آخر معاقل حزب “الإصلاح” في اليمن.. ثلاثة خيارات
تراهن قيادات "الإصلاح" على الضغوط الدولية بهدف تمرير تسوية هشة تحول دون دخول قوات صنعاء إلى مأرب، في مقابل ترتيبات اقتصادية وإنسانية تخفّف الحصار على صنعاء.
عبدالله علي صبري
السياسية- رصد :
تتصاعد وتيرة المواجهات في الحرب اليمنية، بالموازاة مع جرائم الحرب التي يرتكبها التحالف السعودي بحق المدنيين، في دليل جديد على مدى الإفلاس الَّذي أصاب النظام السعودي، وهو يتخبَّط في حربه العدوانية التي عجز عن حسمها عسكرياً، وأخفق في الخروج منها بأقل الخسائر، وما يزال عليه أن يدفع ثمن عدوانه ومغامرته العسكرية غير المحسوبة النتائج وتبعاتها.
ولا يماثل السعودية في حظها العاثر سوى الإخوان المسلمين والميليشيات التابعة لحزب الإصلاح، فكلّ النهايات المتوقّعة للحرب تحمل في طياتها خسائر غير محتملة، يتعين على إخوان اليمن التعاطي معها والاستعداد للتعايش مع نتائجها المرَّة، بعد أن بدت ميليشيا الجماعة كسيف من خشب، وظهرت قيادات “الإصلاح” عارية من كل مظاهر الوطنية التي لطالما تلفَّعت بها في الخطب والخطابات والبرامج والبيانات.
مأرب من معقل إلى معتقل
مع بداية ما يُسمى “عاصفة الحزم” في آذار/مارس 2015م، كان تنظيم الإخوان الأكثر انتشاراً ونفوذاً في اليمن. وحين سارع إلى تأييد التحالف السعودي، فقد كان يراهن على انتصار عسكري خاطف تشارك فيه ميليشيات “الإصلاح” الممتدة على كامل جغرافيا اليمن تقريباً، إلا أن تطورات الحرب ومستجدات الصمود الشعبي خلطت الأوراق على العدوان ومرتزقته، ما جعل “الإصلاح” يخسر مواقعه يوماً بعد آخر، وخصوصاً أن المشاركة الإماراتية في المعركة البرية جنوب البلاد وعلى الساحل الغربي، كانت على حساب ميليشيا الإصلاح التي وجدت رأسها مطلوباً من قوات التحالف وميليشيا الانتقالي الجنوبي المستجدة.
وأثمرت نتائج المواجهات الميدانية في العامين الأخيرين عن تقليص كبير وملحوظ لحزب الإصلاح وميليشياته، إلا أن الخسارة الأكبر كانت في الشمال، حيث بات معقل إخوان اليمن في مأرب على مرمى حجر من قوات صنعاء الوطنية، التي أمكن لها بعيد عملية “البنيان المرصوص” التقدم السريع باتجاه مدينة مأرب شرق اليمن، وتطويقها من كل الجهات، بانتظار ساعة الصفر.
وتعدّ مأرب الغنية بالنفط المعقل الأكبر للإخوان والقيادات التي جرى تمكينها من إدارة المحافظة، والتحكم بثروتها من النفط، وتصريف الإيرادات لصالح عناصر “الإصلاح”، من موظفين حكوميين أو مقاتلين في الجبهات، أو حتى لاجئين في الشتات.
وشكَّل تموضع “الإصلاح” ومقاتليه في المحافظة نقطة قوة راهن عليها الإخوان وأمراء الحرب طيلة 5 سنوات من بدء الحرب، فقد انطلقت ميليشيا “الإصلاح” من مأرب لتهاجم صنعاء من محور نهم، وأمكن للقوات المحسوبة على طرف ما يسمى بالشرعية التمركز على أهم الجبال والمواقع المطلة على العاصمة صنعاء، والتهديد بمحاصرتها أو اقتحامها في أيّ وقت.
ولكنَّ هذه الوضعية المريحة لميليشيا الإصلاح تغيرت بنسبة 180 درجة، بعد عملية نوعية كبيرة نفَّذتها قوات صنعاء في منتصف كانون الثاني/يناير 2020م في محوري الجوف ونهم، مستفيدة من تراجع ميليشيا الإصلاح وقوات الشرعية في المحافظات الجنوبية، إثر الضربات والغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف، بذريعة إيقاف تمدد الجماعات الإرهابية، أي ميليشيا الإصلاح تحديداً.
فجأة، غدا المعقل الأثير للإخوان معقلاً كبيراً لا يمكنهم مغادرته أو التفريط فيه، ما يجعلهم اليوم أكثر استماتة في جبهات القتال المحيطة بمدينة مأرب، وأكثر تهالكاً في الولاء للتحالف السعودي، إلى درجة الإعلان مؤخراً عن التبرؤ من “الإخوان المسلمين”، رغم أنه المكوّن الأصيل فيهم.
هذا المأزق الذي تعيشه ميليشيا الإصلاح في مأرب، ويجعلها وحزبها على عتبة الاحتضار، يحمل معه 3 سيناريوهات/ نهايات لا رابع لها على المدى المنظور:
السيناريو الأول: القتال حتى آخر نفس
المدافع المستميت في هذه الحالة قد يتمكّن من إثخان المهاجم المندفع وتكبيده خسائر فادحة، إلا أنَّ قوات صنعاء تتصرف بطريقة ذكية، فهي لا تبدو على عجلة من أمرها. وبدلاً من الهجوم الكاسح الذي قد يخلف وراءه خسائر كبرى في الأرواح والعتاد، فإنها تتجه إلى تقسيط المواجهة، وقضم الأراضي من محيط مأرب على نحو تدريجي، حتى يجد الخصم نفسه مضطراً إلى الاستسلام.
السيناريو الثاني: تسليم المدينة وفق تسوية ثنائية
ترتفع نسبة الوصول إلى هذا السيناريو مع كل نصر عسكري تنجزه قوات صنعاء على تخوم مأرب. وسبق أن عرضت حكومة الإنقاذ التي تمثّل “أنصار الله” وحلفاءهم، مبادرة للمصالحة مع “الإصلاح”، وتجنيب محافظة مأرب المعركة العسكرية، في مقابل إنجاز حالة من الشراكة في إدارة الثروة والسلطة فيها، بالتوازي مع تنفيذ عدد من الإجراءات التي من شأنها تخفيف معاناة المواطنين في عموم اليمن، وتأمين صرف مرتبات الموظفين في الجهاز الحكومي.
السيناريو الثالث: انتظار التسوية الشاملة
تراهن قيادات “الإصلاح” على الضغوط الدولية التي يتصدَّرها الجانب البريطاني مع المبعوث الأممي إلى اليمن، بهدف تمرير تسوية هشة تحول دون دخول قوات صنعاء إلى مأرب، في مقابل ترتيبات اقتصادية وإنسانية تخفّف الحصار على صنعاء، وتسمح باستئناف المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية، غير أن صنعاء التي لم تغلق باب الحوار تماماً تبدي قدراً كبيراً من التماسك، من خلال أداء وفدها الوطني المفاوض الذي راكم خبراته، وبات عليه أن يستثمر الانتصارات العسكرية الأخيرة سياسياً، بما يفضي إلى وقف الحرب بشكل نهائي، ورفع الحصار على نحو كلّي.
بالنسبة إلى حزب الإصلاح، هذا هو الخيار المناسب، فانطلاق المفاوضات السياسية بينما لا يزال وميليشياته ثابتين في مأرب، يمنحهم ورقة قوية في التفاوض مع “أنصار الله” أو مع الجانب السعودي، الذي يدرك بدوره أن مآلات المعركة العسكرية في مأرب لن تفضي إلا إلى مزيد من تمدد “أنصار الله” وإحكام سيطرتهم على شمال اليمن من دون منازع.
• المصدر : الميادين نت
• المادة الصحفية تم نقلها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع