توجيهات القيادة الحكيمة إلى فرسان الجهاد الإعلامي
عبدالخالق دعبوش*
في خضمِّ المعركة الإعلاميةِ الدائرةِ وقد كثرت فيها أبواق الباطلِ وكثر تضليلُهم وتزويرُهم للحقائقِ وتزييفُهم للوعي، تتجدّد دعوةُ القيادة الحكيمة إلى أبناء الميدان الإعلامي ليقوموا بمسؤوليتهم في التوضيح والتبيين لكثيرٍ من القضايا المعبرة عن هويةِ الأُمَّــة وقضاياها المصيرية.
لقد أكّـد القائدُ – حفظه الله – على الدور العظيم لأصحاب الأقلامِ الصادقةِ الذين جعلوا من الكلمةِ جهادًا، ومن البيان وعيًا، وحذّرَ من المنابرِ المأجورةِ التي تتخذُ من الإعلامِ خدمةً للعدوِّ ومآربه الخبيثة.
وفي توجيهٍ نابعٍ من بصيرته ورؤيته الثاقبةِ وضع المسؤولية على الجميعِ - مسؤولين كانوا أَو إعلاميّين - كُـلٌّ من موقعه؛ باعتبَارها مسؤوليةً كبيرةً على القائمين بدور المسؤولية في الإعلام، وهي كذلك لكلِّ إعلامي يعتبر نفسه مجاهدًا في سبيل الله حتى لو لم يكن موظفًا في إطار وزارةِ الإعلام.
القائدُ شدّد أَيْـضًا على ضرورةِ الارتقاء بالمضامينِ الإعلامية لتكون بمستوى القضايا التي نحملها، وتنويع الأساليب في العرضِ والتناول، وتوسيع الحضورِ في مختلفِ الساحات، واستثمار الرصيدِ الجهاديِّ للأُمَّـة في بناء خطابٍ إعلامي قويٍّ وواعٍ ومؤثرٍ؛ فالمعركةُ الإعلاميةُ هي معركةُ وعيٍ ومصيرٍ يتحدّد على قوتها مستقبلُ الأُمَّــة وكرامتها، وعلى ضعفها تفريطٌ وضياعٌ وخيانة.
ولذا فإنّ حملةَ الأقلامِ اليوم هم فرسانُ الميدان، ويجدرُ بهم أن يواجهوا بأقلامهم وعدساتهم وإبداعاتهم في ميدانِ الإعلام كما يواجهُ المقاتلونَ ببنادقهم ومختلفِ أسلحتهم في ميادين القتال.
وفي هذا السياق، يجب على العاملين في الحقل الإعلامي أن يتبنّوا نهجًا مؤسّسيًّا يوازن بين الحماسة والرصانة، ويجعل من المهنية منهجًا لا رفاهية.
يتطلب ذلك التزاما ثابتًا بأصولِ الصحافة من تحرّي الحقائق والتحقّق من المصادر، والابتعاد عن الإثارة الرخيصةِ التي تخدم أعداء القضيّة وتشوّه مآثرَ المخلصين.
كما أن بناء خطابٍ إعلامي قوي يحتاج إلى تخطيطٍ استراتيجي: تحديدُ الرسائلِ الأَسَاسية ومواءمتها مع أهداف المشروع وطبيعةِ المجتمع، واستخدام أدوات سرديةٍ متقنةٍ تجذب الانتباه وتبقى في الذاكرة.
يجب أن تُدرّب الأقلامُ والصحفيون على تقنياتِ السرد والبحث والكتابة والتحرير، وعلى مهاراتِ التحقّق الرقمي من الأخبار المنتشرة عبر وسائلِ التواصل الاجتماعي، لأنّ المعركةَ اليوم غالبًا ما تبدأ في الفضاء الرقمي.
ولا يقلّ أهميّة عن ذلك التواصلُ والتنسيقُ بين المنابر الصحفية والمؤسّساتِ المدنية والثقافية؛ فالتجربةُ الجماعيةُ تُنتج خطابًا أكثر مصداقيةً وتأثيرا من الجهود الفردية المتفرّقة.
بناءُ منصّاتٍ مشتركةٍ، وتبادلُ المصادرِ والمادةِ الصحفيةِ الموثوقة، وتنظيمُ ورش عملٍ وحلقاتِ نقاشٍ وتدريبٍ - كُـلّ ذلك يرفعُ من قدرةِ الحقل الإعلامي على مواجهةِ التضليل بكفاءةٍ وفاعلية.
علاوةً على المهارات الفنية، لا بدّ من التحلّي بأخلاقياتٍ مهنيةٍ راسخة.
فالصدقُ والنزاهةُ والابتعادُ عن التحريضِ والتزويرِ كلها قيَم تُعزّزُ من مصداقيةِ القلم وتجعله سلاحًا مؤثرًا في إقناعِ الرأي العام بالكلمةِ الحقّ.
الإعلامُ المسؤولُ يحرصُ على طرحِ الحقائق بصورةٍ بنّاءةٍ وصادقة.
وفي الميدان العملي، يمكنُ لفرسانِ الميدان الإعلامي أن يعتمدوا على مجموعةِ أدوات عملية: تقاريرٌ مدعومةٌ بالوثائق، مقالاتُ رأيٍ تحليلية تربط بين الحدث والسياق، فيديوهاتٌ قصيرة تُبسّط القضايا المعقّدة، وحملاتٌ توعويةٌ تعالج وتفضح التظليل والشائعات بنهجٍ قرآني، وكذلك الاستفادة من خبراتِ المحترفين في تصميمِ الرسائل، واستثمار الوسائطِ المتعددةِ للوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع.
تظلُّ الكلمةُ التي تُنتج بصدقٍ وبمهنيةٍ وضميرٍ هي الأقوى أثرًا.
على الإعلامي أن يرى في مهمّته ميدانًا لبناءِ الوعيِ وحفظِ هُويةِ الأُمَّــة والدفاعِ عن الحقّ، بعيدًا عن المغالاةِ والتضخيم.
بهذه الروحِ يُصبح الإعلام سدًّا منيعًا أمام محاولاتِ التشويه، وصوتَ حقٍّ ينقل صورةَ أمّته الصادقة إلى الداخلِ والخارج، ويُسهم في رسم مشروعِ الله في الأرض الذي يقف مع الحقّ ومع المظلوم ويواجهُ الطغاةَ والمستكبرين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت

