أهمية الأماكن المقدسة، وأهمية الدور الذي تقوم به اليمن في الحفاظ عليها
السياسية || مبارك حزام العسالي*
الأماكن المقدسة في الإسلام تتمتع بأهمية عظيمة، تجمع بين الأبعاد الدينية والتاريخية والروحية، مما يجعلها ركيزة أساسية في حياة المسلمين. من أبرز هذه الأماكن المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في القدس، وتُعد هذه المواقع مراكز للعبادة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التوحيد وتعظيم الله، حيث تتجلى فيها أسمى معاني الطاعة والخضوع للخالق، فالمسجد الحرام، على سبيل المثال، يحتضن الكعبة المشرفة التي تتجه إليها قلوب المسلمين في صلواتهم، وهو هدف الحجاج الذين يفدون إليه من كل بقاع الأرض لأداء فريضة الحج، بينما يمثل المسجد النبوي رمزًا للسيرة النبوية ومكان دفن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويجسد المسجد الأقصى قدسية خاصة كونه أولى القبلتين ومسرى النبي في رحلة الإسراء والمعراج.
إلى جانب دورها الديني، تُشكل هذه الأماكن نقاط التقاء حضارية وروحية للمسلمين من مختلف أنحاء العالم. فهي تجمع بين الأفراد تحت مظلة الإيمان الواحد، حيث يلتقي المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها لأداء الشعائر كالصلاة والحج والعمرة، مما يعزز الشعور بالأخوة والتضامن بينهم؛ وفي هذا السياق، فإن الأماكن المقدسة ليست مجرد مواقع جغرافية، بل هي رموز حية للوحدة الإسلامية، تحمل في طياتها ذكريات الأنبياء وتاريخ الأمة، وتُعبر عن الانتماء العميق للعقيدة التي تجمع المسلمين تحت راية "لا إله إلا الله". ومن هنا، يبرز دور اليمن التي تقوم بواجبها تجاه هذه المقدسات، خاصة في دعم غزة عسكريًا؛ فقد اتخذت اليمن موقفًا شجاعًا ومتميزًا في مناصرة الشعب الفلسطيني، حيث تجاوزت حدود الدعم اللفظي إلى العمل العسكري المباشر، من خلال استهداف مواقع استراتيجية للكيان الصهيوني، وفرض حصار بحري على السفن المرتبطة به، مما يعكس التزامها الديني والأخلاقي بحماية الأماكن المقدسة ودعم المقاومة في مواجهة الاحتلال.
من جهة أخرى، تكتسب الأماكن المقدسة أهميتها من كونها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الإسلامية والتراث الحضاري للأمة. فالمسجد الأقصى، على سبيل المثال، ليس فقط مكانًا للعبادة، بل شاهدًا على تاريخ طويل من النضال والصمود، حيث ارتبط بقصص الأنبياء مثل إبراهيم وموسى وسليمان وغيرهم (عليهم السلام)، وكان مسرحًا لأحداث عظيمة في التاريخ الإسلامي؛ كما أن المسجد الحرام والمسجد النبوي يمثلان مركز الإشعاع الحضاري الذي انطلقت منه رسالة الإسلام لتصل إلى العالم أجمع. هذا التراث يُشكل مصدر فخر واعتزاز للمسلمين، ويُذكرهم بمسؤوليتهم تجاه الحفاظ على هذه المقدسات. واليمن، بموقفها الداعم لغزة، تُجسد هذه المسؤولية عمليًا، حيث أثبتت أن الدفاع عن الأماكن المقدسة لا يقتصر على الكلام، بل يمتد إلى الميدان من خلال تقديم الدعم العسكري الذي يُعزز صمود الفلسطينيين ويُسهم في حماية المسجد الأقصى من الانتهاكات المستمرة.
علاوة على ذلك، فإن الدفاع عن الأماكن المقدسة وتحريرها إذا ما احتُلت يُعد واجبًا دينيًا يتجاوز حدود الشعور العاطفي إلى التكليف الشرعي؛ فهذه الأماكن تُمثل قلب الإسلام النابض ومصدر قوته الروحية والمعنوية؛ ورد في القرآن الكريم وصف المسجد الأقصى بأنه "الذي باركنا حوله"، مما يؤكد مكانته الخاصة وقدسيته العالية؛ وبالتالي، فإن أي تهديد يتعرض له أو احتلال يُفرض عليه يُعتبر اعتداءً على الدين ذاته، مما يستوجب على المسلمين الوقوف صفا واحدا لحمايته واستعادته؛ وفي هذا الإطار، يُعد الدور اليمني مثالًا حيًا للتضامن الإسلامي، حيث أظهرت اليمن قدرتها على تحويل الإيمان إلى فعل ملموس، من خلال عمليات عسكرية دقيقة ضد أهداف العدو، دعمًا للمقاومة الفلسطينية في غزة، مما يُعزز من مكانة الأمة في مواجهة التحديات ويُثبت أن الدفاع عن المقدسات ليس مجرد شعار، بل عمل يتطلب التضحية والشجاعة.
لذلك، تتجلى أهمية الأماكن المقدسة في كونها محورًا للإيمان والتاريخ والوحدة، ورمزًا للصمود والقوة؛ إنها تستحق من المسلمين كل العناية والجهد، سواء من خلال العبادة فيها، أو الحفاظ عليها، أو الجهاد في سبيل حمايتها واستعادتها إذا ما تعرضت للخطر أو الاحتلال؛ وتبرز اليمن كقدوة في هذا المجال، حيث أسهمت بدور إيجابي وفعّال في دعم غزة عسكريًا، مما يعكس التزامها بحماية المقدسات ومساندة الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال؛ فهي ليست مجرد حجارة ومبانٍ، بل تجسيد حي للعقيدة والهوية، وأمانة في أعناق الأمة يجب أن تُحافظ عليها للأجيال القادمة.
*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب