كيان الأسدي*

في عالم تتشكل فيه التحالفات وتتبدّل فيه موازين القوى على وقع الصراعات الجيوسياسية، برزت الجمهورية الإسلامية الإيرانية كلاعب إقليمي وازن يمتلك أوراقًا عسكرية متعدّدة ومتنوعة. ورغم الفارق الواضح في ميزان التسليح مقارنة بالقوى العظمى، لا سيما الولايات المتحدة، إلا أن طهران بنت قوتها على مبدأ "الحرب غير المتماثلة"، مستثمرة في مجالات قادرة على إرباك الخصم وكسر تفوقه التقني والتقليدي. في هذا السياق، تبرز مجموعة من القدرات العسكرية التي تعزز من مكانة إيران كقوة إقليمية ذات وزن.

1. تفوق في حرب الألغام البحرية

تتفوّق إيران في تصنيع الألغام البحرية ذات التقنية العالية، والتي يمكن نشرها بسرعة فائقة باستخدام راجمات صواريخ "فجر 5"، ما يسمح بزرع مئات الألغام خلال ساعات قليلة. هذه القدرة النوعية تمنح طهران إمكانية إغلاق مضيق هرمز - الشريان الحيوي لنقل النفط العالمي - في وقت قياسي، ولا ينقصها سوى اتخاذ القرار السياسي بذلك.

2. صواريخ باليستية بعيدة ومتوسطة المدى

تمتلك إيران منظومة صاروخية متطورة تشمل صواريخ "شهاب"، "قيام"، "خرمشهر"، "فاتح"، و"عماد"، القادرة على ضرب أهداف بعيدة، بما في ذلك القواعد الأميركية المنتشرة في الخليج، وحتى الأراضي المحتلة. وتتميز هذه الصواريخ بقدرات تدميرية عالية تجعل منها أداة ردع فعّالة في أي مواجهة شاملة.

3. صواريخ كروز مضادة للسفن

طوّرت إيران صواريخ "نور" و"قدس" المضادة للسفن، والتي تتميز بسرعتها العالية ودقتها الكبيرة. يمكن إطلاق هذه الصواريخ من البر أو من الزوارق السريعة، ما يعزّز من قدرة القوات الإيرانية على تنفيذ ضربات دقيقة ومباغتة ضد الأهداف البحرية المعادية.

4. القوة البحرية غير التقليدية والطائرات المسيّرة

تعتمد إيران في مياه الخليج على زوارق حربية صغيرة وسريعة، إضافة إلى الطائرات بدون طيار (الدرونز) التي تُستخدم في الاستطلاع أو الهجمات المباشرة. هذه العناصر تدخل ضمن استراتيجية "الضرب والانسحاب"، التي تهدف إلى إرباك الخصم من خلال هجمات سريعة ومباغتة يصعب التصدي لها.

5. القدرات السيبرانية والحرب الإلكترونية

اكتسبت إيران خلال السنوات الماضية خبرة واسعة في مجال الحرب السيبرانية، ونجحت في تنفيذ هجمات إلكترونية معقدة استهدفت مؤسسات حساسة في الكيان الصهيوني. هذه القدرة تُمثل بُعدًا إضافيًا في معادلة الردع، خاصة في ظل تعاظم أهمية البنية التحتية الرقمية في الحروب الحديثة.

في ضوء ما تقدّم، تتضح ملامح العقيدة العسكرية الإيرانية القائمة على الردع النشط والجاهزية الشاملة، والاستفادة القصوى من أدوات الحرب غير التقليدية. ورغم الحصار والعقوبات، استطاعت إيران أن تطوّر نموذجًا عسكريًا مرنًا وقادرًا على مفاجأة الخصوم، خاصة إذا ما تحركت هذه القدرات مجتمعة في توقيت واحد وبأسلوب غير متوقع. ومع بقاء الكثير من الإمكانات خلف ستار السرية، فإن ما خفي قد يكون أعظم، وهو ما يجعل التفكير في أي حرب ضد إيران ليس مجرد تحدٍ عسكري، بل مغامرة استراتيجية محفوفة بالعواقب.
*المقال يعبر وجهة نظر الكاتب