هزائم السعودية التاريخية أمام قطر
السياسية || محمد محسن الجوهري*
منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى وحتى اليوم، وقطر تقف حجر عثرة أمام مشاريعها التوسعية، وتسببت في هزيمتها مرات متعددة وحتى في سقوطها وتلاشيها، ولذلك ينبغي دراسة تاريخ الصراع بين الأسرتين لمعرفة أسبابه الأولى، ولصالح من تكون الغلبة في الآخر.
تأسست الدولة السعودية الأولى عام 1744 تحت قيادة محمد بن سعود، وبدأت توحيد المناطق المحيطة بها وشملت بعض المناطق التي تُعرف اليوم بدولة قطر، ونجحت في الإطاحة بحكامها الفعليين "آل خليفة" ودحرهم إلى البحرين، حيث اقتصر حكمهم على الأرخبيل الصغير بدلاً عن قطر، وولوا عليها أسرة وهابية من نجد هي أسرة آل ثاني الحاكمة حتى اليوم، وهي أسرة موالية لآل سعود في الدين والعقيدة والهوية النجدية.
لم تستمر الدولة السعودية الأولى طويلاً، فقد سقطت عام 1818 على يد العثمانيين وحملتهم الشهيرة بقيادة محمد علي باشا والي الباب العالي على مصر، وكان من الطبيعي أن يسقط حكم آل ثاني بسقوط آل سعود، إلا أن المفاجأة ترحيبهم بالحملة العثمانية وتحالفهما لتعزيز سلطتهم في قطر، وأصبح آل ثاني حكاماً محليين تحت مظلة الدولة العثمانية في خيانة علنية لحلفائهم النجديين، وبذلك استمر حكمهم في قطر أكثر مما حكم آل سعود نجد.
ولم تفلح الدولة السعودية الثانية (1834 - 1887) في بسط نفوذها خارج نجد، وبذلك بقيت إمارة آل ثاني بعيدة عن الخطر السعودي، ومع ذلك وقفت إلى جانب آل رشيد في دحرهم لآل سعود من نجد، ورفضت استقبال أبناء فيصل بن تركي، آخر حكامها، ما اضطرهم إلى النزوح باتجاه الكويت حيث أعادوا ترميم علاقاتهم مع الإنجليز، ومنها استعادوا السيطرة على نجد ومناطق واسعة في البلاد العربية، إلا أن الحاكم الجديد "عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل" لم يفلح في استعادة قطر وضمها إلى مملكته الكبرى، والسبب أن آل ثاني سبقوه في التحالف مع الإنجليز بتوقيع اتفاقية الحماية البريطانية عام 1868، ومثل ذلك -أيضاً- انقلاباً على العثمانيين، الحلفاء السابقين لآل ثاني.
ومع ذلك بقي الطموح السعودي بضم قطر حتى اليوم، وقد حاول الملك فهد بن عبدالعزيز استغلال الأزمة العائلية في قطر منتصف التسعينيات لضمها مجدداً إلى المملكة، إلا أن المحاولة فشلت من جديد، وقد كشفت قناة الجزيرة عام 2018 الكثير من تفاصيل المؤامرة السعودية على قطر في تلك المرحلة.
ولم تفلح الرشوة الكبيرة التي قدمها محمد بن سلمان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2017 لتمكينه من السيطرة على قطر والثأر من آل ثاني، ألد الأعداء له ولأسلافه في الماضي والحاضر، وتمكنت قطر -ببراجمياتها المعهودة- في تفويت الفرصة على الأمير الشاب بتجديد تحالفاتها في المنطقة، والذهاب إلى طهران وأنقرة لتدعيم صمودها في المواجهة، وعدم الاكتفاء بالحماية الأمريكية المتقلبة.
مؤخراً، عاد ترامب للحكم وعادت معه آمال الأمير الصغير في النيل من آل ثاني، وتحقيق حلم آبائه في بسط سيطرتهم على قطر وثرواتها الهائلة، لكن التاريخ يشهد بتفوق خصومهم في المعركة السياسية، وإتقانهم للتلاعب بالدين والسياسة أكثر من آل سعود، وسيبقى حكمهم فترة أطول، وحتى بعد زوال آل سعود لسنوات طويلة، فهم العقبة الكؤود القادرة على قلب الطاولة عليهم داخل وخارج البلاد العربية.
وقد يأتي التحالف الجديد والقوي بين قطر وتركيا على حساب وحدة الأراضي السعودية وبقاء حكامها في السلطة، سيما والأمير اليافع يتبنى رؤية جديدة لدولته تناهض الإسلام بشكلٍ علني، وتتنكر لكل المقدسات والثوابت الإسلامية بكل جرأة، وفي ذلك ثغرة كبيرة قد تمكن العثمانيين الجدد من استعادة السيطرة على بلاد الحرمين وتحقيق حلم أردوغان بتدويل الحج والأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وليس واضحاً بأن بن سلمان وهيئة الترفيه ستنجح في الصمود طويلاً أمام العقبات القادمة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب