السياسية || محمد محسن الجوهري*

الحديث هنا عن الأحزاب اليمنية التي نصبت نفسها معارضة لأنصار الله، وهي في حقيقتها لا تمتلك مشروعاً وطنياً ولا تصوراً سياسياً ولا برنامجاً إنقاذياً يعوَّل عليه، بل تستمد شرعيتها الهشة من مجرد وقوفها في الضد من مشروع الأنصار. فما إن تُسأل هذه الأطراف عن برنامجها الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى مواقفها السيادية حتى تكتشف أنها فراغٌ محض، وأنها لم تعد تملك أي مبرر لوجودها سوى معارضة الآخرين. إنها معارضة سلبية لا تبني ولا تقترح، وإنما تهدم وتردد الشعارات المستهلكة التي لا تملك قيمة معرفية أو سياسية.

وبالمتابعة الدقيقة لإعلام تلك الأطراف، سرعان ما يتضح أنه إعلام أحادي التوجه، محصور في قصة واحدة يلوكها صباح مساء بتكرار ممل ومبالغ فيه، أشبه بحدوتة "البدوي وسفينة الصحراء". هذا الخطاب المكرر لم يعد يقنع حتى أنصارهم، لكنه يظل ضرورة وجودية بالنسبة لهم، لأنه يمثل جواز عبورهم إلى غرف التمويل الخليجي والمظلة الغربية التي تمنحهم شيئاً من الوهم بكونهم "فاعلين سياسيين". ومن هنا يصبح السؤال: هل هم بالفعل أحزاب سياسية تمثل رؤى وأفكاراً، أم مجرد ذباب إلكتروني يحوم حول فتات المال المشروط؟

الأدهى من ذلك أن هذه الظاهرة لا تقف عند حدود الإعلام الأصفر المأجور، بل تمتد حتى إلى قيادات الصف الأول لتلك الأحزاب. فخطابهم السياسي لا يتغير منذ العام 2004، وكأن الزمن تجمد عند ذلك التاريخ، بينما تحولت قضايا الأمة والتحولات الجيوسياسية إلى أمور ثانوية بالنسبة لهم. لقد باتت اهتماماتهم تختصر في إعادة تدوير ذات "الأسطوانة المشروخة" التي تضمن استمرار فتح صنابير الدعم. ولهذا لا غرابة أن ترى الصغير والكبير منهم يتكلم اللغة نفسها، ويكرر العبارات نفسها، وكأنهم آلات مسجّلة، يدركون أن أي انحراف عن النص الملقَّن قد يعني خسارة المنصب والتمويل في آن واحد.

ولعل أبرز الشواهد على خواء هذه الأحزاب وتبعيتها يتمثل في غياب أي برنامج وطني جاد منذ سنوات طويلة؛ فحتى قبل سقوط النظام السابق لم تقدّم ورقة واحدة تحمل تصوراً لبناء الدولة، وكل ما يصدر عنها لا يعدو أن يكون ردود أفعال مرتبكة على خطوات أنصار الله. يضاف إلى ذلك حالة الارتهان الواضح للخارج، حيث تكشف تحركات قياداتها بين العواصم الخليجية والغربية أن قرارها ليس يمنياً خالصاً، بل مرهون بأجهزة الاستخبارات ومكاتب التمويل. ومن هنا يمكن فهم تمسّكها بالتكرار المفضوح للخطاب ذاته منذ حرب صعدة الأولى عام 2004، وكأن الزمن قد تجمّد عند ذلك التاريخ، رغم تغيّر الوقائع مرات عديدة.

أما ادعاء الدفاع عن الجمهورية والدولة، ففيه تناقض أخلاقي صارخ تفضحه تحالفاتهم المشبوهة مع قوى خارجية تعلن عداءها الصريح لليمن، بل ولكل أشكال الحكم الجمهوري والديمقراطي، كما هو الحال مع الرياض وأبوظبي، كما ولا يمكن تجاهل غياب تلك الأطراف عن نصرة القضايا الكبرى للأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين وغزة؛ فبينما يحتشد اليمنيون في مسيرات مليونية نصرة لقضايا الأمة، يظل هؤلاء غائبين تماماً عن المشهد الشعبي، ولا يُرَون إلا خلف شاشات ممولة أو عبر جيوش الذباب الإلكتروني.

والكارثة أن خطورة هذه الحالة لا تكمن فقط في خواء هذه الأحزاب، وإنما في أن وجودها الوظيفي يخدم بشكل مباشر المشروع الصهيوني الذي لا يريد لليمن أن ينهض بمشروعه المستقل، ولا أن يفرض معادلات جديدة على مستوى المنطقة. وهكذا يتحول ما يُسمى "معارضة سياسية" إلى مجرد ذراع ثانوي لمشاريع الهيمنة، بلا قيم ولا مبادئ، ولا حتى طموح وطني يمكن أن يُحترم.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب