السياسية – خاص:
منظر أم رياض وهي تتدافع مع العمال في مطبخ مسيك الخيري بأمانة العاصمة؛ يدهش القلب ويبكيه  في نفس الوقت، يقول عبد الله ناصر أحد الشباب القائمين على المطبخ:” أم رياض واسرتها الفقيرة والتي لا تجد قوت يومها  وتعتمد بشكل اساسي على وجبة المطبخ الخيري، تحصلت على سلة غذائية من أهل الخير؛ فقامت بإحضارها إلى المطبخ الخيري للمساهمة في دعمه ، من جهتهم قام العاملون في المطبخ برد السلة إلى أم رياض والقول لها بأنها هي وأولادها  أحق بهذه المواد الغذائية؛ لكنها ترفض وتصر على المشاركة والعطاء وتحلف بالله أنها سوف تساهم بدعم المطبخ ولو بالقليل”.
ويضف عبد الله:” أمام إصرار هذه الام الفقيرة والمعدمة  زادت عزيمتنا وإصرارنا في مواصلة العمل الخيرى والتطوع للعمل في المطبخ ولوجه الله تعالى”.
يعتبر مطبخ مسيك الخيري  الكائن بحي مسيك الوسطى بمديرية أزال بأمانة العاصمة من المشروعات الخيرية الناجحة التي ساهمت بشكل كبير في توفير الطعام لمئات الفقراء والمساكين والنازحين والمحتاجين الساكنين في حارة مسيك والحارات المجاورة.
يقول محمد حسين عاقل حارة مسيك الوسطى : ” تم طرح فكرة تأسيس المطبخ الخيري في حارة مسيك الوسطى في أحد مجالس مقيل الحارة، عندما كان الحديث دائراً حول تجربة مطبخ خير في منطقة مجاورة لحارتنا، واثناء التفاعل مع الحديث قام أحد الحاضرين وصاح فينا قائلا:” حوش منزلي كبير وأنا مستعد إعطائكم إياه لوجه الله تعالى، لكنه يحتاج لتجهيز وتصليح”، ويضيف العاقل: مان تم صاحب الحوش كلامه حتى قام شخص أخر من الحارة وتكفل بتجهيز وتأهيل الحوش ؛ ليصبح مطبخ متكامل مع مخزن خاص به وشبكة مياه وصرف صحي، إضافة إلى تجهيز الارضية والجدران وسقف المطبخ ورش الحوش كاملاً بالرنج، وتعيين خزانين للمياه ؛ الاول للطباخة وتم تجهيزه مع أدوات الفلترة وتنقية المياه، والثاني للتنظيف، ويشير العاقل إلى أنه تم الانتهاء من تجهيز البنية التحتية للمطبخ في فترة زمنية لم تتجاوز الشهر الواحد.
ويوصل عاقل حارة مسيك الوسطى حديثه  قائلاً “جاءت فكرة المطابخ الخيرية في الحارات والتجمعات السكانية الكبيرة ، بعد العدوان السعودي والحصار الجائر على بلدنا الحبيب ؛ مما جعل كثير من الناس وخصوصا الفقراء والذين انقطعت رواتبهم يعتمدون على هذه المطابخ”.

بداية الإنطلاق:

تم إفتتاح المطبخ الخيري في حارة مسيك الوسطى بأمانة العاصمة في شهر يناير 2016م، مع بداية أزمة أنقطاع الرواتب وكثرة النازحين من مناطق الصراعات إلى أمانة العاصمة والمحافظات الاخرى.
والمطبخ مشروع خيري إنطلق بكل مسؤولية لتغطية مساحة كبيرة نوعاً ما من مديرية أزال، هذه المديرية التي تعد من أفقر المديريات على مستوى أمانة العاصمة، علاوة على كثرة النازحين فيها، كما أن وجبات المطبخ تمتد لتغطية حاجات الفقراء والمحتاجين من الحارات المجاورة لحارة مسيك الوسطى مثل حارة المزرعة وأجزاء من حارة المشهد وحارة الفوز وظهر حمير الشمالية.
استهدف المطبخ في بداية افتتاحه 300 أسرة يوميا واستمر في ذلك عاماً كاملاً كمرحلة أولى، وفي المرحلة الثانية والتي بدأت في يناير 2017م استهدف المطبخ 500 أسرة ، وفي المرحلة الثالثة والتي تم تدشينها في مايو 2017م تم التوسع إلى 600 اسرة يومياً وبشكل دائم وحتى الآن.

ألية عمل المطبخ:
يقول فضل حسن أحد شباب الحارة  المشرفين على المطبخ :” في البداية قمنا بعملية حصر للأُسر الفقيرة والمحتاجة وتسجيلها في كشوفات؛ ليتم توزيع كروت خاصة  بذلك، وعلى أن يتم وضع علامة عليها أو تاريخ اليوم عند إستلام الوجبة ويتم استبدال الكروت نهاية كل شهر”.
ويضيف فضل:” عمال المطبخ متطوعين من أهل الحارة تم تعليمهم الطبخ من قبل طباخين مهرة يعملون في مطاعم ومطابخ معروفة ومشهورة ؛ يأتي هؤلاء الشباب المتطوعين في الصباح الباكر لتجهيز وطبخ الوجبات وفي أغلب الاوقات يتم التجهيز والتقطيع من الليل والطباخ في الصباح”.
من جهته يقول محمد عبد الرحمن طباخ في المطبخ:” يقدم المطبخ الخيري في حارة مسيك الوسطى وجبة الغداء وتتكون هذه الوجبة من الارز والطبيخ (خضار مشكل)، والخبز بشكل يومي واللحوم في بعض الأيام، ويتم تجهيز هذه الوجبة وتغليفها حتى الساعة 11 ظهراً، ثم يتم توزيع الوجبات على المستفيدين من الفقراء والمساكين من قبل شباب الحارة المتطوعين القائمين على المطبخ”.
ويشير الطباخ إلى أن الاشراف الفعلي على المطبخ  يقوم به عاقل الحارة وأهل الخير من الحارة ويساهم بعض التجار والمغتربين خارج الوطن وبعض الاهالي الميسورين والمقتدرين في دعم حاجيات المطبخ.

مهمة إنسانية عالية:
“في الحقيقة يعجز الوصف عن المهام الانسانية التي يقوم بها الشباب المتطوعين بلا مقابل ؛ فهم يقومون بعمل انساني يسد حاجات المساكين والفقراء الذين لا يجدون قوتهم الضروري ويصطفون يوميا امام هذا المطبخ الرائع من أجل وجبة طعام لهم ولأولادهم “هكذا عبر قاسم المشرقي أحد سكان حارة مسيك الوسطى عن عمل المطبخ الخيري.
من جهته، يقول عبد الله فيصل – من أهالي الحارة – :” الزائر لهذا المطبخ الخيري يلاحظ مدى إهتمام العاملين فيها والقائمين عليها والذين يسعون فقط للأجر والثواب، وإصرارهم على تقديم العون للمحتاجين رغم الصعوبات التي يواجهونها في الحصول على المواد الغذائية اليومية والتي تستدعي من الجميع وخصوصا رجال المال والاعمال والتجار وفاعلي الخير النظر بعين الانسانية إلى هذه المطابخ التي تستقبل معونات بسيطة من بعض أهل الخير لا تفي بالغرض المطلوب حتى تستطيع سد الحاجات الضرورية للفقراء والمساكين”.
ويؤكد خيران المحمدي أن مطبخ مسيك الخيري أفضل المشاريع الخيرية على مستوى الجمهورية لميزات ظهرت فيه وغابت عن غيره؛ فالمطبخ يقوم ويشرف عليه عاقل الحارة وهذه سابقة فريدة من نوعها كون المواطنين لم يلمسوا منذ سنين تواصل واستفادة من العقال دون تلك التواصلات المباشرة مع الدولة  والجهات المانحة، أما عاقل حارة مسيك الوسطى فقد أثبت للجميع أن المعقلة والمسؤولية لها أسسها الصحيحة التي تقوم عليها وفي مقدمتها خدمة كل الناس”.
ويضيف المحمدي:” ومن الميزات التي انفرد بها هذا المطبخ هي استمراريته يوميا ودون انقطاع وذلك على خلاف المطابخ الاخرى والتي لا تفتح إلا في شهر رمضان المبار، وهذا يدل على الإرادة والتخطيط الجيد من قبل القائمين عليه، كما يتميز المطبخ بالتنوع الغذائي واستخدام اجود أنواع الاساسيات مثل الارز واللحوم والفواكه والخضروات”.
من جانبه يقول عبد الكريم بلال  – عسكري متقاعد –   :” هذا المطبخ يعين كثير من الاسر الفقيرة والنازحة وكذلك الاسر التي انقطع راتب رب الاسرة بفعل الحصار والعدوان على اليمن، وأتمنى يتحصل هذا المطبخ على دعم كبير لتوفير الوجبة الاساسية للفقراء والمحتاجين”.
“الله يحفظهم ويمد في أرزاقهم، ويشبع جوعهم ويرزقهم من حيث لا يعلمون”، هذا كان دعاء الحجة “سيدة” إحدى المستفيدات من المطبخ الخيري، أما الطفلة دعاء فتقول:” اشكر القائمين على المطبخ الخيري  واشكر الداعمين وفاعلين الخير على الارز والطبيخ والخبز، شكراً جزيلاً”.

استمرار يتجاوز الصعاب:
ويشير عبد الله ناصر أحد القائمين على مشروع المطبخ إلى أن هناك معوقات وصعاب جمة واجهت مشروع المطبخ  إبتداء من انقطاع الدعم ومماطلة بعض المانحين في تقديم ما التزموا به للمطبخ، إلى جانب العراقيل الاساسية والمتمثلة في إنعدام الغاز وارتفاع أسعار السلع الغذائية إلا أن المشروع لم يتوقف وتجاوز كل ذلك “.
ويؤكد عبد الله ناصر أن مديرية أزال بأمانة العاصمة هي إحدى المديريات الأشد فقراً والاكثر احتياجا مع تزايد اعداد السكان وانقطاع المرتبات وارتفاع الاسعار وشدة الحصار المفروض على اليمن؛ ولذا ندعو الجميع  إلى سرعة دعم مثل هذه المشاريع  التي تقدم خدماتها إلى مئات المستفيدين من الفقراء والمحتاجين.