السياسية:

يواجه أي سيناريو للهجوم الجوي، ضد المنشآت النووية في الجمهورية الإسلامية في إيران، إن كان من طرف الولايات المتحدة الأمريكية أم من الكيان المؤقت، أم الإثنين معاً، صعوبات عملياتية وصعوبات في تحقيق الأهداف، دون الخوض في أي تداعيات أخرى لمثل هكذا قرار، مثل تكاليف الردود الإيرانية، والتداعيات الخطيرة للهجوم على أمريكا و"إسرائيل" وحلفائهما في المنطقة، وعلى الأمن الإقليمي والدولي. وهذا ما يدركه الكثير من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين.

فما هي أبرز الصعوبات العملياتية لأي هجوم عسكري أمريكي أو إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية؟

توزّع المنشآت النووية وتحصينها:
هذا الأمر هو من أبرز التحديات أمام أي هجوم عسكري، لأن المنشآت تتوزع على رقعة جغرافية واسعة داخل البلاد، مع حرص قيادة الجمهورية الإسلامية منذ بداية تفعيل بناء البرنامج النووي من جديد، على بناء جزء كبير منها تحت الأرض أو داخل الجبال، مثل منشأتي "نطنز" و"فوردو".

فمنشأة نطنز تقع في وسط إيران، وهي من أبرز مواقع تخصيب اليورانيوم، وتضم مئات أجهزة الطرد المركزي. ورغم استهدافها أكثر من مرة بعمليات تخريبية سيبرانية أو أمنية، فإنها محمية جيداً، خاصةً وأن هناك الكثير من أقسامها قد تم بناؤها تحت الأرض.

وكذلك الأمر بالنسبة لمنشأة فوردو، التي يعدّ استهدافها أكثر تعقيداً، لأنها تقع داخل جبل في محافظة قم، على عمق يزيد عن 80 مترا، ما يجعل تدميرها يتطلب قنابل خارقة للتحصينات تتخطى قنابل GBU-57 الأمريكية (فبحسب ما هو معلن تمتلك هذه القنبلة القدرة على اختراق الأهداف بعمق 61 متر فقط).

وعليه فإن أي هجوم يحتاج إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومحدثة، وقوة نارية هائلة قادرة على تدمير الأهداف، لإن عدم حصول ذلك سيعني قدرة إيران على إعادة البناء من جديد وبشكل مضاعف وسريع.

المسافة الجغرافية والتحديات اللوجستية:

لا يمتلك كيان الاحتلال "الإسرائيلي" حدوداً مباشرة مع إيران، ما يعني أن على طائراته قطع مسافة طويلة (تتجاوز 1500 كم ذهابًا فقط)، عبر أجواء دول قد لا تسمح لها بالمرور (مثل العراق، سوريا، الأردن، السعودية)، بل ومهدّدة أيضاً بالاستهداف في حال قيام "إسرائيل" بتنفيذ اعتداء من أجوائها. كما أن الطائرات "الإسرائيلية" من طراز F-15 وF-35 رغم تطورها، تحتاج إلى التزود بالوقود جوا لكي تستطيع إكمال المهمة والعودة، وهي قدرة محدودة لدى سلاح الجو "الإسرائيلي"، خاصة إذا ما تم تنفيذ الهجوم بشكل مكثف ومتعدد الموجات.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك قواعد في المنطقة (مثل قطر، والإمارات، والبحرين، والسعودية والأردن)، فإن ردود الفعل على هجومها ستكون أكبر بكثير من تلك التي قد تواجهها "إسرائيل"، وهو ما يدخل في حسابات واشنطن، لذلك فغن استخدام قاعدة دييغو غارسيا أم حتى حاملات الطائرات في أماكن قريبة من المنطقة سيكون فيه مشقة لوجستية كبيرة، وسيجعلها تحت مرمى الصواريخ الإيرانية.

الدفاعات الجوية الإيرانية:
خلال السنوات الماضية طورت الجمهورية الإسلامية في إيران منظومة متكاملة من الدفاعات متعددة الطبقات، تشمل:

1)منظومات روسية مثل S-300 PMU2 القادرة على اعتراض طائرات وصواريخ بمدى يصل إلى 200 كم.

2)أنظمة محلية مثل "باور 373" و"خرداد 15" و"سوم خرداد"، قادرة بحكم التجارب على إسقاط أهم الطائرات الأمريكية (

3)شبكة رادارات متنقلة وثابتة تراقب الأجواء، وتدمج بين الإنذار المبكر والاعتراض.

4)منظومات حرب إلكترونية: التي استطاعت خلال مرات عديدة التشويش على طائرات الاستطلاع الأمريكية وتمكنت في إحدى المرات من السيطرة على طائرة RQ-170 دون طيار وقامت بإهباطها بسلام، مما سمح للخبراء العسكريين في إيران استنساخها عبر الهندسة العكسية.

محدودية فعالية الضربة الواحدة:
فالتجربة "الإسرائيلية" في العراق عام 1981 (من خلال استهداف مفاعل تموز)، وفي سوريا عام 2007 (المنشأة النووية المزعومة في منطقة دير الزور)، أظهرت بأن الضربة المفاجئة قد تنجح إذا كان الهدف مفردًا ومعزولًا. بينما الجمهورية الإسلامية اليوم تمتلك برنامجاً موزعاً ومعقداً، يستند إلى:

أبحاث نووية وعلماء منتشرين في الجامعات.

بنية تحتية تقنية غير محصورة في منشأة واحدة.

خبرات تراكمت عبر العقود لا يمكن مسحها بالقنابل.

لذلك، فإن ضربة هجومية واحدة لن تستطيع إنهاء البرنامج، بل قد تؤخره قليلاً فقط. وعندها قد تُستخدم القيادة الإيرانية الاعتداء كمبرر للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وربما أيضاً تسريع خطواتها نحو السلاح النووي بشكل علني ومباشر.

* المادة نقلت حرفيا من موقع الخنادق ـ علي نور الدين