بقلم: جوناثان فينتون هارفي
السياسية:
ترجمة: نجاة نور– سبأ
في أقل من 48 ساعة، تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني الانفصالي وأمير الحرب الليبي المتمرد خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية في بلادهما، في تحد لمبادرات السلام السابقة.
لم يكن من الممكن أن تحدث هذه التحركات لولا اليد الخفية للإمارات، حيث أن أبو ظبي قد دعمت كلا الجماعتين في محاولة لاستعراض قوتها في المنطقة.
في وقت مبكر من 26 أبريل، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي “الحكم الذاتي” في عدن، عاصمة جنوب اليمن قبل ألعان الوحدة مع الشمال في عام 1990, وهو ما أنهى بالفعل اتفاقية الرياض لتوحيد قواتها مع حكومة عبد ربه منصور هادي.
في الليلة التالية، أعلن حفتر نفسه حاكم لليبيا بتفويض شعبي، مشيراً إلى رغبته في “تهيئة الظروف لبناء مؤسسات مدنية دائمة”.
جاء ذلك بإلغاء اتفاق الصخيرات لعام 2015, الذي نص على تشكيل حكومة وحدة مع حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس.

توقيت غير متوقع:
مثل هذا التوقيت غير المتوقع قد يثير الدهشة, بالنظر إلى اعتماد الفصيلين الرئيسيين على الإمارات، من الممكن أن أبو ظبي -على الرغم من رفضها الرسمي لتحرك المجلس الانتقالي الجنوبي- قد شجعت هذه الثورات المتزامنة ضد هادي وحكومة الوفاق الوطني, اللتان لا تخضعان لرعايتها وتقيّد جهودها للسيطرة على البلدين.
في الوقت الذي واجه فيه المجلس الانتقالي الجنوبي ضغوطاً من الحكومة اليمنية لتنفيذ اتفاق الرياض وتحقيق حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا مؤخراً مكاسب ضد قوات حفتر، تشكل هذه التحركات محاولة حاسمة لضمان وجودها.
عملت أبوظبي على ضمان هيمنة كلا الفصيلين، من أجل تأمين مجال نفوذها الإقليمي.
منذ عام 2014, نظرت الإمارات إلى حفتر كقوة مفيدة لتكرار جهودها في مصر من أجل إقامة نظام عسكري استبدادي وبالتالي أخذت أمير الحرب الليبي تحت جناحها.
لعبت أبو ظبي دوراً محورياً في بناء ما يسمى بالجيش الوطني الليبي لحفتر ودعمته في حملته المستمرة للاستيلاء على طرابلس منذ أبريل 2019, غالباً بطريقة خفية, لدرجة أن دور روسيا يكتسب المزيد من الضوء السلبي خاصة في الغرب.
بعد أن انسحب حفتر من المحادثات التي توسطت فيها روسيا وتركيا في موسكو في يناير المنصرم، شعر بوضوح أنه حصل على دعم كافٍ من مكان آخر – وتحديداً أبو ظبي – لاستئناف العمليات العسكرية، مما يدل على نفوذ الإمارات الكبير على زعيم الحرب وليبيا نفسها.

مطالبات مشكوك فيها:
إلى جانب دعمها لانقلاب حفتر، مولت الإمارات ودعمت المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن منذ إنشائها في عام 2017, حيث طالب الفصيل بدولة جنوبية مستقلة عن شمال اليمن.
وبينما تدعي بشكل مشكوك فيه أنها تمثل مصالح اليمنيين الجنوبيين، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي نفسه مدعوم بالكامل من قبل الإمارات.
أظهرت الضربات الجوية الإماراتية ضد القوات الحكومية بعد انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن في أغسطس الماضي، أنها حريصة على تعزيز هذه الحملة الانفصالية وسعت إلى تقويض اتفاقية الرياض التي توسطت فيها السعودية العام الماضي، مع استمرار دعم الميليشيات الانفصالية في الجنوب وفي جزيرة سقطرى الجيواستراتيجية.
تسعى الإمارات للسيطرة على جنوب اليمن وموانئها، وخاصة مدينتي عدن وسقطرى، لخلق منطقة نفوذ على البحر الأحمر وتعزيز تجارتها البحرية, حيث تهدف إلى منع استقلال هذه الموانئ وبالتالي استقلال اليمن, فمثل هذا السيناريو قد يوجه التجارة بعيداً عن الموانئ التجارية الخاصة بدولة الإمارات.
لقد أبدى العملاء الإماراتيون تقبلهم تجاه بعضهم البعض, ففي أغسطس الماضي، أعلن نائب رئيس المجلس الانتقالي، هاني بن بريك، دعم المجلس لحفتر، مشيراً إلى استعداده لتبادل “الخبرات والتجارب” مع الجيش الوطني الليبي للتعامل مع “الميليشيات غير الشرعية” في ليبيا.
يروج الفصيلان لرواية مكافحة التطرف الخاصة بدولة الإمارات لتبرير جهودهما العسكرية، بينما يدّعيان أنهما ممثلان شرعيان لشعوبهما المظلومة.

التقسيمات السعودية الإماراتية:
ومع ذلك، من أجل تحقيق طموحاتها، تواجه الإمارات بعض العقبات: حليفتها السعودية، التي عملت بشكل وثيق لتأمين نفوذها في اليمن وتصبح مهيمنة في ليبيا, حيث كانت هناك تكهنات بشأن “التنافس” المتنامي بين السعودية والإمارات حول انقساماتهما في اليمن والتي هي مبالغ فيها إلى حد ما.
لقد أقامت الإمارات بالفعل روابط أكثر واقعية في اليمن من خلال تمكين شبكة واسعة من الميليشيات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، على عكس تضاؤل نفوذ المملكة العربية السعودية من خلال دعم هادي.
وعلى الرغم من أن السعودية دفعت حفتر لشن هجومه على طرابلس، فقد تجاوزت الإمارات الرياض بصفتها الراعي الرئيسي لحفتر.
من المرجح أن السعودية تشعر بالاستياء السري تجاه موقف الإمارات الأكثر حزماً واستقلالية بشكل متزايد، وخاصة في اليمن.
ومع ذلك، وبالنظر إلى تحالفها الإقليمي الضيق الذي تم تأمينه من خلال أجندة مشتركة مضادة للثورة وروابط استثمارية وعسكرية قوية، فإن الرياض ليست مستعدة لمواجهة أبو ظبي, كما تقدر الإمارات هذا التحالف، وتتقدم بحذر نحو السعودية بينما تحقق أهدافها الخاصة.
على الرغم من أن أبو ظبي تجاوزت المملكة إلى حد كبير، إلا أنه لا يزال يتعين على الإمارات مواجهة المجتمع الدولي في سعيها لإظهار القوة في ليبيا واليمن، لكسب الدعم لفصائل العملاء.
ومع معارضة المحافظات الجنوبية لمحاولات استحواذ المجلس الانتقالي الجنوبي، جنباً إلى جنب مع مجموعات المعارضة المستقلة الأخرى والعدنيين أنفسهم، واصل الفصيل جهود تنمية العلاقات العامة من خلال المتحدثين في العواصم العالمية، بهدف تقديم نفسه على أنه الممثل الحقيقي الوحيد لجنوب اليمن.
وبالمثل، شرع حفتر في حملة دبلوماسية ليروج نفسه كعلاج لعدم استقرار ليبيا من أجل الحصول على دعم دولي.
يقال أن المجلس الانتقالي استخدم تأثير الضغط، كما كشفت وثائق تسجيل الوكلاء الأجانب الأمريكيين إلى جانب التضليل من قبل دولة الإمارات وجهود الضغط داخل دوائر السياسة الأمريكية والأوروبية، مع الترويج لرواياتها في مراكز الفكر ووسائل الإعلام من أجل صنع تحالف قوي لإضفاء الشرعية على هذه الحركات المدعومة من الإماراتيين.

الإفلات من العقاب الدولي:
مع انقسام أوروبا وبالتالي عجزها عن ليبيا، ومع الموقف المتناقض لواشنطن في عهد الرئيس دونالد ترامب، تتمتع الإمارات بحرية تمكين حفتر، لاسيما بعد الدعم الفرنسي للجنرال الليبي.
وحتى لو كان التدخل العسكري لتركيا لدعم حكومة الوفاق الوطني سينجح في كبح مكاسب حفتر ، فمن المحتمل أن تكون الإمارات قد أثبتته كقوة يجب مراعاتها في أي تسوية بعد الصراع.
ومع ذلك، سيكون تحقيق أهدافها في اليمن صعباً جداً، حيث عارض الاتحاد الأوروبي، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث التحركات الأخيرة المجلس الانتقالي الجنوبي, حيث جددوا دعمهم لاتفاقية الرياض.
ومع ذلك، فإن الدعم الأعمى وغير المنتظم من جانب المجتمع الدولي لهذه الاتفاقية غير الفعالة مكّن المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات من استغلالها, إذا قامت الاخيرة بتأمين سيطرتها على الأقل على عدن وسقطرى والموانئ الجنوبية الأخرى, فإن ذلك يمكن أن يعزز أهداف أبوظبي جزئياً على المدى القصير، قبل أن تمارس سيطرة أكبر على جنوب اليمن في المستقبل البعيد.
وفي نهاية المطاف، فإن استمرار مبيعات الأسلحة من الدول الغربية إلى الإمارات يمثل رمزاً للموافقة على أفعالها، مما يعني أن أبو ظبي لا تزال تتمتع بالحصانة الكافية لفرض سيطرتها الفعلية على الفصائل المفضلة في ليبيا واليمن تحت أنوف العواصم الغربية.
*جوناثان فينتون هارفي صحفي وباحث يركز على الصراع والجغرافيا السياسية والقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, عمل أيضا في منتدى الشرق، حيث بحث في الغالب عن القضايا اليمنية والسياسة الخارجية الإماراتية الإقليمية.
* موقع “ميدل اس أي”البريطاني
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.