الأورومتوسطي يطالب بمساءلة الاحتلال لدفنه جثامين فلسطينيين بمقابر مجهولة
السياسية - وكالات:
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنّ العدو "الإسرائيلي" اتبّع خلال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ أكثر من عامين سياسةً منهجيةً تقوم على دفن جثامين فلسطينيين في مقابر مجهولة.
وأوضح المرصد في بيان، اليوم الأربعاء، أن عمليات الدفن شملت كذلك، محيط مراكز توزيع المساعدات التي فرضها وسط وجنوبي القطاع، في ظروف تحول دون تحديد هوية الضحايا ومواقع دفنهم وتمكين عائلاتهم من معرفة مصيرهم.
وذكر، أنّ التحقيق الذي نشرته شبكة "سي إن إن" يعزّز المعطيات التي توصّل إليها استنادًا إلى شهادات موثّقة، ويستوجب فتح تحقيق دولي مستقل لكشف أسماء الضحايا وتحديد أماكن دفنهم وضمان المساءلة عن هذه الممارسات.
وأوضح أنّه وثّق هذه الممارسات ضمن برنامج توثيق ممنهج شمل تحقيقات ميدانية واسعة في شمالي قطاع غزة وجنوبه، ومقابلات مع ناجين وشهود عيان وأسر مفقودين.
وأشار إلى أنه تم جمع بيانات من الطواقم الطبية والجهات المحلية وتحليل منظّم للمواد البصرية المتاحة والتدقيق المتقاطع في المعطيات، بما كشف عن نمط منظم وواسع النطاق لعمليات الدفن يعكس سياسة معتمدة من جيش الاحتلال، وعلى نحو لا يمكن قانونًا التعامل معه كحوادث فردية معزولة.
وبيّن أنّ عمليات التوثيق التي أجراها فريقه الميداني أظهرت أنّ القوات "الإسرائيلية" عمدت في حالات متكررة إلى دفن جثامين في ساحات عامة وأراضٍ مفتوحة ومناطق متاخمة لمنشآت حيوية، بما في ذلك قرب مراكز توزيع المساعدات والمستشفيات والمدارس.
وأضاف أن ذلك جاء بعد إغلاق هذه المناطق عسكريًا ومنع الطواقم الطبية وذوي الضحايا والسكان من الوصول إلى الجثامين أو نقلها ودفنها أصوليًا، على نحوٍ يطمس الأدلة المحتملة على عمليات قتل غير مشروع ويحول دون أي تحقيق فعّال فيها، ويحرم في الوقت ذاته عائلات الضحايا من حقها في وداع أقاربها ومعرفة أماكن دفنهم، في مساس إضافي بكرامتهم الإنسانية وحقوقهم المكفولة بموجب القانون الدولي.
وأشار إلى أنّ عائلات فلسطينية عديدة عثرت، بعد انسحاب القوات "الإسرائيلية"، على جثامين أقاربها مدفونة في حفر سطحية تركتها خلفها.
وذكر أن هذا النمط تكرّر على نحو خاص في محيط مراكز توزيع المساعدات وعلى طول ممرات التهجير القسري، في سياق عمليات عسكرية اقترنت بالحصار والتجويع وفرض النزوح الواسع على السكان المدنيين.
ولفت إلى أنّ ما كشفته شبكة "سي إن إن" بشأن دفن جيش الاحتلال فلسطينيين قرب نقاط توزيع المساعدات يتوافق مع ما وثّقه خلال الأشهر الماضية.
وأظهرت الشهادات التي جمعها فريقه الميداني أنّ قوات الاحتلال كانت تمنع المدنيين والطواقم الطبية من الوصول إلى الجثامين لساعات أو أيام، ثم تنفّذ عمليات دفن سريعة تُخفي هوية الضحايا وتُطمس معها الأدلة المحتملة على عمليات القتل غير المشروع، ما يعرقل عمدًا أي تحقيق لاحق في الجريمة، ويضع عائلات الضحايا أمام معاناة إضافية بحرمانهم من معرفة مصير أبنائهم ودفنهم بطريقة لائقة.
ونبّه إلى أنّه تحقّق من موثوقية شهادة متعاقد ألماني عمل مع مؤسسة إنسانية في غزة، عبر إجراءات التحقّق المعتمدة في عمله، والتي شملت مراجعة المعطيات المتاحة والتقاطُع مع مصادر مستقلة أخرى.
وأفاد الشاهد بأنّه رأى جيش الاحتلال يطلق النار على مدنيين فلسطينيين كانوا يحاولون الحصول على مساعدات إنسانية، ما أدى إلى استشهاد عدد منهم، ثم طُلِب منه بعد ذلك تنظيف المنطقة، بما في ذلك جرف جثامين وبقايا جثامين.
وقال المتعاقد الألماني في إفادته: "أسوأ شيء عشته في حياتي، بعد إطلاق النار على المدنيين الذين كانوا يحاولون الحصول على المساعدات، الطلب مني تنظيف المنطقة، كان هناك بقايا جثث، وإطلاق النار كثيفًا جدًا وقد كان هناك العديد من بقايا الجثث بقيت هناك والرائحة كانت سيئة".
وأضاف "اشتكيت للضابط في الجيش الإسرائيلي، فكان ردّه هذا ليس شأنكم.
كان عليّ وضع بقايا الجثث في مؤخرة الشاحنة لإلقائها بعيدًا. عندما طُلب مني تنفيذ المهمة لم يتم تحذيري عن حقيقة الوضع. أجد صعوبة في التحدث عن الأمر، أشعر بقلبي ينبض بقوة وبالانهيار".
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ ما لا يقل عن 45 شخصًا فُقدت آثارهم في محيط مراكز توزيع المساعدات في قطاع غزة، وما يزال مصيرهم مجهولًا، سواء تعلّق الأمر باعتقالهم وإخضاعهم للإخفاء القسري في سجون الاحتلال، أو قتلهم ودفن جثامينهم في مواقع رملية عشوائية وغير محددة قرب تلك المراكز.
وأشار إلى أنّه سبق أن تحقّق، في مارس 2024، من مقطع فيديو جرى تداوله ويُظهر من مسافة بعيدة رجلين يسيران على طول شاطئ غزة، منفصلين عن بعضهما البعض، يلوّحان بأعلام بيضاء ترمز إلى الاستسلام بينما يقتربان بحذر من مجموعة من الجنود الإسرائيليين على شارع الرشيد في المنطقة التي كان يقام فيها حاجز يفصل شمالي القطاع عن وسطه وجنوبه.
ويُظهر المقطع أحد الرجلين وهو يتقدّم نحو الجنود ويداه مرفوعتان في الهواء قبل أن يختفي خلف كومة من الرمال والخرسانة. فيما يحاول الرجل الآخر الابتعاد مسرعًا عن الجنود، لتتبعه آلية عسكرية إسرائيلية قبل أن يسقط فجأة على الرمال فيما يبدو أنه نتيجة إصابته برصاصة، ثم تظهر جرافة عسكرية إسرائيلية وهي تقوم بدفن جثتين في الرمال والحطام.
وأكّد المرصد أن الحادثة المذكورة تشكّل نمطًا متكرّرًا من نزع الإنسانية المقصود عن أفراد الجماعة واستخدام الرعب وسيلة لتفكيكها وإجبارها على الخضوع والنزوح واعتبر ذلك مؤشّر إضافي على توفّر القصد الخاص لجريمة الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي، إلى جانب قابلية هذه الأفعال، في الوقت ذاته، للتكييف كجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مكتملة الأركان.
وطالب المرصد بفتح تحقيق دولي مستقل وشامل في نمط عمليات الدفن التي نفذها جيش الاحتلال في محيط المناطق المكتظة ونقاط المساعدات وممرات التهجير القسري، بما في ذلك وقائع إطلاق النار على طالبي المساعدة.
وأكد ضرورة أن يكون لهذا التحقيق ولاية كاملة في جمع الأدلة وتحليلها وتحديد المسؤوليات الجنائية الفردية عن الجرائم المحتملة، بما فيها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.
ودعا إلى الكشف الفوري عن جميع مواقع المقابر الجماعية والفردية التي أنشأتها قوات الاحتلال خلال العمليات العسكرية في غزة، واتخاذ تدابير عاجلة لحمايتها بوصفها أماكن يحتمل أن تكون مسارح لجرائم دولية، ومنع أي نقل أو إتلاف للجثامين أو العبث بالأدلة. وطالب بضرورة السماح بدخول فرق طب شرعي مستقلة إلى القطاع، ورفع القيود التي تفرضها "إسرائيل" على إدخال معدات وأدوات فحوص الحمض النووي، أو وضع آلية آمنة لنقل العينات إلى مختبرات متخصصة خارج غزة، بما يضمن إمكان التعرّف على الضحايا وتوثيق الجرائم توثيقًا سليمًا.
وناشد بالضغط على "إسرائيل" لتكشف بصورة شفافة عن قوائم الأشخاص الذين خضعوا لسيطرتها خلال العمليات العسكرية، سواء كجثامين أو كمفقودين أو كمعتقلين، وتبيّن أماكن الدفن أو الاحتجاز، بما يضع حدًا لحالة عدم اليقين التي تعيشها عائلات الضحايا، وبما يوفّر أساسًا لبدء إجراءات جدية للكشف عن الحقيقة وجبر الضرر.
وحثّ المرصد "إسرائيل" على الكشف الفوري عن مصير جميع الأشخاص الذين اعتقلتهم ولا تزال تمارس بحقهم الإخفاء القسري، ووقف هذه الممارسة غير المشروعة.
وأكد على ضرورة تمكين المحتجزين من التواصل مع عائلاتهم ومحاميهم، والإفراج عن كل من لا يستند احتجازه إلى أساس قانوني واضح ومحدد، انسجامًا مع قواعد القانون الدولي.
وشدّد على ضرورة تمكين العائلات والجهات الفلسطينية المختصة من استرداد جثامين الضحايا ودفنها وفقًا للمعايير الدينية والإنسانية والقانونية، وضمان إشراك ذوي الضحايا في إجراءات التعرّف على الجثامين وتزويدهم بالمعلومات الكاملة حول مصير أقاربهم، إلى جانب توفير الدعم اللازم لهم. وأكد وجوب اضطلاع الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف وسائر الدول المعنية بدورها في ضمان المساءلة عن هذه الجرائم، بما في ذلك فتح تحقيقات وطنية ودولية واستخدام الولاية القضائية العالمية عند الاقتضاء، واتخاذ تدابير فعالة تكفل عدم تكرار هذه الممارسات.

