محمد محسن الجوهري*

يكشف تاريخ اليمن الحديث أن النظام السعودي، ومنذ تأسيسه، لا يحمل جميلٍ لأحد من الذين خدموه ووقفوا إلى جانبه، والأمر ينسحب على سائر الدول الإسلامية والعربية، فكل شخصية أو نظام ساند آل سعود انتهى به الأمر صريعاً على أيديهم وأيدي عملاء جدد تابعين لهم.

المثال الأبرز هو نظام عفاش بكل رموزه بدءاً بعفاش نفسه، فتنازله عن نحو أربعين ألف كيلو متر مربع من الصحراء النفطية لآل سعود لم يمنعهم من الإطاحة به وتمويل الأطراف المعادية له للخلاص منه، ورأينا كيف كان الإعلام السعودي يصفه بالمخلوع في جحودٍ تام لكل خدماته الجليلة لهم وكان ذلك من الأسباب التي دفعته للتحالف مع أنصار الله رغبةً في الانتقام لما حدث له ولنظامه بسبب حلفائه بالأمس.

وتكرر الخذلان نفسه مع خلفه عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، فبعد سنوات من التأييد المطلق لآل سعود وخدمة أطماعهم في وطنهم اليمن، هاهم يقضون أيامهم الأخيرة في سجونٍ المملكة، وقد أُخفي حتى ذكرهم في الإعلام وكأنهم لم يغنوا فيها، ولم يكونوا سبباً في إنزال كل أشكال البلاء بالشعب اليمني بدءاً بمناشدة الرياض بقصف البلاد ومباركة كل إجرامها ومجازرها بحق اليمن أرضاً وإنساناً، وهو المصير نفسه الذي سيلحق سائر الخونة والمرتزقة من آل عفاش وحزب الإصلاح والمجلس الانتقالي وغيرهم.

بعيدًا عن اليمن، كرر آل سعود نفس النهج مع أدواتهم في مناطق أخرى من العالم العربي، مؤكدين نمط التعامل مع الحلفاء الذي لا يحفظ حقوقهم ولا تاريخ دعمهم. ولعل احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عام 2017 وإجباره على تقديم استقالته من أبرز أشكال المتهان والنكران الذي تمارسه الرياض بحق عملائها، ومثلت تلك الحادثة العلامة البارزة في تاريخ الهيمنة السعودية على لبنان، ولاحقاً أجبرت وزراء من الحكومة على الاستقالة لمجرد مخالفتهم مع سياسة آل سعود أو انتقادهم لها.

في سورية، لم يشفع موقف حافظ الأسد الداعم للسعودية في حرب الخليج من أن يلقى الخذلان ذاته، وما هي إلا سنوات قليلة حتى تآمرت الرياض على دمشق ومولت الحرب الأهلية وأرسلت الألاف من التكفيريين لقتل الشعب السوري وتسببت بكوارث عصفت بسورية حتى أسقطت النظام على يد عناصر موالية لها، وعما قريب ستشهد الحكومة الجديدة المصير ذاته مهما قدم قادتها من خدمات للنظام السعودي.

أما في العراق، فقد وثق الرئيس الأسبق صدام حسين خيانة آل سعود في حوار متلفز مع عددٍ من الإعلاميين العرب خلال حرب الخليج، كاشفاً مؤامرة الملك فهد على العراق وسعيه للإطاحة بالنظام العراقي رغم التحالف العلني بين الطرفين خلال الحرب العراقية الإيرانية، حيث اتضح أن السعودية دعمت صدام من جهة وسعت إلى ضرب الاقتصاد الوطني من جهةٍ أخرى، ولا يزال حديث صدام موثقاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفيه ما يكشف الكثير من الكيد السعودي غير المبرر تجاه الأمة.

في السودان، لا يمكن فهم سقوط الرئيس السابق عمر البشير واعتقاله دون الإشارة إلى تحالفه العلني مع الرياض عام 2015، ومشاركته في العدوان على اليمن. تلك الخطوة، التي اعتُبرت إعلان ولاء لآل سعود، مهدت الطريق لتدخل المملكة في الشؤون السودانية بطريقة مباشرة، وأضعفت سيطرة البشير على بلاده، وفتحت المجال لموجة من الأزمات الداخلية المستمرة حتى اليوم. وما تشهده مدينة الفاشر من اضطرابات وجرائم حرب، هو انعكاس مباشر لسياسات العمالة التي منحت السعودية نفوذًا واسعًا مكّنها من التأثير في المشهد السوداني، ووضع البلاد في موقع هش أمام أطماع القوى الخارجية.

وقائمة الشواهد طويلة وكلها تتمحور حول حقيقة واحدة، هي أن التحالف مع آل سعود تنتهي بالخيانة للدين والوطن من جهة، وإلى سقوط الخائن نفسه من جهةٍ أخرى، فالسعودية والحق لم يجتمعا في مسارٍ واحد منذ تأسيس الدولة السعودية، ولعل الطريقة الصهيونية في التعامل معهم هي الأمثل، فالإهانات المتكررة من قادة الكيان تُقابل في الرياض بالمزيد من العمالة والتنازلات لأعداء الأمة الإسلامية في أشد مشهد يجسد الكفر والنفاق الذي حكاه الله سبحانه وتعالى عن الإعراب.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب