السياسية || محمد محسن الجوهري*

لم يتغير شيء في حياة أهل اليمن ساعة الغارات العدوانية على صنعاء مساء السبت، لم تهتز القلوب، ولم تتوقف الأنفاس، بل ظل الجميع ثابتين على مواقفهم، يتابعون دروس الوعي والصمود، وكأن شيئًا لم يكن. في مديرية شعوب، حيث كان القصف أشدّ، لم يكن وقعُ الانفجارات إلا كصدى بعيد، فالكثيرون ظنوها مجرد مفرقعات صبيانية تُزيّن ليالي وأيام الشهر الكريم، ولم يتكلفوا حتى عناء الالتفات إليها.

كان المشهد معبّرًا عن روح هذا الشعب العظيم، ففي الوقت الذي كانت الطائرات المعادية تلقي بحممها فوق صنعاء، كانت البيوت والمجالس عامرة بمتابعة محاضرة السيد، ذلك الصوت الذي أصبح رمزًا للصمود والتحدي، فلم ينقطع الإنصات، ولم يتشتت التركيز، وكأن الناس أدركوا أن هذه الغارات ليست إلا ضجيجًا يائسًا أمام وضوح الطريق وثبات الموقف.

هذا ليس استهتارًا بالعدوان، بل هو الإيمان العميق بأن هذه الغارات لن تأتي بجديد، فقد اعتاد الشعب اليمني المجاهد على صبر المعركة، وأدرك أن طريقه نحو الحرية والعزة محفوفٌ بالتضحيات. ومَن عَقَد العزم على كسر الهيمنة الأميركية والغطرسة الصهيونية، ومن نذر نفسه لتحرير فلسطين واقتلاع الصنم الأمريكي من منطقتنا، لن ترهبه هذه الغارات، ولا أضعافها. بل إن هذا العدوان الجبان ليس إلا دليلًا جديدًا على أن مشروعنا التحرري يسير في الطريق الصحيح، وأن العدو قد بدأ يفقد صوابه، فلم يعد أمامه سوى استخدام نيرانه العمياء.

لكن ليت العدو يدرك أن كل صاروخ يسقط على صنعاء، وكل غارة تستهدف أبناء اليمن، لا تزيدنا إلا يقينًا وتصميمًا على أن الرد قادمٌ لا محالة. ولو أنهم تصوروا أن قصف صنعاء سيرهبنا أو يثنينا عن قضيتنا المركزية، فهم في وهمٍ كبير. فالذي يرى فلسطين قضيته الأولى، ويدرك أن مصير اليمن هو مصير القدس، لن يسمح للعدو أن ينعم بالأمان بينما يوزع الموت على شعوب المنطقة.

وكما أن العدو الأمريكي يظن أنه قادر على فرض هيمنته بالقوة، فنحن نعلم أن زمن الخضوع قد ولّى، وأن الطغيان لا يقابل إلا بالجهاد. فما الذي سيحدث إذا تعرضت المستوطنات الصهيونية لغارات مماثلة؟ وهذا ما سيحدث! فاليمن اليوم يعدّ العدة، ويجهّز على المدى البعيد، ولن يقبل بأي حياة على حساب موقفه الثابت تجاه القدس، وتجاه شعب غزة والضفة.

إننا نرى اليمن وفلسطين أرضًا واحدة، فلا حدود ولا فواصل بين قضايانا، وكل العوائق التي وُضعت بيننا هي من صنع أعدائنا، بما في ذلك الفتن المذهبية التي يروّج لها شيوخ الضلال، والحدود السياسية التي رسمها المحتل. ومثلما صمدنا في وجه الحصار والعدوان، سنواصل المسير حتى يتحقق وعد الحرية، ولن تكون صنعاء وحدها في المعركة، بل معها كل أحرار الأمة الذين يدركون أن النصر يُولد من رحم التضحيات.

على العدو أن يتهيأ لمرحلة جديدة، مرحلة لن يكون فيها القصف على طرف واحد، ولن يبقى اليمن في موقع الدفاع، بل سيكون حيث يجب أن يكون، في قلب المعركة في طليعة من يكسر هيمنة الاستكبار، ويعيد رسم المعادلات. لن نكتفي بالبيانات، ولن نرد بالكلمات، بل إن القادم سيحمل من المفاجآت ما لن يتوقعه العدو، وستدرك أمريكا وأدواتها أن صنعاء ليست وحدها، وأن كل شظية تسقط هنا، ستجد صداها حيث لم يكن العدو يتوقع.

إننا نعيش مرحلة فاصلة، حيث تصنع المقاومة مستقبل الأمة، وحيث تسقط الأقنعة، ويعرف العالم من هم الأحرار ومن هم العبيد. واليمن، كما كان دائمًا، لن يكون إلا في صف الأحرار، ولن يرضى إلا بالمواجهة حتى يتحقق النصر، مهما بلغت التضحيات. فليترقب العدو، ولينتظر المفاجآت، فإن صنعاء لم تعرف يومًا الهزيمة، ولن تعرفها أبدًا.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب