محمد محسن الجوهري*

قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كانت منطقة الخليج تعيش تحت وطأة الهيمنة السياسية لنظام الشاه محمد رضا بهلوي، الذي لُقِّب في حينه بـ شرطي أميركا في الشرق الأوسط. فقد شكّل نظامه نموذجًا واضحًا للنفوذ الغربي في المنطقة، وكان يتصرف بوصفه الذراع الإقليمي للولايات المتحدة، فارضًا وصايته السياسية والعسكرية على جيرانه من دول الخليج.

ويكفي أن نستحضر احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى) عام 1971، لندرك طبيعة العلاقة التي ربطت الشاه بجيرانه العرب، وكيف كان ينظر إلى الخليج بوصفه منطقة نفوذٍ خالصة لإيران البهلوية.

ورغم المظاهر البراقة لنهضة الشاه الداخلية، فإن سياساته الإقليمية كانت قائمة على تقييد حركات التطور في دول الخليج ومنعها من امتلاك قرارها الاقتصادي والسياسي المستقل. فقد تدخل في شؤونها بشكل مباشر، وسعى إلى إبقاء اقتصاداتها محدودة التوسع ومقيدة التوجه، ما جعلها تدور في فلكه وتحت مظلة الحماية الغربية.

ومن المفارقات أن الرفاه الاقتصادي والعمراني الذي شهدته هذه الدول لاحقًا لم يبدأ فعليًا إلا بعد سقوط نظام الشاه. فمع رحيله انهار النفوذ الإيراني المتغطرس في المنطقة، ووجدت دول الخليج نفسها أمام فرصة تاريخية لترتيب أوضاعها الداخلية والانطلاق نحو بناء كياناتها الحديثة بعيدًا عن وصايته.

لقد مثّل انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني نقطة تحوّل كبرى في تاريخ المنطقة. فبسقوط نظام الشاه، انتهى عهد "الشرطي الأميركي" في الخليج، وانفتح المجال أمام الدول الخليجية لتعيد رسم سياساتها بعيدًا عن هيمنة طهران البهلوية. كان من المفترض أن يُقابل ذلك الموقف بقدر من التقدير والاعتراف، إذ ساهمت الثورة بصورة غير مباشرة في تحرر الخليج من نفوذٍ استمر لعقود، وأعادت رسم التوازن الإقليمي بما أتاح لتلك الدول أن تنمو اقتصاديًا وسياسيًا.

غير أن ما حدث لاحقًا عكس اتجاهًا مغايرًا؛ فبدل أن تتعامل أنظمة الخليج مع إيران الجديدة باعتبارها دولة جارة خرجت من ربقة التبعية، انقلبت عليها وعدّتها تهديدًا لمصالحها. وقد سارعت هذه الأنظمة إلى دعم نظام صدام حسين في حربه ضد الجمهورية الإسلامية (1980–1988)، محاولةً من خلالها احتواء الثورة وإجهاض تأثيرها الإقليمي. وكانت تلك الحرب كارثة مزدوجة، دمّرت العراق واستنزفت إيران، وأعادت رسم مشهد الخليج على أساس التوتر والعداء بدل التعاون والتكامل.

لقد منحت الثورة الإسلامية دول الخليج فرصة تاريخية لتكريس استقلالها السياسي وبناء اقتصاداتها الحديثة، لكن الخوف من التحولات الكبرى جعلها تنحاز إلى الاصطفاف مع القوى الغربية مجددًا. وهكذا ضاعت لحظة التحول الممكنة، واستُبدل نفوذ الشاه بنفوذٍ آخر أكثر نعومة وأشدّ تغلغلاً، فيما بقيت المنطقة مسرحًا لصراعات المصالح الكبرى بين الشرق والغرب.

إن الثورة الإسلامية في إيران لم تكن مجرد تحول داخلي لإيران وحدها، بل كانت نقطة فاصلة في تاريخ الخليج الحديث، أفرزت فرصة حقيقية للحرية والسيادة والاستقلال الاقتصادي. واليوم، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستستفيد دول المنطقة من دروس التاريخ في تعزيز استقلالها ومصالح شعوبها، أم ستظل تتحرك تحت تأثير النفوذ الخارجي وتاريخ التدخلات الإقليمية؟
التاريخ يظهر بوضوح أن الفرص الكبرى غالبًا ما تأتي مرة واحدة، ومن يفوتها عليه أن يتحمل عواقب تراجع مكانته واستقلال قراره السياسي.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب