انهيار العملات الورقية... ما الذي يمكن أن يحل محلها؟
السياسية || محمد محسن الجوهري*
أحد أسباب انهيار الدولة في سورية هو انهيار العملة وتدني القوة الشرائية للمواطنين، وبعد أن كان سعر دولار يوازي 42 ليرة قبل الأزمة، وبسبب العقوبات الاقتصادية والعدوان الكوني على البلاد انهارت الليرة إلى أربع عشرة ألف مقابل الدولار الواحد، ما جعل الأوضاع المعيشية لا تُطاق، ما مهد لسقوط الدولة بعد أن تراجع الجيش عن حمايتها بسبب عجزها عن دفع مستحقاته المالية.
ولمن لا يعلم، فإن أي حرب اقتصادية هي بامتياز حرب يهودية، ومن السهل على الغرب ضرب أي عملة ورقية، لأن قيمتها -فعلياً- ليست فيها بل في قيمتها السياسية، والتي بدورها قد تتعرض لضربات على يد خبراء المال والعملات الصهاينة، كما حدث في سورية والعراق وإيران وفنزويلا، وهذا الوضع يفرض على الناس البحث عن بدائل منطقية، لها قيمتها الاقتصادية ولا تنهار بسبب الأوضاع السياسية.
من أبرز هذه البدائل الذهب والمعادن الثمينة التي لطالما كانت الملاذ الآمن الأول عند انهيار العملات. فخلال الأزمة الاقتصادية في فنزويلا التي شهدت انهيار البوليفار الفنزويلي بنسبة تجاوزت 99%، لجأ المواطنون إلى الذهب كوسيلة لتخزين الثروة وإجراء التعاملات اليومية. وظهرت أسواق سوداء يتم فيها استخدام جرامات الذهب بدلاً من الأوراق النقدية عديمة القيمة. كما أن زيمبابوي في عام 2008، عندما وصل التضخم إلى مستويات خيالية جعلت العملة بلا قيمة تقريبًا، بدأ الناس يستخدمون الذهب مقابل الغذاء والخدمات الأساسية، نظرًا لأن النقود لم تعد تشتري حتى أبسط السلع.
العملات الرقمية المشفرة أصبحت أيضًا بديلاً حقيقيًا للعملات الورقية خاصة في الدول التي تعاني من قيود مالية صارمة أو أنظمة مصرفية غير مستقرة. ففي لبنان بعد الأزمة المصرفية في 2019، لم يعد المواطنون قادرين على سحب أموالهم بالدولار، مما دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى العملات المشفرة مثل البيتكوين، حيث أصبحت وسيلة لنقل وتحويل الأموال دون الاعتماد على النظام المصرفي التقليدي. وبالمثل في نيجيريا حيث فرضت الحكومة قيودًا على التحويلات المالية بالدولار، لجأ العديد من المواطنين إلى العملات الرقمية لتجاوز هذه القيود، مما جعل البلاد واحدة من أكبر الأسواق للعملات المشفرة في أفريقيا.
وفي بعض الحالات، كان الحل في العودة إلى نظام المقايضة، وهو ما حدث خلال أزمة الأرجنتين الاقتصادية في عام 2001، حيث فقدت العملة قيمتها واضطر الناس إلى تبادل السلع والخدمات بشكل مباشر بدلًا من استخدام البيزو. وشهدت فنزويلا خلال أزمتها الأخيرة حالات مماثلة، حيث بدأت بعض المجتمعات في استخدام الطعام والمواد الأساسية كوسائل للدفع.
وبالنسبة لمن لديهم القدرة على الاستثمار طويل الأجل، فإن العقارات والأصول الثابتة تعد من أفضل الوسائل للحفاظ على الثروة عند انهيار العملة. ففي تركيا، عندما شهدت الليرة تراجعًا كبيرًا، توجه المستثمرون إلى شراء العقارات بالعملة الأجنبية للحفاظ على قيمة أموالهم، حيث أثبتت العقارات أنها أقل تأثرًا بتقلبات العملة مقارنة بالنقد.
وفي بعض الدول، تم اللجوء إلى العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) كبديل للتحكم في الأزمة المالية. الصين، على سبيل المثال، أطلقت "اليوان الرقمي" كوسيلة للحد من تقلبات العملة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وهو نموذج قد تتبناه دول أخرى لمواجهة الأزمات المالية.
إجمالًا، البدائل المتاحة للعملة الورقية عند انهيارها متعددة، ولكل منها مميزاته وعيوبه. الذهب والمعادن الثمينة توفر قيمة ثابتة لكنها غير عملية في المعاملات اليومية. العملات المشفرة تمنح حرية مالية لكنها تتسم بالتقلب. العملات الأجنبية تظل خيارًا آمنًا لكنها قد تواجه قيودًا حكومية. والعقارات والأصول تحافظ على القيمة لكنها تفتقر إلى السيولة الفورية. ومع تزايد الأزمات الاقتصادية حول العالم، يبقى البحث عن بدائل آمنة للعملات الورقية ضرورة لا يمكن تجاهلها، لضمان الاستقرار المالي وحماية المدخرات من التبخر.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب