرف الآخر. لكن في الواقع، المشكلة الرئيسة في اتفاقية الرياض هي أن الجنوبيين، يعتقدون أنها غير متوازنة. ويسألون، “أين جيش هادي وقواته العسكرية؟” وفي أي منطقة تقوم هذه القوات بالاشتباك مع قوات “أنصار الله”، أو أي منطقة تمكنت تلك القوات من استعادتها من قوات “أنصار الله” في العامين الماضيين؟ لكن بالمقابل يرى الجنوبيون أن قوات تابعة لـ”علي محسن الاحمر” التي لا تعتبر جزءاً من قوات “هادي”، هي التي تسيطر في وقتنا الحالي على نصف محافظة الحديدة ونصف محافظة تعز ومحافظة لحج.
مراسل “الوقت”؛ إلى أي مدى تعتبر الخلافات بين سياسات السعودية والإمارات في اليمن متورطة في فشل اتفاقية الرياض؟
الدكتور “زارعي”؛ كما ترون، اتفاقية الرياض هي اتفاقية تتمحور حول مصالح السعودية والغرض من هذه الاتفاقية هو الحفاظ على حكومة “منصور هادي” القابعة في فنادق الرياض وهذا الأمر غير مقبول لدى الإمارات التي لا تقبل بـ”هادي”. والنقطة الأخرى هي الفرق في الاستراتيجية بين الإمارات والسعودية في الصراع اليمني. ينظر السعوديون إلى القضية اليمنية أولاً على أنها أمنية وثانياً ترى السعودية أن الإمارات تولي الكثير من الاهتمام للقضية اليمنية من الناحية الاقتصادية ولا تنظر إليها من وجهة نظر أمنية، لأنها ليس لها حدود مع هذا البلد وأقرب نقطة لها مع اليمن تبعد نحو 1300 كيلومتر، بينما تحدّ اليمن السعودية. لذلك، بالنسبة لدولة الإمارات، فإن المبدأ هو توفير الفوائد الاقتصادية، وفي هذا الاتجاه، ترى أن تفكك اليمن سوف يصبّ في مصلحتها وأنه سوف يكون بمقدورها احتلال والسيطرة على ميناء المكلا وميناء المخاء وبعض الجزر اليمنية. لذلك هناك اختلاف في المواقف بين أبو ظبي والرياض. كما أن السعودية لديها 4 أضعاف الحدود المائية في البحر الأحمر التي تمتلكها اليمن ولا تحتاج إلى موانئ يمنية أخرى. لهذا السبب، أعتقد أن الاختلافات أساسية وغير قابلة للحل.
مراسل “الوقت”؛ لقد قمت بدراسة موضوع اتفاقية الرياض من زوايا مختلفة، لكن من منظور أكثر عمومية، وصلت السعودية الآن إلى طريق مسدود في حرب اليمن المكلفة، ومن ناحية أخرى، أدى ظهور أزمة إنسانية في البلاد بسبب استمرار الحصار والمجاعة وانتشار فيروس “كورونا” إلى زيادة الضغط الدولي على الرياض. ما رأيك في خطة السعودية للإصرار على استمرار الحرب؟ وهل هناك خطة واستراتيجية محددة في أداء الرياض؟
الدكتور “زارعي”؛ للإجابة على هذا السؤال، يجب النظر في العديد من القضايا. أولاً، السعودية متورطة في هذه الحرب وبعبارة أخرى، فإن الحرب التي كان من المفترض أن تستمر لمدة شهر في نظر السعوديين قد تجاوزت الآن 5 سنوات. يمكنك النظر إلى مسار العمليات العسكرية في اليمن والتي تم اطلاق عليها أسم “عاصفة الحزم” في عام 2015 والتي كان من المفترض أن تقضي على قوات “أنصار الله” في أقل من شهر، لكنها فشلت وعاد السعوديون يطلقون عمليات أخرى تحت مسمى “إعادة الأمل”، لكنهم رأوا بعد ذلك أن القضية كانت أصبح أكثر خطورة، حيث تمكنت حركة “أنصار الله” التقدم في العديد من المجالات العسكرية وتمكنوا من السيطرة على كافة المدن اليمنية والوصول إلى مدينة عدن الجنوبية. ونتيجة لذلك، خفض السعوديون مستوى توقعاتهم في الحرب كثيرًا لدرجة أننا إذا أخذنا في الاعتبار أهداف عاصفة الحزم 100٪، فقد انخفض هذا المستوى من التوقعات ووصل إلى حوالي 10 أو 15٪.
ولهذا يمكن القول أن السعودية لا تزال حتى هذه اللحظة عالقة في هذه الحرب الباهظة الثمن والتي لم تكن في حسبان توقعات السعودية بأي حال من الأحوال. وبمعنى آخر، السعوديون كان لديهم وضع أخضر في اليمن، ووضع أبيض ووضع حمراء وكانوا يبحثون عن اللون الأخضر، لكنهم الآن تخلوا تمامًا عن اللون الأخضر وأصبحوا الآن يتنقلون بين الأبيض والأحمر. والوضع الأبيض يعتمد على تسوية الأمر بالاتفاق السياسي، ولكن يجب نقل واقناع “أنصار الله” الانتقال من المجال العسكري إلى المجال السياسي. وفي الوضع الأخضر، كان من المفترض ألا يكون لـ”أنصار الله” اعتباراً سياسيًا ولا عسكريًا على الإطلاق. والوضع الأحمر هو أن “أنصار الله” أصبحت في أيديهم زمام الامور وكل شيء. لذلك، السعوديون غير قادرين على إدارة هذا الوضع، لأن حركة “أنصار الله” تريد الحفاظ على قواتهم العسكرية وكذلك المشاركة السياسية والوجود في الساحة السياسية بتصويت الشعب وهذا الامر أدى إلى حدوث حالة من الجمود في السعودية.
إن الوضع في السعودية أسوأ بكثير مما كان عليه في أبريل 2015، لأنه في ذلك الوقت طلب “أنصار الله” من “هادي” العودة وتشكيل حكومة توافقية ولم يكنوا على استعداد لتولي مسؤولية تشكيل وإدارة الحكومة لأنه من وجهة نظر “أنصار الله” كانت تلك العملية تعتبر مسؤولية كبيرة. ولكن الحكومة الآن أصبحت في أيدي “أنصار الله”، وحتى الأمم المتحدة ترسل ممثلها للتحدث إلى “أنصار الله”، ما يعني أن شرعية “أنصار الله” قد تم قبولها في المحافل الدولية.
وفي المجال العسكري، لم يكن لدى “أنصار الله” 5٪ أو حتى 1٪ من هذه الأسلحة في ذلك الوقت، ولكن الآن أصبح لديهم مجموعة متنوعة من الطائرات من دون طيار الهجومية بعيدة المدى وطائرات بدون طيار لها جانب تشغيلي تقوم بجمع المعلومات. واليوم، تمتلك حركة “أنصار الله” التكنولوجيا لبناء 6 أنواع من الصواريخ البالستية قصيرة المدى وطويلة المدى وصواريخ قصيرة المدى ذات رؤوس حربية ثقيلة وصواريخ بعيدة المدى تصل إلى 1000 كم.
بأي منطق تريد السعودية إنهاء هذه الحرب؟ هناك منطق واحد فقط، وهو قبول أنهم فشلوا في أهدافهم. كما أعتقد أن وقف هذه الحرب سيخلق أزمة في عائلة “آل سعود”.
مراسل “الوقت”؛ يرجى توضيح المزيد حول هذا الأمر
الدكتور “زارعي”؛ هناك حديث الآن عن أن عجز الميزانية السعودية بلغ 260 مليار دولار. ولفهم حجم هذا الرقم، على سبيل المثال، يمكننا أن نقول أن إيران، التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، لديها ميزانية الآن تقّدر بنحو 30 مليار دولار سنويًا وإذا أردنا تحسين الوضع والوصول به إلى الوضعية الجيدة جداً، فإن 120 مليار دولار سوف تكون كافية. في السعودية، إن الازدهار والحياة الفاخرة في أيدي 15٪ من المجتمع، و 80٪ من المجتمع السعودي تأثروا كثيراً بالعجز الذي حدث في الميزانية. وهكذا، فلقد قضت الحرب، أولاً على رأس المال السعودي، الذي يقدّر بما لا يقل عن 700 مليار دولار إلى 1 تريليون دولار. كما تعرض الأمن للخطر، وأصبحت أجزاء من الأراضي السعودية في محافظة جيزان تقع حاليا في أيدي “أنصار الله” وهنا يمكننا القول أنه تم كسر الفناء الخلفي السعودي في شبه الجزيرة نتيجة للحرب.
كما تصاعدت التوترات بين السعودية وقطر خلال هذه الحرب، وتجرأ العمانيون أيضاً على متابعة خلافاتهم مع الرياض. وفي ظل هذه الحرب سُمعت همسات حول الخلافات بين الكويت و السعودية. وخلال هذه الحرب، تضرر عدد من الناقلات في ميناء الفجيرة الإماراتي ولقد تم مهاجمة القواعد في السعودية والتي كانت في أمان تام لعقود، مثل العمليات الصاروخية التي شنتها قوات “أنصار الله” على منشأة أرمكو، وعلى ميناء الدمام، وعلى مطار “خميس مشيط”، وما إلى ذلك. يجب فحص هذه الأحداث في السياق التاريخي وألّا يتم تجاهلها ببساطة. لقد وقعت أعمال شغب في هذه المنطقة الجغرافية التي كانت تتمتع بأمن تام منذ عام 1931. الآن السعودية تريد إنهاء الحرب، والجميع يطرح السؤال، يا “بن سلمان”، لماذا عرضت عاصمتنا لعدد من الهجمات، وكسرت احتكارنا على شبه الجزيرة، ودمّرت أمن البلاد، وخرّبت علاقاتنا مع الدول المجاورة الصغيرة؟ ونتيجة لذلك، فإن كلّ هذا يدفع النظام من الداخل إلى الانهيار.
أنت تعلم أننا انتصرنا خلال اتخاذ القرار 538 لأننا تمكنا من صد هجوم العدو الغازي الذي كان يحاول فصل جزء من البلاد. وعلى الرغم من ذلك، كان السؤال هو من يتحمّل مسؤولية الحرب ويقبل هذا القرار، أي أنه في أغسطس 1988، كان لدينا نزاع داخل النظام، ثم قال الإمام “الخميني” (قدس) أنني سأتحمل المسؤولية بنفسي وهذا على الرغم من كوننا من اُعتدي عليه، إلا أننا في نهاية المطاف انتصرنا في الحرب. الآن خذ بعين الاعتبار الوضع في المجتمع السعودي، لقد أنفق “ابن سلمان” الكثير من الأموال، وخسرت الرياض الحرب وأصبح عدوّها أقوى بكثير، وحتى إنه ليس لديه خبرة في إدارة مثل هذه الأزمات، فقد قام فقط بإدراج قصة “خاشقجي” في وضع سياسي معقد لمدة عام. وهو الآن لا يحظى بشعبية في الأسرة والمجتمع السعودي ويعتمد فقط على الدعم الأمريكي. والسؤال الآن هو ما مدى تأثير الدعم الأمريكي في المنطقة العربية في السياق الحالي؟ وهذا يعني أن السمعة القائلة بأنّ كلّ شيء يمكن حله بدعم أمريكي قد تحطمت، خاصة في عهد “ترامب”. لذلك، يمكن القول أن السعودية تسعى إلى مواصلة الحرب وتعتقد أنه يجب تأجيل نهاية الحرب حتى تصبح أقوى.
* المصدر : موقع الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع