إيناس عبدالوهاب الشهاري*

جمعت كل الألوان ورتبتها وطلبت منها أن تحكي بدلًا عني الأحداث، عن يوم (الثورة) اليوم الذي أسماه السيد القائد بـ"أنه يوم من أيام الله"، وبما أني أثق بالسيد القائد وأعرف أن أي كلمة يقولها تعني الكثير ولها مضامين عميقه، عندها أوكلت مهمة التوضيح عن هذا اليوم المفصلي لألواني..... (يوم الحادي والعشرين من سبتمبر)، فأول لون شدني كان اللون الأسود فسألته لماذا أنت يا أسود تزاحم كل الألوان لتكون أول المتكلمين، فارتعش وظل يبكي وسحبني إلى فوهة عميقة ومظلمة، كان قد رسمها مسبقا في لوحته، وأول ما حطت قدماي في بداية الطريق وإذا بالسواد يزداد عتمة في كثير من المناطق، فطلبت من اللون الأسود أن يوضح لي الأمر، فنهمرت عيناه بالدموع وهو يقول إنها أخطر الأيام التي مرت على بلدي كادت توصله للهاوية.

وهنا سؤال يطرح نفسه.... لماذا ؟
وإذا به يحتظنني ليطرحني أرضًا خوفا علي من ما يحدث من حولي.

وكان الخوف والرعب سيدا الموقف،
وفي لحظة سمعنا دوي تفجيرات ومفخخات مباغته، قد أودت بحياة كثير من الناس، وإذا به يمسك بيدي لنهرول بعيدًا وأنا بالكاد ألتقط أنفاسي والفزع يسيطر على الموقف بأكمله، وهو يقول اخفض رأسك..... انتبه، فصحت ماذا هناك ماذا يحدث ؟
فأجابني بصوت مرتجف ...علينا الخروج من هنا لننجو بحياتنا رغم أني لا أرى أي مكان أمن،
فأفلت يده وعيناي متسمرة نحوه لتصب عليه تساؤلات كثيرة؟

وفي لحظة فارقة، حدث مالم يكن في الحسبان !
وعلى بعد عدة أمتار منا شاهدنا سقوط طائرة حربية على أحد الأحياء السكنية،
وعندما إلتفت يساري كان أمامي وفي شارع شبه مظلم...
تجمع من الناس يحتشدون حول إحدى الشخصيات التي تم إغتيالها من قبل أفراد مجهولي الهوية يقتادون مركبة نارية قاموا بإطلاق النار وفروا فورًا بعد الجريمة،
وكانت تساؤلاتي عن السبب لم تتوقف،
وبعدها سمعنا أصوات ممزوجة ما بين تفجيرات وصراخ مؤلم مصدرها أحد الجوامع لتكون الأشلاء المتناثرة في كل مكان هي المعبرة عن حجم الجريمة،

وفي وقت أخر سمعنا عن حادثة أودت بأسرة بأكملها مكونة من أطفال ونساء قد تم استهدافها من قبل طائرة مسيرة لا نعرف من أين جاءت....
لأشتم رائحة الموت المليئ بالغموض الذي خيم على البلاد من كل مكان !
وإذا بي أركع على ركبتي لأقول لابد أنه كابوس مزعج لا استطيع تحمله، ليأتي اللون الأسود ليخرجني من هذه الفوهة المظلمة، لتهدأ أعصابي وليتأسف لي قائلًا :
لا يا صديقي إنها الحقيقة المؤسفة،

ليكون السؤال !
من المسؤول عن كل هذا ؟
لتجيبني عن هذه التساؤلاتي !
إجابة بديهية
إنه إنفلات أمني ممنهج اصتنعته أيادي خارجية بمشاركة داخلية، أرادت أن تنهار الأوضاع وتحل الفوضى في كل نواحي البلاد ، حتى تتمكن الجهات المختبئة وراء كل هذا الإجرام للسيطرة التامة....

عندها أحسست بحبل يلتف حول عنقي يكاد أن يخنقني فستسمحت من اللون الأسود أن يكتفي بهذا التوضيح ويتوقف، فإنها فعلًا أيام مروعة لم يبقى فيها أي نوع من الأمان،
ليقول لي اللون الأسود يا صديقي هذه الحقيقة عن السنوات التي سبقت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، كانت أيام لا تكاد تخلو من التفجيرات والإغتيالات والجرائم المروعة وانفلات أمني في كل مكان، وهناك ما هو أفضع من الصعب الحديث عنها هنا،
لكن لابد أن يعرفها
كل الشعب وبالذات الجيل الجديد الذي لم يعاصر تلك الأحداث، وأيضا الأشخاص الذين ينسون أو يتناسون مثل هذه الأحداث،
.......
وعندها تنهدت وقلت من التالي يا ألوان فليدلوا كلا بدلوه،
حينها تقدم لون قاتم لم أستطيع أن أميزه، فقد امتزج بمعانات الناس وفقرهم وعوزهم المؤلم، وما زاد الأوضاع سوًأ عندما تم إعلان الجرعات المتتالية من قبل حكومة فاسدة،
لا تملك أي قرار أو أخلاق،
فقد كانت يد الوصاية الأجنبية هي المتحكمة في كل تفاصيل الحياة،

إنه لأمر مؤسف فتلك المرحلة لم تكن تحمل في طياتها أي بصيص للأمل وخير يرجى من الحكومة أو من رئيسها.

وقتها قطع اللون الأصفر الحديث وتقدم بكل بسالة ليقول الآن يجب أن يصغي لي الجميع فمن هنا بدأ شعاع النور يتسلل من بين كل هذا الظلام حتى حل النور.

والحكاية بدأت مع شعب يحمل كل معاني الإيمان والعزة والثقة بالله وبقائد حكيم لا يقبلوا لأنفسهم بالهوان والإذلال أمام حثالة من المتفودين والمتحكمين بزمام الأمور،
ومن هذا المنطلق إلتحم الشعب بقائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، لتبدأ مراحل التصعيد التي كانت على تناغم وانسجام تام مع الرؤية الحكيمة للسيد فنطلقوا بجهاد وصبر ومثابرة وتضحيات غالية،

إنها مراحل التصعيد التي رُفع فيها اللون الأصفر، التي كانت من أهم مبادئها لا للإجرام ونعم لثورة سلمية أرادت أن تسقط الحكومة الفاشلة والمجرمة، فنهمر الشعب المتلاحم من كل محافظات الجمهورية ليخطو بخطى وتوجيهات القيادة الثورية، وكانت مراحل تصعيدية تحمل في طياتها كل معاني الحب لله وللشعب وللوطن، خالية من كل أنواع الدونية والأطماع الشخصية،
وفي هذه المراحل لا بد أن يدخل اللون الأحمر ليشارك الحديث لأنه تزامن مع اللون الأصفر.

وإذا بي أبحث عن اللون الأحمر فلم أجده،
سألت عنه وإذا به يناجي ربه بأن يرحم الشهداء الذين قدموا دمائهم الحمراء الصافية النقية الذين ضحوا بأنفسهم حتى ينعم الشعب بالأمن والأمان وراحة البال،
فقد تقدموا الصفوف بصدور عارية متحدين أدوات القتل، لا يحملون إلا قضية عادلة محقة، فلم يمنعهم أي أنواع القمع من مواصلة المشوار ونيل الانتصار مهما كانت التحديات فتوحد الشعب بأهدافه وارتبط بأماله.

دمعت عيناي حينها دموع الاعتزاز بهذا الشعب العظيم ومتوسلة لله أن يتقبل كل من قدم روحه من أجل الجميع،
هنا رَفع اللون الأبيض رأسه وتقدم من بين الألوان ليقدم سؤالا
أتعرفون بماذا سميت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر؟
وسترسل في الحديث ليجيب عن التساؤل إنها (الثورة البيضاء)
لأنها ثورة نقية من كل الشوائب فلم يدخلها أي تدخلات ووصايا خارجية أو أي نوع من أطماع حزبية أو شخصية بل كانت بإسم كل أطياف وفئات الشعب وبذلك تحققت المعجزة
حين فر من أمامها صاغرين أذلاء كل الجماعات الفاسدة مع كل ما تحمله من قوات وأسلحة رغم كل الدعم من دول الإقليم أو الدول الخارجية،
ليتحقق في يوم خالد، يوم من أيام الله، ثورة مجيدة يستمد منها كل ثوار وأحرار العالم طرق النجاح الحقيقي التي حققها لهم الله بقوته وحكمته ومنته، حين أحس منهم الصدق الخالص والإلتجاء إليه والتوكل عليه.

هنا إحتضنت ألواني
ووقفت معها لمعاني عميقة.

(كن مع الحق يكن الله معك)
وذلك بالتفكر في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
ليتحقق لدي المعرفة الحقيقية والرؤية الصحيحة
لقولك يا سيدي القائد: أن يوم
ثورة الحادي والعشرين هو يوم من أيام الله.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب