السياسية || محمد محسن الجوهري*

لو افترضنا أن القيادة الحالية في سورية قررت التحرر من ربقة العبودية للكيان الصهيوني واستعادة الجولان وسائر أراضيها المحتلة، فلن تجد حليفًا صادقًا يقف إلى جانبها سوى الجمهورية الإسلامية في إيران، فهي الحليف الوحيد الذي يدعم العرب في معركتهم المصيرية ضد العدو الصهيوني. ولا يدرك مكانة إيران إلا من يحمل مشروعًا تحرريًا معاديًا للهيمنة الصهيو-أمريكية على بلاده، ولهذا تحظى إيران وقيادتها الخمينية الإسلامية الأصيلة بتقدير واحترام حركات المقاومة في فلسطين ولبنان.

أما من لم يعقد العزم على مواجهة "إسرائيل" وتحرير أرضه منها، فإنه يظل في صف الموالين لها والمعادين لإيران، مرددًا الأسطوانة الصهيونية المشروخة التي تروج لفكرة "الخطر الإيراني"، ومكرسًا الشعارات الطائفية التي لا تخدم إلا العدو الصهيوني نفسه.

ولمن يجهل حقيقة إيران، فإن سنن الله في الأرض اقتضت -دائمًا- وجود أنصار للحق، يقفون في وجه الظلم ويناصرون المستضعفين، وإيران الخمينية اليوم تمثل هذا المعقل الحصين الذي يأوي إليه المظلومون، لا سيما في فلسطين المحتلة. إلا أن السواد الأعظم من العرب لا يدركون قيمة إيران إلا حين يواجهون خطرًا وجوديًا، كما حدث مع قطر في صيف عام 2017، عندما تآمرت السعودية وحلفاؤها للإطاحة بها وإذلالها.

ورغم أن قطر والسعودية تنتميان إلى المحور الصهيو-أمريكي، فإن الغرب الكافر اعتاد أن يترك حلفاءه يتناحرون، حتى يتسنى له لاحقًا لعب دور "المنقذ"، تمامًا كما فعل مع الكويت والعراق حين دفع الأخير لاحتلال جاره الصغير خدمةً لأهداف صهيونية محضة. ولو أن قطر حفظت الجميل، لما تناست الدور الإيراني في أزمتها الوجودية تلك، غير أن حالها كحال اللؤماء في هذا العالم، وعن أمثالها قال الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته … وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ورغم كل ذلك تظل إيران ثابتة في مواقفها، حاضرةً إلى جانب العرب في أي معركة تحررية ضد العدو الصهيوني، لم تثنها عن موقفها حرب إعلامية مستمرة منذ عقود، غايتها تفريغ الساحة للصهاينة. وتلعب قناة الجزيرة القطرية دورًا بارزًا في شيطنة إيران من جهة، والتقليل من خطورة العدو الصهيوني من جهة أخرى، كما نشهد في المشهد السوري اليوم.

ومن المواقف الجليلة التي أسدتها إيران للعرب، دورها المحوري في إنقاذ العراق من خطر تنظيم داعش التكفيري، حيث تصدّت للمسلحين وحمت بغداد وأربيل، بعدما تخلّت عنها واشنطن وسلمتها للدواعش بين عشية وضحاها. وهو الدور ذاته الذي قامت به في سورية، كما فعلت سابقًا في لبنان بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي المباشر في الثمانينيات والتسعينيات.

وفي كل مرة يندحر الخطر الصهيوني أو تنكسر شوكة التنظيمات التكفيرية المرتبطة به، تظهر أطراف كانت غائبة عن ساحة المعركة، لتقدم نفسها وكأنها الممثل الشرعي لتلك البلدان، بينما تسارع إلى اتهام إيران بدعم "الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة"، في دعاية ممنهجة تُعد جزءًا من الحرب الانتقامية الصهيونية ضد إيران وحلفائها الأحرار في المنطقة.

ويكفي أن تسمع الحديث عن "الخطر الإيراني" حتى تدرك أن "إسرائيل" هي المتحدث الحقيقي، وإن كان بلسان عربي. فهذا العداء لإيران ليس إلا صدى للمشروع الصهيوني، حيث تتساوى فيه الوهابية السعودية مع المارونية المتطرفة، فكلاهما أداة رخيصة للصهاينة، ارتضت لنفسها أن تكون مطيةً للاستعمار، بدلًا من أن تلتحق بركب التحرر والنضال في سبيل الأمة.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب