حين تصبح النوايا تهمة: قراءة في الحملات الإعلامية ضد أنصار الله
السياسية || محمد محسن الجوهري*
تُعد "الشخصنة" إحدى أبرز المغالطات الإعلامية التي تُستخدم لتقويض المواقف السياسية أو النضالية عبر التركيز على دوافع الأشخاص بدلًا من مناقشة القضايا ذاتها. وقد لجأت العديد من القوى الإقليمية، وعلى رأسها السعودية وأدواتها الإعلامية إلى هذا الأسلوب في تعاطيها مع تحركات أنصار الله في اليمن وخارجها.
على سبيل المثال، عندما أعلن أنصار الله موقفهم المناصر لغزة، تم اتهامهم من قبل الإعلام المعادي بأن مشاركتهم تأتي بدوافع انتهازية أو لتحقيق مصالح خاصة، متجاهلين السياق الأكبر المتعلق بالعدوان الإسرائيلي، أو حتى القصف الأمريكي الذي استهدف اليمن في عهد كل من الرئيسين الأمريكيين دونالد ترامب وجو بايدن.
هذا النوع من الطرح لا يهدف إلى النقاش الموضوعي، بل إلى نزع الشرعية عن أي موقف أو فعل نابع من الطرف المستهدف، حتى لو كان ذلك الموقف يصب في صالح قضايا عادلة كالقضية الفلسطينية.
يكشف هذا الخطاب عن ازدواجية واضحة في المعايير، إذ يُحتفى بمواقف مشابهة تصدر عن أطراف أخرى، في حين تُدان إن جاءت من جهات خارجة عن الفلك الأمريكي أو الخليجي. وهذا يعكس بجلاء كيف تتحول أدوات الإعلام إلى سلاح سياسي يُستخدم وفقًا لمصلحة القوى المهيمنة، بعيدًا عن المبادئ أو القيم التي يُفترض أن تكون حاكمة للمواقف.
فمثلاً تجد الإعلام الإخواني في اليمن يحتفي بأي موقف من سلطة أردوغان التركية، ويقدمها على أنها الانتصار الكبير المنقذ للأمة، رغم أنها لا تتجاوز التصريحات الإعلامية وتصطدم بالتعاون التركي – الصهيوني في الواقع، بالمقابل يحاول التقليل من أي المواقف الكبيرة والمشرفة لأنصار الله بدواعٍ سهلة الدحض، لكنها موجهة -في الغالب- للشريحة الأكثر غباءً في المجتمع، ولهذا تجد خطاب حزب الإصلاح في اليمن لا يتسم بالعقلانية ويبالغ حتى في اختلاق الكذب والدعاية الإعلامية المضادة، ويعتمد على أسلوب التكرار حتى تحظى بأعلى قدر ممكن من الانتشار.
الهدف من هذا النمط الإعلامي لا يقتصر على تشويه صورة الخصم في سياق ظرفي أو موقف محدد، بل يتعداه إلى محاولة كسر أي نموذج قد يشكل تهديدًا لمنظومة السيطرة الإقليمية التي تشكلت خلال العقود الماضية تحت رعاية قوى غربية، وبمباركة أنظمة خليجية نافذة. فأنصار الله، بما يمثلونه من حالة استقلال سياسي وعسكري، يُنظر إليهم باعتبارهم حالة خارجة عن النسق التقليدي الذي اعتادت عليه المنطقة لا يخضعون لأجندات خارجية، ولا ينسجمون مع معادلات التطبيع أو الاصطفاف ضد قوى المقاومة.
هذه الاستقلالية في اتخاذ القرار، والتي برزت بشكل أوضح في تعاطيهم مع قضايا الأمة - وعلى رأسها فلسطين - جعلتهم عرضة لهجوم دائم، لا بسبب ما يفعلونه فحسب، بل بسبب ما يمثلونه من نموذج قد يُلهم حركات أو شعوبًا أخرى تسعى إلى التحرر من التبعية والهيمنة.
إن هذا النموذج يربك حسابات القوى الكبرى، التي ترى في أي فاعل إقليمي غير قابل للاحتواء تهديدًا طويل المدى لأمنها الاستراتيجي ومصالحها الاقتصادية والعسكرية. لذلك، فإن الحملة الإعلامية ضد أنصار الله تتجاوز حدود الصراع اليمني الداخلي، لتصبح جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى منع تشكُّل أي محور مستقل الإرادة في المنطقة، سواء كان سياسيًا أو عسكريًا أو حتى إعلاميًا.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب