اليمن: "الانتقالي" ينقلب على "الرئاسي" ما دور الإمارات؟ وما خيارات السعودية؟
السياسية - رصد || علي ظافر*
تتسع هوة الخلاف وتتصاعد حدة الصراع بين الأدوات المحلية للإمارات من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى على خلفيات تطورات الأسبوعين الماضيين في محافظات عدن وحضرموت والمهرة وشبوة وما أفرزته من واقع سياسي وأمني جديد يرجح كفة أدوات أبو ظبي ميدانياً على حساب القوى المحلية الأخرى الموالية للرياض.
فعلياً، أصبح ما يسمى "مجلس القيادة الرئاسي" وحكومة سالم بن بريك أو "حكومة المرتزقة" كما تسميها صنعاء، منقسمين وفي حالة تشظٍّ غير مسبوق بين أعضاء منحازين للانتقالي وخياراته، وآخرين رافضين لها، وقسم ثالث في المنطقة الرمادية يرفع علناً شعار "الوحدة" ويدعم سراً خيار التقسيم من خلال إرسال مقاتلين لمساندة الانتقالي في حضرموت وغيرها، ولا يمكن لأحد إنكار حقيقة الانقسام العمودي والأفقي الملموس داخل ما يوصف بـ "المؤسسات التنفيذية" لجماعات السعودية والإمارات..
الانتقالي: انقلاب ناعم لفرض واقع جديد
خلال الأيام الماضية وضمن مساعي "المجلس الانتقالي" المدعوم إماراتياً وإسرائيلياً لفرض واقع أمني وعسكري وسياسي وجغرافي جديد، أعلن عدد من الوزراء ونواب الوزراء والوكلاء والمحافظين المحسوبين على "الانتقالي" تمردهم الصريح وانقلابهم الواضح على "الحكومة" التي تمخضت عن اتفاق الرياض عام 2022م، وأبدوا انحيازهم وتأييدهم الكامل للإجراءات التي أقدم عليها الانتقالي في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية لاستعادة ما سمّوه "دولة الجنوب العربي" في خطوة تكشف مضي "الانتقالي" في مشروعه ضمن مسار تصعيدي جديد وخطير، بعدما دعت البيانات الصادرة عنه وعن المحسوبين عليه "التحالف العربي" والمجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى "احترام تطلعات شعب الجنوب وإرادته في استعادة دولته السيادية"، وما ترافق مع هذا وذاك من مغالطات لمحاولة تأطير خطوات الانتقالي العسكرية والأمنية والسياسية ضمن إطار "مكافحة الإرهاب" و "مكافحة تهريب السلاح والمخدرات".
"شرعية" مأزومة تحذر "الانتقالي" من الانقلاب على "اتفاق الرياض"
خطوات وإجراءات "المجلس الانتقالي" مضافاً إليها تطورات الميدان وما رافقها من دعوات لتدويل الأزمة ودعايات سياسية لمحاولة استجرار الدعم الخارجي لدعم مشروع الانفصال، أثارت حفيظة الجماعات الموالية للرياض وفي مقدمتها حزب الإصلاح ورشاد العليمي رئيس ما يسمى "مجلس القيادة الرئاسي"، إذ يرى أصحاب التوجه الأخير – وفقاً لما ورد في البيان الصادر عن مكتب العليمي - أن الانتقالي يعلن الانقلاب الناعم على "الشرعية" وأن "القيادة السياسية الشرعية ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي هي الجهة الوحيدة المخولة تحديد المواقف السياسية العليا للدولة"، وفيما حذر مكتب العليمي المجلس الانتقالي بقيادة عيدروس الزبيدي (عضو المجلس الرئاسي) من "استغلال السلطة لتحقيق مكاسب سياسية" هدد بـ "مواجهة أي تجاوزات تمس وحدة القرار، أو تحاول فرض سياسيات خارج الأطر الدستورية"، والأبعد من ذلك أن مصطفى نعمان نائب وزير الخارجية في حكومة سالم بن بريك اعتبر أن الانتقالي "لا يمثل كل الجنوب"، وأن "هناك جهات شرعية هي الوحيدة المخولة مكافحة الإرهاب" مبدياً مخاوفه من إعلان الانفصال وتأسيس "دويلة صغيرة في جنوب اليمن مثل دويلة جنوب الصومال"، وسط مطالبات بـ "تطبيع الأوضاع" وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل ديسمبر الجاري.
السعودية: مساعٍ مشكوك فيها وخيارات ضغط مؤجلة
برغم أن مقربين من دوائر صنع القرار السعودي يرون أن المملكة العربية السعودية هي الرقم الأصعب في المعادلة اليمنية وصاحبة القرار الفصل والتأثير الدائم على الجوار اليمني في الشمال والجنوب من وجهة نظرهم، إلا أنها وفق مراقبين فشلت على مدى ثلاثة أسابيع من احتواء الأزمة ونزع فتيل التوتر بين أدوات العدوان في المحافظات الجنوبية والشرقية، وبدت عاجزة عن إقناع "الانتقالي" أو إجباره بالقوة على الانسحاب من محافظات عدن وحضرموت والمهرة وشبوة وغيرها وفقاً لما طرحه الوفد الرسمي السعودي برئاسة رئيس اللجنة الخاصة المعنية بشؤون اليمن اللواء محمد القحطاني.
توشك الأزمة على إنهاء أسبوعها الثالث ولما تتمكن الرياض بعد من إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، ولم تنجح في إعادة العليمي وغيره من المحسوبين على الرياض إلى قصر معاشيق في عدن، بسبب رفض "الانتقالي" المدعوم إماراتياً دعوات الانسحاب وتمسكه بمشروع الانفصال، في خطوة تحمل دلالات تتجاوز البعد الميداني إلى حسابات سياسية وأمنية أوسع تتعلق بمستقبل التوازنات المحلية والإقليمية والدولية جنوب وشرق اليمن.
وإذا افترضنا جدية المساعي السعودية وحسن النوايا، فلماذا تفاوض الوفد الرسمي السعودي مباشرة مع "الانتقالي" ولم يتفاوض مع المشغلين الإقليميين والدوليين وفي صدارتهم الإماراتي؟ وهل يتجرأ الانتقالي ومن ورائه الإمارات على تحدي السعودية والتمرد على طروحاتها، أم أن ما تقوم به السعودية مجرد دور مسرحي للتمويه على توافق سعودي إماراتي مسبوق على تنفيذ هذا المشروع بهدف طرد المحسوبين على حزب الإصلاح وما يسمى "الشرعية" وفرض واقع جديد.
وإذا افترضنا جدلاً أن السعودية حريصة على وحدة اليمن واستقراره، فأين التأثير الكبير على القوى المحلية جنوب وشرق اليمن؟ وهل يعقل أن الدور السعودي تقزم أمام الدور الإماراتي؟ وهل ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانية من أن الرياض حشدت قرابة 20 ألفاً من المقاتلين الموالين لها في الوديعة وأنها هددت الانتقالي باستخدام سلاح الجو؟ خيار جدي من خيارات الضغط؟ أم أنه مجرد تهديد أجوف لإضفاء المصداقية على فصول مسرحية هزلية كما يراها البعض – مع رفضنا لأي عدوان خارجي على أي طرف يمني -المرحلة المقبلة ستكشف حقيقة الموقف السعودي؟
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الإمارات التي استدعتها السعودية كشريك في العدوان على اليمن واليمنيين، تحمل طموحاً جيوسياسياً وتتحرك بدفع ودعم أميركيين وبريطانيين وإسرائيليين لتوسيع نفوذها الجيوسياسي في دول أفريقيا واليمن عبر السيطرة على مواقع مشاطئة للبحر الأحمر وجزر استراتيجية تمتد من القرن الأفريقي مروراً بالساحلي الغربي اليمني وباب المندب، وصولاً إلى الساحل الجنوبي اليمني على بحر العرب،بما لا يخدم مشروع أميركا والغرب وكيان العدو الإسرائيلي فحسب، بل ويهدد الأمن القومي اليمني والسعودي والعُماني، وهذا ما لا تنكره الأوساط الصهيونية وفق ما رُصد في معالجات الإعلام والصحافيين الإسرائيليين.
الإمارات تدعم الانفصال وتدفع نحو تشطير اليمن
إن موقف الإمارات في الجنوب اليمني يقوم على دعم المجلس الانتقالي لتعزيز نفوذها الجيوسياسي المرتبط بالأمن البحري والمصالح الاستراتيجية والمشروع الغربي الإسرائيلي، ولم تتجرأ أبو ظبي بالمعنى العدائي على مواجهة السعودية مباشرة، بل استغلت أدوات يمنية محلية واستراتيجيات غير مباشرة في مواجهة النفوذ السعودي لتعزيز نفوذها في إطار اختلاف الرؤى بين شركاء العدوان السعودي والإماراتي، ضمن هذا السياق يرى المقربون من دوائر صنع القرار الإماراتي أن "المجلس الرئاسي" برئاسة رشاد العليمي لم يعد له حضور على أرض الواقع، ولا يتحرجون من المطالبة بـ "حق تقرير المصير للجنوب" في موقف رسمي إماراتي صريح لدعم انفصال جنوب اليمن عن شماله، موقف رافقته دعوة صريحة للعليمي بـ "مغادرة المشهد بكرامة"، ومن جهة أخرى فإن هذا الموقف الإماراتي الرسمي الداعي للانفصال وإعادة تشطير اليمن يشكل حرجاً سياسياً كبيراً لليمنيين الذي يرتمون في الحضن الإماراتي ويرفعون شعارات "الجمهورية من صعدة إلى المهرة" والدفاع عن الوحدة والجمهورية، بل كان أسلافهم يرفعون "شعار الوحدة أو الموت" ويعتبرون الوحدة ماركة حصرية مسجلة باسمهم، الأمر ليس مجرد تحليل بل هو موقف إماراتي رسمي أعلن بشكل تغريدات على حسابات مستشار الرئيس الإماراتي ووزير الشؤون الخارجية السابق أنور قرقاش، ومستشار محمد بن زايد عبد الخالق عبد الله في منصة (X)، في رهان على نجاح مشروعهم المدعوم إسرائيلياً وغربياً.
في الختام سواء كان ما يجري في جنوب وشرق اليمن بالتنسيق مع الرياض أم بعيداً عنها فإن السعودية تتحمل مسؤولية التحولات السلبية في البلاد منذ العام 2015م سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، فهي من شكلت التحالف العدواني واستدعت الإمارات، وعسكرت الميليشيات وقوّتها ومكَّنتها أكثر، ويبقى الدور السعودي موضع شك ولا يخرج عن إطار المتآمر على اليمن وحقائق التاريخ تدعم هذه الحقيقة وتؤكد أن السعودية مجرد كيان وظيفي يغذي مشاريع التفتيت والتقسيم، ويوسع نفوذه في جغرافية الدول المجاورة وفي مقدمتها اليمن، منذ الدولة السعودية الأولى وعدوان 1934م، مروراً بأحداث 1962م وما تلاها، وموقفها من الوحدة والحرب التي أعقبتها عام 1994م، وصولاً إلى العدوان على اليمن عام 2015م، والأمر ينسحب على دويلة الإمارات.
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من الميادين نت

