محمد محسن الجوهري*

تجمع كل مصادر التنمية البشرية بأن الفرد لا يستطيع العيش بدون أهداف يسعى لتحقيقها، فالإسنان قضية وعقيدة قبل أن يكون مادة، لطن تلك المصادر تحاول دائما إلى إشغال الإنسان بنفسه وأن تبقى كل أهدافه شخصية وفردانية، وهذا النوع من التنمية يخدم قضية عامة واحدة هي الرأسمالية التي ترى بأن الفرد غير مسؤول عن غيره وأن هناك يد خفية تقوم بذلك نيابة عنه.

تركز معظم مدارس التنمية البشرية الحديثة على الفرد باعتباره وحدة مستقلة ومكتفية بذاتها، وتتكرر مفاهيم مثل "أنت وحدك المسؤول عن نجاحك"، "غيّر نفسك يتغيّر العالم", "لا تنتظر أحدًا ليساعدك"، حتى تُزرع في الوعي الجماعي فكرة أن الفرد لا يَدين لأحد بشيء، وأن خلاصه شخصي بحت، لا جماعي، لكن هذه الفكرة ليست بريئة.

فحين يُقنع الإنسان بأنه جزيرة منفصلة، يسهل التحكم به اقتصاديًا وثقافيًا، لأنه لن يجد نفسه مسؤولًا عن أمته أو قضيته، ولن يفكر إلا في "تحسين حياته" هو، وبهذا الشكل، تتحول الطاقة التي كان يمكن أن تبني المجتمعات إلى طاقة استهلاك وسباق شخصي نحو التفوق على الآخرين لا التعاون معهم، ومن هنا أيضاً يسهل التحكم في نتائج النجاح الفردي لصالح قوى كبرى تتحرك وفق عقائد متطرفة وإلغائية.

فالإنسان، مهما بلغ من المراتب وامتلك من الثروة مصيره الزوال والخروج من هذا العالم، وعندها تتلاشى كل إنجازاته الفردية، ولو سخر ذلك الفرد كل طاقاته لخدمة عقديته وتوجهاته، فإنه سيظل حياً أبد الدهر ما دامت آثاره تخدم أمته وتنتصر لقضيته، ومن هنا كانت تضحيات الشهداء في ديننا الإسلامي، فقد فتح الله لنا باب الجهاد لخدمة قضايانا الكبيرة وأولها نصرة دين الله والعيش في ظلاله أحرار، ولو كلفنا الأمر أن نضحي بحياتنا الفردية لصالح الأمة والإنسانية جمعاء.

ولو تأملنا سورة الفاتحة، لوجدنا أن الإنسان أمام ثلاثة خيارات في حياته اثنان منهما باطل، إلا أن فئة الضالين تشير إلى أولئك الذين عاشوا بلا عقيدة واكتفوا بالتفاني لخدمة ذاتهم دون الإيمان بعقيدة ما أو التحرك لخدمة مشروعٍ معين، بخلاف الفئتين الأخريتين، المغضوب عليهم والذين أنعم الله عليهم، فالفئتان تتحركان وفق مشروع يناقض الآخر وقد تفانى كل منهما في خدمة مشروعه الواسع ولو على حساب مصالحه الشخصية، وبما أننا مسلمون ولله الحمد، فنحن ملزمون بتبني المشروع الإلهي الذي عدّه الله نعمة على العباد، وبالفعل فلا خسارة في التحرك الإيماني وفق التوجيهات الإلهية، فحتى الموت قد ألغاه الله من حياتهم وحرم على الآخرين وصفهم بالأموات أو حتى التفكير في ذلك.

بالمقابل، هناك المشروع الشيطاني الذي تضمنته الفاتحة وتحدث الله عنه بالتفصيل في السور الأخرى، ويقود هذا التحرك أهل الكتاب الذين حذرنا الله من التعاطي معهم والقبول بثقافتهم لأن في ذلك ارتداد عن الدين، وبالفعل فكل أشكال الضلال والضياع في الأمة هي نتاج التثقيف الغربي الذي مصدره من أهل الكتاب مثل "التنمية البشرية"، وبذلك أصبح الكثير من أبناء الأمة ضمن فئة الضالين التائهين في الحياة، وينفق الفرد منهم حياته لتحقيق إنجازات تخدم أعداء الأمة، كما هو حال أغلب الزعماء العرب، فإيمانهم بالفردية دفعهم إلى الاستئثار بالسلطة وتقديم التنازلات لليد الخفية على حساب أبناء شعوبهم، وحتى ثرواتهم المنهوبة تُصادر بعد رحيلهم وتضاف لأرصدة الأعداء الألد للدين الإسلامي.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب