الجولاني... "الصهيوني الوظيفي" بلسان عربي
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ما نراه في سورية أخطر من مجرد احتلال صهيوني لأراضٍيها، فالوضع في سورية مهيأ لسقوط البلاد بكاملها من جنوبها إلى شمالها دون أدنى مواجهة، والسبب هو العقيدة الدينية لحكام دمشق الجدد، فهم لا يرون "إسرائيل" عدواً على الإطلاق، ويؤمنون بالسلام المذل معها، في الوقت الذي يشنون فيه هجمات انتقامية ضد فئات من الشعب بتهم سياسية وطائفية ما يؤكد أنهم أذلة على "إسرائيل" أعزّة على السوريين.
وإذا تأملنا الوضع السوري، سنجد أن العقائد الضالة تسببت بهذا القدر من الذل والخنوع أمام اليهود المعتدين. فالإسلام الوهابي القادم من ديار آل سعود لا يرى في "إسرائيل" عدواً فعلياً للأمة، ويتجاهل القضية الفلسطينية وكل ما يحدث في أرض فلسطين من جرائم ومآسٍ على مدى سبعة عقود، وعوضاً عن ذلك، يذهب لنشر الفتن الطائفية بين المسلمين، ويحرض على الاقتتال الداخلي في أي بلدٍ عربي، كما هو الحال في اليمن وليبيا والسودان وغيرها من البلاد الإسلامية.
ويبدو أن ثوار سورية وقعوا في الفخ نفسه، وبإشرافٍ صهيوني مباشر. فثورة 2011 في سورية لم تكن إسلامية، كما كان يُروَّج لها بل طائفية لا تخدم أحداً من فئات الشعب السوري، وتشكل نموذجاً للدين المتطرف الذي تريده "إسرائيل"، ولا يشكل خطراً عليها. ويلعب الجولاني الدور الأنسب في المؤامرة على الشعب السوري، فهو عدو للسوريين وحليف لليهود، بدليل تغاضيه وحكومته عن كل الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة السورية والشعب السوري.
لقد شنت "إسرائيل" خلال السنوات الأخيرة مئات الغارات الجوية على مواقع داخل سورية، مستهدفةً ما تدّعي أنها مواقع إيرانية أو لحزب الله، ومع ذلك لم يصدر عن الجولاني أي رد فعل عملي حيال هذه الاعتداءات. بينما نراه يشن عمليات اعتقال وتعذيب بحق المدنيين السوريين بحجة الحفاظ على "الأمن الداخلي"، في الوقت الذي يسمح فيه للمخابرات التركية والقطرية بالتدخل المباشر في قرارات حكومته.
وإذا استمر نظام الجولاني، المدعوم من قطر وتركية في حكم البلاد، فإن مشروع نتنياهو التوراتي سينجح في خلق "إسرائيل الكبرى" التي تشمل العراق إلى جانب سورية ومصر وأجزاء من الحجاز، حيث يحكم ثلة من المطبعين البلاد العربية، ويجاهرون بانتمائهم للصهيونية وأهدافها الحقيقية. إن سكوت الجولاني عن ضربات "إسرائيل" لم يكن سوى مرحلة أولى في مخطط بعيد المدى يسعى إلى تقسيم سورية وضمان بقائها ضعيفة وممزقة.
هذا المشهد يذكرنا بما قاله الدكتور عبدالوهاب المسيري قبل سنوات، عندما تحدث عن "اليهود الوظيفيين" ودورهم في خدمة الصهيونية، وهم مسلمون عرب ظاهرياً، لكن توجهاتهم السياسية تخدم المشروع الصهيوني. ويعتبر الجولاني نموذجاً واضحاً لهؤلاء "اليهود الوظيفيين"، مهما قدم نفسه باسم الإسلام والعروبة.
وفي ظل هذه المؤامرات المتشابكة، لم يعد أمام الشعب السوري سوى الوعي بحجم المخطط الذي يُنفذ بأيدي حكامه، والتمسك بخيار المقاومة ضد كل من يعبث بمصيرهم، سواء أكان عدواً خارجياً أم خائناً داخلياً. فإن لم تنهض الأمة لمواجهة هذا الخطر، فلن يكون سقوط الجغرافيا إلا مسألة وقت، بعد أن سقطت كثير من النفوس في مستنقع الخيانة والتبعية.
وعلينا ألا ننسى أن فلسطين ستبقى دوماً البوصلة، وأي تحرك سياسي أو ديني لا يصب في سبيل تحرير فلسطين من اليهود، فهو من صنع اليهود، مهما كانت عناوينه براقة أو جذابة، وفي سورية لا يحمل النظام الجديد أي مشروع دولة ولا يدافع عن سيادة البلد والشعب، ما يعني أن سورية تحت الاحتلال الصهيوني، وسيتجه نظامها الجديد للقتال نيابة عن "إسرائيل" ضد أعدائها العرب، وما نراه من تنامي للكراهية ضد الشعب الفلسطيني في الإعلام السوري الجديد إلا مقدمة لمرحلة معادية للشعب الفلسطيني، باسم سورية وشعبها.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب