الوهابية... بوابة الصهيونية إلى اليمن
محمد محسن الجوهري*
حين ينتشر المد الوهابي في مجتمعاتٍ ما -كما حصل في أجزاء من اليمن- تبدأ القيم الأصيلة بالاضمحلال تدريجيًا، فتتلاشى معاني المروءة والوفاء التي كانت راسخة بين الناس. وتجربة اليمن تعكس بوضوح مدى تراجع الأخلاق الوطنية لدى بعض الذين احتضنوا هذا الفكر، إلى حد ترحيبهم أحيانًا بالعدوان الأجنبي على أرضهم. وهذا الانحراف يكشف أن المروءة ليست مجرد عرف اجتماعي بل ركيزة دينية وأخلاقية ينبغي المحافظة عليها كجزء من تراثنا الذي نفخر به.
لقد كانت المروءة في الثقافة اليمنية جزءًا من الدين، لا مجرّد صفة اجتماعية، إذ ارتبطت بالكرم والشجاعة والنجدة، وبالولاء لله ورسوله وآل بيته الطاهرين. لذلك فإن الحفاظ عليها هو حفاظ على جوهر الإيمان وهويته. وعندما يُصاب المجتمع في مروءته، فإنه يُصاب في إيمانه أيضاً، لأن الدين والمروءة وجهان لقيمة واحدة هي الكرامة الإنسانية.
وعندما أدرك اليهود والصهاينة، منذ وقتٍ مبكر، أن اليمن ليست بلداً عادياً في معادلة الإسلام، بل حصناً فكرياً وإيمانياً صعب الاختراق، وأن سر قوّتها يكمن في ارتباطها الوثيق بآل البيت عليهم السلام، أولئك الذين شكّلوا الامتداد الأصيل لرسالة النبي، وحملوا راية الحق في وجه كل باطل. ولهذا، كان لا بدّ من محاولة نزع هذا الارتباط من جذوره. فكانت الوهابية – في شكلها العقائدي والسياسي – الأداة المثلى لتنفيذ ذلك المخطط، عبر استهداف قيم المروءة والولاء، وتحويل الدين من مشروع تحرري إلى طقوس جوفاء خالية من روح المقاومة.
ونتيجة لذلك، شهدنا كيف نجحت هذه الموجة جزئياً في تحقيق أهداف أعداء الأمة، إذ صار بعض من أبناء جلدتنا يبررون العدوان الصهيوني، ويدعمون حرب التحالف السعودي الأمريكي على اليمن منذ عام 2015، في انسلاخٍ تام عن قيم الدين وعن تاريخ اليمن المشرّف. هؤلاء ليسوا من أهل المروءة ولا الدين، بل من صغار النفوس الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان.
ولئن نجحت هذه السياسات جزئيًا في زرع انقسامات وتبلور مواقف تدعم اعتداءات خارجية أو تبررها، فإن النتيجة الظاهرة اليوم هي خلو بعض الأصوات من الحس الديني والأخلاقي، حيث يصطف معها من فقدوا مبادئ المروءة والكرامة، فعلى بقى مناضلو الكرامة والمجد حاضرين إلى جانب الحق، كما كانوا على الدوام، لأن المعركة واحدة والعدو واحد. وما نراه من هيمنة خارجية اليوم هو نتاج التفريط في قيم الولاء لآل البيت والتمسك بهويتنا الروحية، وهي القيمة التي أثبتت عبر التاريخ أنها عنوان النصر وعماد الصمود.
وإن ما نعيشه اليوم من مواجهة مع الصهيونية والاستكبار العالمي ليس إلا امتدادًا لذلك الصراع الأزلي بين الحق والباطل، بين ولاية الله وولاية الشيطان. ولولا تمسك اليمنيين بولائهم لآل البيت لما صمدوا في وجه أعتى عدوان في تاريخهم الحديث، ومن هذا المنطلق، فإن مهمة اليمنيين هي أن يظلوا في طليعة من ينصُرون الإسلام حقيقةً لا شعارًا. السبيل واضح: الولاء لله ولرسوله ولآل البيت، والالتزام بمنهجية تقود إلى النصر والتمكين. فبهذه القيم تُصان الأمة ويُستعاد شرفها، وتظهر عظمة اليمن وشعبه حين يختارون طريق الحق والوفاء.
إن البحر الأحمر اليوم يشهد على ذلك الصمود، بعدما تحطمت على سواحله أوهام الهيمنة الأمريكية، في وقتٍ ما زالت فيه دول عربية أخرى تعبد الصنم الأمريكي سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، أما النصر الكبير الذي تتطلع إليه الأمة — نصر القدس وتحرير فلسطين — لن يتحقق ما لم نكفر بكل الأدوات التي استخدمها الاستكبار لإضعافنا، وعلى رأسها الفكر الوهابي بكل تفرعاته ومدارسه. فقبوله خيانة، والتسليم له انكسار، لأنه لا يحمل سوى ثقافة التبعية والجهل والتكفير، بينما الإسلام الذي نعرفه يدعو للعزة والكرامة والحرية.
ولأن قدر اليمن أن تكون حاملة لواء النصرة، فإن مسؤولية أهلها أن يثبتوا على هذا النهج، وأن يتمسكوا بولائهم لله ورسوله وآل بيته الطاهرين، فذلك هو الطريق الوحيد للانتصار، وهو الذي يضمن لليمن مجدها بين الأمم وخلودها في التاريخ. فكما كانت مهد الإيمان أولاً، ستكون منطلق التحرير أخيراً.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

