محمد محسن الجوهري*

الحديث عن استضافة السعودية لكأس العالم 2034 يرتبط مباشرة بصورة الدولة دوليًا وبمدى قدرتها على إثبات أنها بيئة مستقرة سياسياً وأمنياً وحقوقياً. فالفيفا، رغم كل الانتقادات التي تطالها، تحرص في الظاهر على ألا تُنظّم البطولات الكبرى في دول غارقة في صراعات تهدد سمعة اللعبة أو أمن الجماهير.

ومن هنا يتجلى التناقض الصارخ في مشروع محمد بن سلمان: فهو يريد من العالم أن يُصفّق لتحولات اقتصادية وسياحية وترفيهية طموحة ضمن "رؤية 2030"، بينما يواصل شنّ حرب مدمّرة على اليمن منذ مارس 2015، خلفت – وفق تقارير الأمم المتحدة – واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. هذا النوع من الحروب لا يُنسى، ولا تُمحى آثاره بسهولة من ذاكرة المجتمع الدولي، خصوصاً مع توثيق جرائم متعلقة بالقصف العشوائي والحصار والمجاعات وانتشار الأوبئة.

فاليمن ليس ملفًا عابرًا يمكن تجاوزه بمؤتمرات السلام أو بخطابات الوعود. إنها حرب ذات ذاكرة حيّة، خلفت عشرات آلاف الشهداء، ودمارًا هائلًا في البنية التحتية، وحصارات أحرجت المجتمع الدولي، حتى صنّفت الأمم المتحدة الوضع هناك كـ أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث.

ولا تتوقف المشكلة عند الجانب الأخلاقي فقط، بل تمتد لتشكل تهديدًا أمنيًا مباشرًا. فمن يمتلك القدرة على الوصول إلى عمق المملكة بالصواريخ والطائرات المسيّرة — كما يفعل اليمنيون — يستطيع أن يقلب الطاولة على أي بطولة عالمية، خصوصًا إذا تعلّق الأمر بمواجهة مفتوحة لم تُحسم جذورها بعد، ولن تخاطر الفيفا بوضع الجماهير والمنتخبات تحت احتمالات كهذه.

وواضح أن بن سلمان مصر على عدوانه على اليمن، إما بالحرب المباشرة أو بدعم فصائل المرتزقة المحلية، ما يرسّخ بأن الحرب لم تنتهِ بعد وأن الهدوء هشّ ومؤقت. وبقدر ما يريد الإعلام السعودي أن يصوّر اليمن ساحة صراع داخلي بعيد عن الرياض، تبقى الوقائع شاهدة بأن المبادرة بيد اليمنيين الآن، وأي تصعيد منهم كفيل بأن ينسف سنوات من التحضير لملف الاستضافة.

وليس اليمن وحده الهاجس الإقليمي، فكل من يتابع الملف السعودي يدرك أن المملكة تعيش احتقانات داخلية مكبوتة كإقصاء الأمراء المعارضين وإخفاء الكثير منهم كان مؤشرًا على حجم الصراع داخل بيت الحكم ذاته.

أما تيار "الإخوان المسلمين" الذي كان جزءاً من الهوية السياسية للمملكة لعقود، فقد وجد نفسه فجأة تحت مقصلة التصفيات والاعتقالات، ما ولّد خصومة سياسية ودينية لا يمكن التكهن بمآلاتها.

على الصعيد الحقوقي، فإن تقارير هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تتحدث سنويًا عن الاعتقالات التعسفية، والتضييق على الحريات الإعلامية، وأحكام الإعدام التي تطال نشطاء ورجال دين وحتى قاصرين. مثل هذه الملفات تُهدد صورة المملكة التي تحاول تسويقها كوجهة كروية عالمية، وقد شاهدنا كيف أثّرت قضايا حقوق العمال في قطر على كأس العالم 2022 رغم الجهود السياسية والإعلامية الهائلة.

إضافة إلى ذلك، يعتمد النظام السعودي بشكل كبير على شراء الولاء والرفاهية لإبقاء الداخل في حالة صمتٍ مشروط، لكن سياسة "الترف مقابل الطاعة" لا يمكن أن تصمد مع نزاعات مفتوحة ونزيف اقتصادي مستمر. وإذا قرر اليمنيون فتح ملفات الثأر الحدودي والأمني، فإن أمن المملكة سيتعرض لهزات لا تحتملها بطولة بحجم كأس العالم.

وبناءً على ذلك: إذا لم يُغلق ملف اليمن سياسيًا وأخلاقيًا، وإذا لم تُطوَ صفحات الصراع في العائلة الحاكمة، وإذا لم تتصالح الدولة مع مجتمعها ومع المنطقة… فكل مشاريع "رؤية 2030" – وفي مقدمتها حلم كأس العالم – تظل معرّضة للانهيار عند أول زلزال سياسي أو أمني.

• المقال يعبر عن رأي الكاتب