السياسية ¦| الشيخ/ وضاح بن مسعود *

بالتزامن مع العدوان الأمريكي على اليمن بعد اعلان فرض حصار بحري على السفن الإسرائيلية مساندة للشعب الفلسطيني حتى رفع الحصار وفتح المعابر في قطاع غزة، ها هو العدوان الإسرائيلي يعود من جديد إلى قطاع غزة كسابقاته، مُستهدفاً المدنيين العُزل، مُحولا أحياء بأكملها إلى ركام، ومُعلناً عن عودة الحرب وسقوط اكثر من مئاتي شهيد من الأطفال والنساء والعُزّل حتى كتابة هذا المقال، في مشهد يُعيد إلى الذاكرة جرائم حربٍ لم تختلف أدواتها عن سابقاتها، لكنها تختلف هذه المرة في سياقٍ سياسيٍ أكثر تعقيداً، وفي ظل صمتٍ عربيٍ مُريب، وتواطؤ دوليٍ مُتقنَّع بشعارات السلام الزائفة.

في زمنِ الخيانةِ والخذلان، حيث تتوارى ضمائرُ الأنظمةِ خلفَ صمتٍ مُريبٍ أو تواطُؤٍ مَشبوه، يَعلو صوتُ اليمنِ العظيم "فلسطينُ لن تكون وحيدة!"
الشعبُ اليمنيّ الأصيل، بقلوبٍ تنبضُ إيماناً وإرادةً تُحطِّمُ المستحيل، يُجسد أروعَ صورِ التضحية والوفاء دم الفلسطيني ليس أرخص، وحقه ليس مُساومة! فكما يُدفع الدم اليمني ثمن الكرامة، يُصان الدمُ الفلسطينيّ تحت سقفِ نفس المبدأ.

القيادةُ الربانية بقيادةِ السيدِ عبدالملك بدرالدين الحوثي (يحفظه الله) تَرفعُ سيفَ الحقِّ:
"كلُّ تصعيدٍ عدوانيٍّ سيواجهُ بتصعيدٍ يمنيٍّ غيرِ مسبوق!"
فاليمنُ ليس ساحةً لعبورِ الجبناء، بل هُويةٌ تَرفضُ الانكسار، وتاريخٌ يَكتبُ البطولاتِ بدماءِ الأحرار.
لن نترككم وحدكم يا أبناءَ فلسطين! فالمعركةُ مصيريةٌ، والوعدُ إلهيٌّ، والنصرُ قادمٌ بإذنِ الله.
ندعو الأمةَ العربيةَ والإسلاميةَ إلى صحوةِ الضمير، فالوقتُ ليس وقتَ الصمت، بل زمانُ الواجبِ الذي لا يُسوِّغُ التأجيل.

بأي وجهٍ يُبرِّرون؟
تتكرر الحُجج الإسرائيلية نفسها: "الرد على صواريخ فلسطينية"، أو "استهداف خلايا إرهابية"، لكن الحقيقة التي لا تُخفيها لقطات الأطفال المشوَّهين تحت الأنقاض هي أن هذه الحجج واهية فغزة اليوم، رغم حصارها المُستمر، التزمت بالهدنات الأخيرة بينما تواصل" إسرائيل" خنق القطاع، وتقييد حركة أهله، ومصادرة حقوقهم الإنسانية الأساسية، العدوان الأخير ليس إلا حلقة في مسلسل التطهير العرقي البطيء الذي تمارسه دولة الاحتلال الصهيوني المجرم، مستغلةً صمت المجتمع الدولي وتواطىء الأنظمة العربية.

العرب.. بين التخاذل والتواطؤ
في أحداث "طوفان الأقصى" بررت بعض الأنظمة العربية مواقفها المُتخاذلة باتهام المقاومة بإشعال الحرب، لكن اليوم، ومع التزام الفلسطينيين بالاتفاقات، يتحول السؤال إلى فضيحة أخلاقية، كيف تُبرر هذه الأنظمة صمتها على جرائم تُرتكب تحت سمع العالم وبصره؟ الإجابة تكمن في تحولات المشهد الجيوسياسي، حيث تُسرع بعض الحكومات العربية نحو تطبيع العلاقات مع الاحتلال، مُتجاهلة دماء الفلسطينيين، ومُضحية بالقضية في مذبح المصالح الضيقة صمتهم اليوم ليس غياباً للقوة، بل غياباً للإرادة وخوفا من الجلاد الأمريكي وطمعا في رضاه.

المجتمع الدولي.. ازدواجية تُدين نفسها
الغرب الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان يُدين "العنف من الجانبين" في أفضل حالاته، بينما يواصل تمويل الآلة العسكرية الإسرائيلية بأسلحة تُستخدم ضد المدنيين. كيف يُصدق العالم ادعاءات "الدفاع عن النفس" لدولة تحتل أرضاً آخر 75 عاماً، وتحاصر مليوني إنسان في سجن مفتوح، ثم ترميهم بقنابل الفوسفور؟ إن ازدواجية المعايير لم تعد خافية، بل صارت سُخرية مكشوفة في وجه القانون الدولي.

الجرائم تُوثّق.. والضحايا تُحاكم
المُفارقة الأكثر قسوة أن الضحايا يُحاكمون مرتين مرة تحت القصف، ومرة تحت سيل التبريرات الإعلامية التي تحوّلهم من أبرياء إلى "دروع بشرية" بحسب الرواية الإسرائيلية لكن العالم شاهد كيف تحولت مدارس الأمم المتحدة إلى مقابر، وكيف انهارت منازل على أصحابها بعد إنذارات وهمية هذه الجرائم لا تحتاج إلى أدلة جديدة، بل إلى ضمائر حية تُقرأ فيها الوقائع كما هي، إبادة ممنهجة تستهدف اقتلاع الفلسطيني من أرضه وذاكرته.

العدالة لن تسقط في الغربال
قد تؤجل العدالة، لكنها لا تُهزم التاريخ شاهد على أن الشعوب التي صمدت في وجه آلات الحرب الاستعمارية نجحت في تحرير أراضيها، وإن طال الزمن اليوم، كل طفل يُقتل في غزة، وكل بيت يُدمر، يكتب صفحة جديدة في سفر المقاومة. أما الذين يتنصلون من مسؤوليتهم بحجج واهية، فسيبقون في الجانب الخطأ من التاريخ، يُشار إليهم كمَنْ باعوا الإنسانية في سوق المساومات. الدم الفلسطيني ليس أرخص من دم الآخرين، والحق لا يُنسى، حتى وإن غطته رمال التخاذل.
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب