بقلم: نيكولاي سوركوف

(موقع “مودرن ديبلوماسي” الانجليزي-  ترجمة: انيسة معيض- سبأ)

اعتبارا من نهاية الربيع، لم تؤدي أزمة تفشي وباء الفيروس التاجي أي تخفيف ملحوظ للنزاع في اليمن, والأكثر من ذلك، يبدو أن الأطراف المتحاربة قررت الاستفادة من الارتباك الذي أصاب القوى الخارجية وتغيير الوضع على الخطوط الأمامية.

وعلى الرغم من الوضع الإنساني المتدهور بالفعل في البلد ودعوة الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار خلال الجائحة، إلا أن العمليات الهجومية استمرت.

وفي الوقت نفسه، تدهورت الأوضاع في جنوب البلد، حيث أولئك الذين يؤيدون حق تقرير المصير ينصبون رؤوس لهم مرة أخرى

يجب أن نعلم الآن أن الوباء لن يوقف الأعمال العدائية في اليمن, ولا حتى تفشي الكوليرا الذي أثر على ما يقرب من مليون شخص في البلد على مدى السنوات الثلاث الماضية يكفي لجعل الفصائل المتحاربة تلقي أسلحتها.

ففي الواقع، مع استمرار تفشي وباء الكوليرا والمجاعة المزمنة في أجزاء كثيرة من البلد، فإن الفيروس التاجي الذي أودى بحياة عدد قليل نسبياً لم يلاحظه أحد بشكل كبير.

إن كلاً من الأطراف المتحاربة والسكان بشكل عام على اتفاق بالتهديد المستمر الذي يمثله تفشي أمراض مختلفة (كالكوليرا والدفتيريا والحصبة وحمى الضنك وما إلى ذلك) بسبب انهيار البنية التحتية الأساسية وخطط التحصين المركزية.

والأكثر من ذلك، فإن واقع الوضع في اليمن هو أن أولئك الذين يقاتلون في الجبهة هم أكثر فرصة للبقاء على قيد الحياة أثناء الوباء, من المدنيين الذين يعيشون في المدن المكتظة بالسكان، حيث الظروف الصحية سيئة للغاية.

كان هناك ما قدر بـ 17.8 مليون يمني  يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي في عام 2019 ، و 19.7 مليون لم يحصلوا على الرعاية الصحية الكافية.

وفي الوقت نفسه، فإن الأشخاص الموجودين على الخطوط الأمامية يأكلون بشكل أفضل على عكس السكان المدنيين، ولديهم أولوية الوصول إلى الرعاية الطبية.

حتى أن مقاتلي أنصار الله (الحوثيين) يستخدمون أزمة الفيروس التاجي لتجنيد جنود جدد، مما يقنع الشباب أنه من الأفضل أن يموت شهيداً في المعركة بدلاً من أن يعاني من موت مريع بسبب الفيروس.

وبالتالي، يبدو أن الحوثيين مصممون باستمرار على كسب الحرب الأهلية، أو على الأقل إلحاق سلسلة من الهزائم المهينة بالقوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً للرئيس عبد ربه منصور هادي والسعودية التي تقود التحالف.

حتى بعد أن ضرب الفيروس التاجي البلد، استأنف الحوثيون هجماتهم بالصواريخ البالستية على المملكة العربية السعودية وشنوا أيضاً هجوماً على محافظة مأرب, كما اندلعت اشتباكات بالقرب من ميناء الحديدة ذي الأهمية الاستراتيجية.

معركة مأرب

تعتبر محافظة مأرب أغنى محافظة في شمال اليمن مع امتلاكها حقول النفط والغاز ومصفاة نفط ذات أهمية استراتيجية وأكبر محطة كهرباء في البلد, كما أن محافظة مأرب تحتل أهمية ليست بالقليلة فهي معقل حزب التجمع اليمني الإصلاح الذي تدعمه السعودية في الصراع, لذا فإن خسارة مأرب ستوجه ضربة قوية للإصلاح، وكذلك لمصالح الرياض في اليمن.

يقدم الوباء للحوثيين فرصة للقيام بأعمال هجومية، لأن الرعاة الخارجيين لحكومة هادي والسعودية على رأس تلك القائمة مشغولون بقضاياهم الداخلية ولا يمكنهم إيلاء الكثير من الاهتمام لليمن.

كان هناك انخفاض ملحوظ في كثافة الغارات الجوية، على سبيل المثال، مما أتاح للحوثيين الفرصة لنشر كل من الوحدات المتنقلة بالأسلحة الخفيفة والمركبات المدرعة المختلفة.

ليس هناك شك في أن قيادة الحوثي عازمة على الاستيلاء على مأرب وتنسيق حملتها على المدينة على ثلاث جبهات في وقت واحد.

وفي الوقت نفسه، المدافعون الرئيسيون عن مأرب هم ميليشيات القبائل السنية المحلية الذين لا يريدون رؤية انتصار الحوثيين، ولكن من المحتمل أن يكونوا على استعداد للعمل من أجل التوصل إلى حل وسط مع أنصار الله لتجنب الخسارة و المعاناة التي لا نهاية لها.

والأكثر من ذلك هو أن القوات المسلحة الرسمية موجودة بشكل أساسي على الورق حيث تتضمن أسماء وهمية لعديد من الجنود الذين يتم تقسيم أجورهم بين الضباط والقادة, وقد ثبت أن النقص في الموظفين ذوي الخبرة من ذوي الرتبة العالية نتيجة أن العديد منهم في الواقع لا يريدون التعاون مع هادي أو الإصلاح, يضر بالقدرات القتالية للقوات الحكومية.

إذا كان الحوثيون قادرين على الاستيلاء على مأرب، فسيكون لهم السيطرة على كل شمال اليمن تقريباً، مما سيضعف بشكل خطير مواقف الرئيس هادي وهذا سيفتح الباب لمزيد من الهجمات في جنوب البلد، ولاسيما محافظتي شبوة وحضرموت الغنية بالنفط.

وبالنظر إلى المشاكل في جنوب اليمن (التي سنذكرها بتوسع فيما سيأتي)، فقد يُنظر إلى معركة مأرب على أنها نقطة تحول في الحرب.

الانهيار الاقتصادي

في حين أن الفيروس التاجي قد لا يؤثر بشكل مباشر على الوضع العسكري والسياسي في اليمن، فقد تكون عواقبه الاقتصادية كارثية على البلد.

لقد كانت مستويات البطالة والفقر في ارتفاع حتى قبل أن ينتشر الوباء, ووفقاً للبنك الدولي، كان ما بين 71 و 78 % من السكان اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر في عام 2019, ولا تعد الأزمة المالية العالمية التي تلوح في الأفق إلا بزيادة الأمور سوءاً.

على سبيل المثال، سيؤثر الانخفاض العالمي في أسعار الطاقة والطلب على الإيرادات الحكومية، حيث خططت الحكومة لزيادة إنتاج النفط إلى 110,000 ألف برميل يومياً وتوسيع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية عام 2019, حيث شكلت صادرات الطاقة لما يقرب من ثلث عائدات ميزانية الدولة في عام 2019.

وفي الوقت نفسه، هناك خطر حقيقي يتمثل في قيام السعودية بإيقاف الإعانة للحكومة اليمنية، مما سيؤثر بشكل كبير على قدرتها على شراء المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى., كما يهدد عدم دفع الأجور المتأخرة للمسؤولين الحكوميين وموظفي الدولة الآخرين وانهيار القطاع العام الضعيف بالفعل.

لقد كان عدم مواصلة التحويلات المالية من الخارج من أخطر عواقب أزمة الفيروس التاجي، حيث أدت إجراءات الإغلاق التي وضعت في السعودية ودول الخليج العربي الأخرى إلى شل قدرة العمال اليمنيين المغتربين على ممارسة العمل.

وما يجعل هذا الوضع أسوأ هو حقيقة أن التحويلات تشكل مصدر رئيسي للعملة للبلد ككل ووسيلة لإعاشة العديد من اليمنيين.

ففي عام 2014, جلبت التحويلات المالية من الخارج حوالي 3.5 مليار دولار إلى البلد، وهو ما يعادل تقريباً جانب الإيرادات كامل من الميزانية الوطنية.

لقد لاحظ المراقبون أيضاً أن نوعاً من اقتصاد الصراع ظهر في اليمن، مهد الطريق لبعض الهياكل والأشخاص المنخرطين في استيراد الوقود والسلع الحيوية الأخرى ليزدادوا ثراءً، في حين أن البعض الآخر يكسب المال من خلال إعادة توزيع المساعدات الإنسانية.

وكلما ازداد الوضع سوءاً، كلما ازدهرت هذه الفئات، لذلك ستستمر في تخريب أي محاولات لاستعادة الحياة الاقتصادية الطبيعية في البلد.

لا تعاني اليمن من الأزمة فحسب، بل من انهيار اقتصادي كامل، مع شلل جميع الخدمات العامة، وزيادة جديدة في البطالة والجوع وأزمة وقود ناجمة عن تقليص الواردات.

ظهر تمرد الجنوب مرة أخرى

بالإضافة إلى هجوم الحوثيين وانهيار الاقتصاد، يتعين على الحكومة أيضاً التعامل مع الانقسام المتزايد للبلد, بعد أقل من ستة أشهر من توقيع اتفاقية الرياض التي كان من المفترض أن تضع حداً للحركة الانفصالية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة (المعروفة أكثر باسم جنوب اليمن)، حيث عاد المجلس الانتقالي الجنوبي إلى جذورها الانفصالية.

ففي 26 أبريل 2020, أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي أنه سيقيم حكماً ذاتياً في جنوب البلد، وهو ما يجب فهمه أولاً وقبل كل شيء على أنه رفض الخضوع رسمياً لحكومة هادي.

يرى المراقبون هذه الخطوة كدليل على تدهور العلاقات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والسعودية والتي اتخذت إجراءات في الأشهر التي سبقت, لإضعاف الوكلاء السابقين والمتمثل في الإمارات العربية المتحدة, بعد أن سحبت الأخيرة معظم قواتها من اليمن، كان السعوديون هم الذين وقعت على عاتقهم مهمة دمج المجلس الانتقالي الجنوبي وهو مؤيد قوي للإمارات في هياكل الدولة وضمان تلقي قوات المليشيات في المناطق الجنوبية المال والإمداد على أساس منتظم.

وبدلاً من ذلك، وضعوا المجلس الانتقالي على حصص غذائية قصيرة على أمل، وعلى ما يبدو، أن الجنود الذين لم يعودوا يتقاضون أجورهم سينضمون إلى الوحدات التي تسيطر عليها الحكومة.

ومن الواضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي قرر عدم انتظار حدوث ذلك وانطلق بينما كان لا يزال يسيطر على عدن وقدرات عسكرية مهمة للغاية.

موقف الرياض الصعب

في مطلع شهر مايو، واجهت السعودية بصفتها الراعي الرئيسي لحكومة هادي، عدداُ من التحديات.

فمن ناحية، كان هناك ضغط عسكري متزايد من الحوثيين الذين كانوا يهددون بالاستيلاء على محافظة مأرب, لأن القوات المسلحة التابعة لهادي ضعيفة للغاية، وقد يضطر السعوديون إلى زيادة نشاطهم العسكري في اليمن، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر وستتسبب في أضرار جسيمة لسمعة البلد.

وفي الوقت نفسه، هناك خطر من اندلاع مواجهة مسلحة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب، وعلى الأرجح في عدن، حيث توجد وحدة سعودية صغيرة تحرس مبنى البنك المركزي اليمني.

لقد وصلت السعودية إلى طريق مسدود فعلياً, ويمكنها، إذا اختارت ذلك، ان تستمر في حرب مكلفة للغاية، وبالتالي وجود حالة من الفوضى المسيطر عليها, لكنها حرب لا تستطيع الرياض كسبها على المدى القصير أو المتوسط, في ضوء أزمة الفيروس التاجي الذي سيجبر عدداً من الدول في المنطقة على إعادة تقييم أولوياتها وتقليص طموحات سياستها الخارجية، ومن المحتمل تماماً أن تتخلى السعودية عن الحرب بشكل كامل, ومن المسلم به أن الأمر قد يكلف بضع هزائم عسكرية مؤلمة أكثر حتى يحدث هذا.

التوقعات والواقع

بحلول مايو 2020, أصبح موقف الحكومة المعترف بها دولياً ورعاتها الخارجيين لا يمكن تقريباً الدفاع عنه, كما أنها لا تقوم بديناميكيات التعاون الإقليمي بين السعودية وإيران التي تمليها من نواحٍ عديدة التطورات في اليمن، وتثير التفاؤل.

وفي حين تبدو الرياض متوترة بسبب الحرب التي طال أمدها، فإن طهران، على الرغم من الفيروس التاجي وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، مستعدة لمواصلة سياسة فعالة ودعم شركائها في المنطقة.

في ظل هذه الظروف، من الصعب للغاية محاولة توقع أي شيء, ومع ذلك، تشير جميع الظروف المذكورة أعلاه إلى سيناريوهين محتملين, إذا تبنت الرياض موقفاً عملياً، فيمكننا أن نتوقع حواراً جوهرياً مع الحوثيين والذي سيؤدي إلى سلام مشرف أو وقف لإطلاق النار طويل الأمد, هذا هو السيناريو الأول.

وفي السيناريو الثاني، تواصل السعودية القتال وتندلع معارك ضارية على مدار العام، مما قد يؤدي إلى ضياع حكومة هادي والانهيار النهائي لليمن.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.