مأساة جماعة "الإخوان" في اليمن
محمد محسن الجوهري*
إلى عهدٍ غير بعيد، كان حزب الإصلاح يقدم نفسه وكيلاً لجماعة الإخوان المسلمين، وهذه ما تضمنه بيانه التأسيسي المُعلن في سبتمبر عام 1990، إضافةً إلى إعلامه العام والخاص الذي يروج لما تروج له الجماعة من أفكار ومعتقدات حتى لو تعارضت مع الوطن والوطنية، وهو الأمر الذي تسبب في خلافات مع حزب المؤتمر الشعبي الذي رفع شعار الوطنية ويروج أنصاره لمبادئ علمانية وشعبوية تتناقض في السابق مع مبادئ جماعة الإخوان كماً وتفصيلاً.
إلا أن حزب الإصلاح استطاع في نهاية المطاف أن يتغلب على الدعاية المؤتمرية التي كانت تتهمه بعدم الانتماء للوطن، مستفيدًا من الخطاب الديني الذي امتلك تأثيرًا واسعًا في المجتمع اليمني المحافظ بطبيعته. فقد شكّل هذا الخطاب حصنًا معنويًا للحزب، ومصدرَ شرعيةٍ يتجاوز الانتماء السياسي إلى بُعدٍ دينيٍ أعلى.
ولطالما قدّم شباب الإصلاح في الجامعات والمدارس أنفسهم بوصفهم أبناء جماعةٍ دعويةٍ عالمية، لا تؤمن بما يسمّونه "الوطنية الضيّقة"، بل يرونها مناقضة لمفهوم "الأمة الإسلامية الواحدة". ومن هنا، تحوّلت الشعارات الوطنية – مثل "الوطن أولاً" – إلى نقطة خلافٍ فكرية حادة داخل المنتديات الطلابية والمراكز الثقافية، إذ كان كثيرٌ منهم يعتبر تلك الشعارات انحرافًا عن العقيدة و"كفرًا بواحًا" يُجزّئ الأمة ويُضعف وحدتها في مواجهة الأعداء.
وهكذا، نجح الحزب في استمالة قطاعاتٍ شبابية واسعة من خلال تديين الخطاب السياسي، وتحويل الانتماء للوطن إلى قضيةٍ ثانويةٍ بالمقارنة مع الولاء للأمة والتنظيم، وهو ما سيترك لاحقًا أثرًا عميقًا على وعي الجيل الإسلامي في اليمن، ويمهّد الطريق لصدامٍ طويلٍ بين منطق "الدين" ومنطق "الوطن".
إلا أن هذه النبرة تغيرت جذرياً خلال السنوات العشر القليلة، بدءاً بسقوط جماعة الإخوان في مصر عام 2013، عندها أعلن اليدومي براءة الحزب من الجماعة، وبأن التجمع اليمني للإصلاح حزبٌ يمني بثوابت وطنية، وهو ما ظل يتكرر حتى اليوم، وقد تجاهل اليدومي لقاءاته الشهيرة مع مذيع قناة الجزيرة أحمد منصور، والذي أكد فيه أن الحزب ينتمي للإخوان وأن تعزيز العلاقات مع السعودية هو مبدأً من مبادئ الحزب الرئيسية.
ولو تأملنا تصريحاته القديمة والحديثة لوجدنا كمًّا هائلًا من التناقضات التي تؤكد أن الحزب لا يحترم عقلية جمهوره، بل يبني خطابه على ما يضمن بقاء الولاء دون مساءلة. وقد أثبتت الأيام صحة ذلك، إذ لم نسمع حتى الآن أي موقفٍ صريح أو ردٍّ واضح من القواعد التنظيمية تجاه تبرّؤ قيادته من جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن هذا التبرؤ مثّل تحولًا جوهريًا في هوية الحزب ومبادئه.
ولا يزال شباب الإصلاح في الميدان يرفعون الشعارات الدينية ذات الطابع الإخواني، ويتمسكون بنفس المفاهيم التي قامت عليها الجماعة منذ تأسيسها، خصوصًا في ما يتعلق بموقفهم من الوطنية التي يرونها – وفقًا لعقيدتهم الفكرية – مفهومًا دخيلًا يتعارض مع التوحيد ويقود إلى الكفر الصريح. وهكذا، يستمر التناقض بين خطاب القيادة السياسي البراغماتي وإيمان القواعد العقائدي الجامد، وهو ما يجعل الحزب عالقًا بين مشروعين لا يمكن الجمع بينهما: مشروع الوطنية، ومشروع الجماعة.
وهذا التناقض يؤكد أن الجماعة تعيش مأساة فعلية، وأن الحزب تنكر لكل مبادئ الإخوان الدينية، وحتى الجماعات الأخرى الموالية للإخوان في الخارج كحركة حماس التي تفاجأت بخذلان إخوان اليمن لها وبراءتهم منها بذريعة الوطنية، وهو ما تحدث عنه ناطق القسام في خطابه الأخير عندما شكر إخوان الصدق وانتقد الأحزاب التي تحولت لمهدئات للشعوب، حسب وصفه.
والأدهى من ذلك، أن آلة الإعلام الرسمية وغير الرسمية تحولت إلى الخطاب الصهيوني بشكلٍ علني، وبما يخدم أهداف الكيان في بلادنا، فكل عدو لتل أبيب هو عدو للإصلاح، ولو كان من أبناء الوطن، بينما كل حليف للكيان هو حليف للحزب ولو كانت أيديه ملطخة بدماء جميع اليمنيين حتى من أنصاره، كالإمارات، وهذا من الانتحار الأخلاقي لليدومي وجماعته، وبذلك ستتلاشى جماعة الإخوان في اليمن ما لم يكن هناك صحوة فعلية من قبل الشباب تعيد بوصلة الصراع تجاه الكيان الصهيوني، فهو العدو التاريخي للأمة، ولا حياد في الصراع معه لأن في ذلك خذلانٌ علني للدين وللقرآن الكريم، المنهج الخالد لكل المسلمين حتى آخر أيام الدنيا.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

