حرائق كاليفورنيا واستعباد الشعب الأمريكي
السياسية || محمد محسن الجوهري*
تتعرض الولايات المتحدة اليوم لحرائق مهولة تلتهم مدنًا بأكملها، سواءً في الساحل الغربي "لوس أنجلوس" أو شرقًا في مدينة نيويورك، رغم أن المسافة بين الولايتين (كاليفورنيا ونيويورك) تصل إلى 4000 كم. وحتى في مدينة لوس أنجلوس، تنتشر الحرائق في أربع مناطق مختلفة: إيتون، وهيرست، وكينيث، وباليساديس، وهي أكبرها.
وقد امتدت إلى ما يقرب من 38,276 فدانًا مجتمعة، ما يعادل 170 كم مربع، أغلبها مساحات عمرانية مكتظة بالسكان، والوضع مرشح للتوسع، خاصة أن موسم الحرائق يبدأ فعليًا في الصيف، ومن الغريب حدوثه في يناير.
مشاهد الحرائق مروعة جدًا، ومن الصعب الفصل بينها وبين ما يحدث في قطاع غزة. حتى الشعب الأمريكي نفسه بات يربط بين الوضعين، ويرى أنها نتيجة طبيعية للدعم الرسمي المستمر لعمليات الإبادة الإسرائيلية هناك، وبدأ البعض يطلق عليها "كارما غزة". ومصطلح "كارما" في الفلسفة الهندية يشير إلى العدالة الإلهية.
أيضًا، الحديث عن نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم يتعزز يومًا بعد يوم داخل البلاد وخارجها. يطالب الكثير من الأمريكيين بإنهاء أي وجود عسكري خارج الحدود الأمريكية، لأن ذلك يعد تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، ويؤثر سلبًا على الأمن الداخلي. إضافة إلى أن عبء تلك القوات محسوب على المواطن الأمريكي نفسه، الذي عليه أن يدفع تلك التكلفة من عرقه وممتلكاته على شكل ضرائب مجحفة.
ومن أبرز الشواهد على فشل السياسة العسكرية لواشنطن خارج حدودها ما ارتكبته من حماقات في العراق وأفغانستان، وما أحدثته من زعزعة لأمن واستقرار البلدين، وقتل مئات الآلاف من السكان بدوافع وهمية، كأسلحة الدمار الشامل والحرب على الإرهاب، والتي أثبتت زيفها واضطرت الجيش الأمريكي إلى الانسحاب خائبًا من البلدين.
ومع تصاعد القوى العالمية الأخرى مثل الصين وروسيا، تتزايد المخاوف داخل الولايات المتحدة من نشوب حرب عالمية قد يتسبب بها الوجود العسكري الأمريكي في الخارج. فمن غير المنطقي أن تبقى تلك الدول صامتة على استمرار الانتهاكات الأمريكية لأمنها القومي، ومن الطبيعي أن ترد، بطريقة أو بأخرى، على الولايات المتحدة، والخاسر الأكبر هو المواطن الأمريكي نفسه.
وقد يستغرب البعض إذا قلنا إن الوضع في البحر الأحمر ينذر بسقوط الهيمنة الأمريكية على العالم. فاليمن قادر على ضرب القطع العسكرية في البحر بأبسط التكاليف، وقد أثبتت أمريكا عجزها عن حماية قواتها البحرية، ما يشجع القوى العظمى على ضربها أو التخلص من خطرها المتاخم لحدودها، كما في بحر الصين الجنوبي وشرق أوروبا وغيرها.
إن استمرار التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج لا يؤدي فقط إلى زعزعة الاستقرار في الدول المضطهدة، بل يؤثر أيضًا على الأمن الداخلي الأمريكي. يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسة خارجية تأخذ بعين الاعتبار العواقب الإنسانية والسياسية لتدخلاتها. وإذا كانت تؤمن بأن الدبلوماسية لا تؤمن لها القوة اللازمة في الخارج، فإن ذلك مؤشر على حجمها الطبيعي. فأغلب دول العالم لا تخضع للهيمنة الأمريكية إلا لأنها قوة عسكرية كبرى، وفي حال ظهرت على حقيقتها وبان ضعفها، فإن كل تلك الدول ستعلن رفضها للوصاية الخارجية القادمة من أقصى الأرض.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب