السياسية || محمد محسن الجوهري*

مهما تحدث الإعلام الأمريكي والخليجي عن "الشراكة الاستراتيجية" المزعومة مع دول الخليج، فإنها في الحقيقة احتلال متكامل الأركان، حيث تحمي واشنطن أنظمة قمعية مقابل أن تحظى بثروات بلدانهم، وعلى الشعوب أن تقبل بهذه المعادلة رغماً عنها، والبديل عن الصمت هو الإعدام والسجون، بإشراف غربي مباشر.

وفي ظل التحديات التي تفرضها واشنطن على العالم العربي، فإن مصالحها في الخليج وسائر المنطقة هي أهداف مشروعة لإيران ولغير إيران، فهذه القواعد والمصالح تشكل تهديداً فعلياً للشعوب العربية والإسلامية، ومقاومتها حقٌ مشروع لكل قوى الخير، وعلى رأسها إيران واليمن، وأي أطراف أخرى تسعى لحماية نفسها ومصالحها في وجه الهجمة الشرسة على أبناء الأمة.

ولا حرج على شعوب المنطقة الحرة في استهداف المصالح الأمريكية في الخليج، فهي مصالح غربية بامتياز، وضربها يشكل انتصاراً للأمة الإسلامية وللقضية الفلسطينية العادلة، كما يشكل عاملاً ضغط لإيقاف العجرفة الأمريكية، وسيقودها إلى انتهاج سياسات غير عدائية، سيما وقد أثبتت سياسة الخضوع أو ما يُسمى بـ"الصبر الاستراتيجي" فشلها الذريع، وكانت سبباً في التمادي الأمريكي في ابتزاز الدول العربية، وتشجيع العدو الصهيوني على الاستمرار في قتل وتهجير الشعب الفلسطيني العربي المسلم.

ولقد أثبتت التجارب السابقة أن السياسات الأمريكية في المنطقة لا تقتصر فقط على التدخلات العسكرية المباشرة، بل تمتد لتشمل دعم أنظمة استبدادية، ما يجعل من الصعب على شعوب المنطقة التمتع بالاستقرار أو التقدم. إذ إن الولايات المتحدة، من خلال دعمها لهذه الأنظمة، تعزز من احتكار السلطة، مما يعزز تبعية هذه الأنظمة للغرب ويجعلها تتجاهل تطلعات شعوبها نحو الحرية والعدالة.

هذا الواقع يخلق أجواء من الاستبداد لا تساهم في استقرار المنطقة فحسب، بل تساهم أيضًا في تعميق الفقر والظلم، مما يؤدي إلى زعزعة الثقة في الأنظمة الحاكمة ويعزز من رغبات الشعوب في المقاومة.

وفي هذا السياق، فإن استهداف المصالح الأمريكية لا يعد خرقًا للسيادة أو انتهاكًا لحقوق الإنسان كما يروج له البعض، بل هو استجابة طبيعية للواقع الذي فرضته الولايات المتحدة على شعوب المنطقة. من خلال وجودها العسكري وانتشار قواعدها، تفرض أمريكا سياسات تتجاهل السيادة الوطنية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. إن المقاومة ضد هذا الوجود تعد ردًا على تدخلات استمرت لعقود، والتي أدت إلى جعل دول الخليج رهينة للمصالح الأمريكية، بدلًا من أن تكون هذه الدول قادرة على اتخاذ قراراتها بشكل مستقل بعيدًا عن ضغوط القوى الكبرى.

وبما أن سكان الخليج لا يملكون أي حق في رسم سياسة أنظمتهم، فهم مغلوبون على أمرهم في كل ما يحدث، وسيأتي اليوم الذي يخرج فيه السعودي والإماراتي ليبرر دفاعه عن الأنظمة القمعية بأنه كان شكلاً من أشكال التعايش الإجباري في ظل انعدام الحرية، خاصةً وأن الكثير منهم قد أبدى مواقف معادية للسياسات الرسمية بعد خروجهم إلى مناطق آمنة، كما هو حال الكثير من المعارضين السعوديين في الخارج.

وبالتالي، فإن استهداف المصالح الأمريكية في الخليج لا يعني -بأي شكلٍ من الأشكال- استهداف سكان الخليج، وكيف يكون ذلك وهم الذين يطالبون بتحرير فلسطين وإنهاء الهيمنة الأمريكية على بلدانهم؟ ولذا بات لزاماً قمع كل الوجود الغربي في المنطقة، سواء ما كان منها على شكل مصالح نفطية أو قواعد عسكرية.

في النهاية، لا يمكن النظر إلى الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج على أنه مجرد تدخل لحماية الأمن الإقليمي أو لمكافحة الإرهاب، بل هو جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى ضمان هيمنة الولايات المتحدة على هذه المنطقة الاستراتيجية. مقاومة هذه الهيمنة تُعد حقًا مشروعًا، بل وأصبح من الضروري أن تتحرك الدول في المنطقة لتحقيق استقلالها السياسي والاقتصادي بعيداً عن ضغوط القوى الكبرى.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب