السياسية || محمد محسن الجوهري*

في صنعاء حكومة مكتملة الأركان وتمارس سلطتها فعلياً على الأرض، بينما في المحافظات المحتلة هناك ما يسمى حكومة معترف بها دولياً ولكنها في الواقع غير معترف بها محلياً، فكل محافظة لها حاكمها الخاص الذي يتبع سلطة موالية للعدوان ولا تعترف نهائياً برئاسة المدعو رشاد العليمي ولا تتلقى أوامرها منه.

ومن يتأمل المشهد اليمني اليوم يجد أن ما يُسمّى بـ"المجلس الرئاسي" برئاسة العليمي لا يتجاوز كونه غطاءً شكلياً يخدم أهداف الاحتلال السعودي الإماراتي أكثر مما يمثل دولة أو يمارس سلطة على الأرض. ففي الوقت الذي تمارس فيه حكومة صنعاء سلطتها كاملة بمؤسساتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية من العاصمة إلى مختلف المحافظات الحرة، يتوزع نفوذ العليمي بين قوى متصارعة لا تعترف به رئيساً، بل ترى نفسها صاحبة القرار الفعلي.

في مأرب ووادي حضرموت، يتصدر المشهد سلطان العرادة، القيادي البارز في حزب الإصلاح. ولاء العرادة ليس للعليمي ولا لأي حكومة محلية، بل للضابط السعودي الموجود في معسكر صحن الجن بمأرب، الذي يشرف على المنطقة العسكرية الأولى والثالثة ويصدر أوامره مباشرة للقادة الميدانيين.

هذا النفوذ يؤكد أن سلطة العليمي في هذه المناطق وهمية، وأن قرار الحرب والسلم هناك مرهون بيد الرياض، كما تجلى ذلك مراراً في المعارك التي كانت السعودية توقفها أو تشعلها بقرار من غرف عملياتها وليس عبر أي "رئاسة محلية".

أما في الساحل الغربي، فقد أنشأت الإمارات كياناً موازياً بقيادة طارق عفاش. هذا الأخير لا يعترف بأي سلطة غير أبوظبي، ويتلقى دعمه وتسليحه من ضباط إماراتيين وصهاينة، بل ويقدم نفسه كقوة منفصلة لها أجندتها الخاصة، وقد تجسد ذلك في عدة وقائع، أبرزها رفض قواته تسليم الموانئ أو المشاركة في أي ترتيبات أمنية تخضع لحكومة العليمي. وهو ما يفضح ازدواجية النفوذ، حيث لا سلطة للمجلس الرئاسي على الشريط الساحلي المطل على البحر الأحمر وباب المندب، ولا ننسى أن آل عفاش دوماً يقدمون أنفسهم بأنهم العملاء الحصريون في اليمن ولا يعترفون بعمالة غيرهم ويرون في ذلك نوع من الدهاء، فالغدر في عرفهم تكتيك لا أكثر وحسب.

أما في المحافظات الجنوبية فالمآساة هناك كبيرة جداً، فعيدروس الزبيدي ومجلسه الانتقالي ليس فقط يتنكر للعليمي، بل يتنكر حتى للثورة والجمهورية ويرفع علم الانفصال علانية في عدن وغيرها من المدن الجنوبية، وليس هناك من يجرؤ على أن يتهمه بخرق السيادة خوفاً من الاغتيالات التي تنفذها الإمارات بأدوات أجنبية، وقد رأينا مؤخراً كيف اعتدى مسلحو الانتقالي على نساء جنوبيات في المكلا وهن يحتفلن بذكرة 26 سبتمبر، ومر الموضوع مرور الكرام على أدعياء الوطنية والجمهورية.

يتضح من هذه الشواهد أن رشاد العليمي ليس رئيساً فعلياً على أحد داخل اليمن. سلطته لا تتجاوز صفة شكلية مخصصة للتوقيع على أوراق في المحافل الدولية أو لتمثيل الاحتلال في المؤتمرات. أما على الأرض، فالنفوذ موزع بين الرياض وأبوظبي، وكل منهما يدير مناطق نفوذه عبر أدوات محلية متناحرة.

إن السؤال "العليمي رئيس على من؟" لا يجد له جواباً سوى: رئيس على الورق فقط، أما في الواقع فهو غائب عن المشهد، مجرد شاهد زور على تمزيق اليمن بين وكلاء محليين لقوى العدوان.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب