موجة غزة عاتية على الصغار
السياسية || محمد محسن الجوهري*
قد يتاجر السياسيون وأصحاب أنصاف المواقف بالدين وبالقضايا القومية لتحقيق أهداف ومكاسب خاصة أو حزبية لضمان بقائه في السلطة أو لضمان الفوز في انتخابات تشريعية، لكن غزة ليست للمتاجرة عند هؤلاء، والسبب أنها مدعاة للسخط الأمريكي والصهيوني، وعندها سيخسر كل تجارته المرتبطه بالمصالح الغربية في البلاد الإسلامية، كحال أغلب الأنظمة العربية وقادتها البراغماتيين.
وفي اليمن، كنا نرى حزب الإصلاح يتاجر بالقضية الفلسطينية بشكلٍ واسع قبل أحداث 2011، وجمع قادته من خلالها ثروات طائلة واستثمارات كبيرة في تركيا وغير تركيا، لكن بمجرد أن صدرت التوجيهات الأمريكية بوجوب التخلي عن فلسطين مقابل الوصول لحكم اليمن، تخلى الإخوان عن غزة وفلسطين، وكل الثوابت الإسلامية، وبدأوا بعدها بالمتاجرة بالوطنية لتجنب غضب السيد الأمريكي.
وكذلك كان حال عفاش، فقد تاجر بالقضية الفلسطينية قبل أحداث سبتمبر 2001، واضطر بعدها للخنوع وعدم إثارة الملف الفلسطيني حتى في الإعلام الوطني، وكل ذلك ليبقى في السلطة لأطول فترة ممكنة، ومع ذلك لم يقدر الغرب عمالته وخيانته لفلسطين، وأحرقوا ورقته خلال أحداث الربيع العربي عام 2011، واستبدلوه بجماعة الإخوان، والتي فعلت ما ذكرناه مع فلسطين.
ويتعدى الأمر الواقع اليمني إلى كل دول العالم، حيث لا يجرؤ أحد على مناهضة التوجيهات الصهيو-أمريكية، ورأينا الدول العربية والإسلامية تقاتل في كل العالم إلا فلسطين، وما نراه في سورية، ورأيناه من قبل في اليمن وليبيا، لهي شواهد على مدى الاقتتال الداخلي بين أبناء الأمة، والدعم السخي الذي تقدمه الأنظمة العميلة، كالسعودية والإمارات وقطر وتركيا، وكان بإمكانها تحرير فلسطين ببعض ما قدمته لإذكاء الصراعات الطائفية والسياسية، وغيرها.
ومن يخرج عن النص يلقى مصير اليمن والنظام السوري وإيران وحزب الله، ويتعرض اقتصاده للضربات تلو الضربات، كما يتعرض أبناؤه للتكفير والقتل والتشريد، وقد يضطر البعض أن يتراجع أو يسقط جراء ذلك، لكن اليمن اليوم يأبى أن يتراجع أو يسقط وهو يقف إلى جانب غزة في خندق واحد، ولو كان الثمن أن نرى ما نراه في سبيل الله ونصرة المستضعفين من أبناء أمتنا على أرض فلسطين.
إن الحديث عن غزة مسؤولية، والتحرك لنصرتها فريضة دينية وواجب أخلاقي لا يتخلف عنه إلا العملاء والصغار، وحاشى أن نكون منهم، فقدر اليمن أن يكون كبيراً مهما كلفه الأمر من تضحيات، فالنصر والعزة ثمنها غالٍ جداً وقد دفعنا مقابلها الكثير، وليس من الحكمة أن نتراجع بعدها ولو فنينا جميعاً.
إن القضية الفلسطينية تشكل جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي، وتظل غزة رمزًا للمقاومة والصمود في وجه الظلم. في خضم التحديات التي تواجهها، يظهر أن دعم غزة ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو فريضة دينية تتطلب من كل فرد في الأمة العربية والإسلامية أن يتحمل مسؤوليته.
تاريخيًا، أثبتت الأنظمة التي تخلت عن القضية الفلسطينية أنها لم تحقق أي مكاسب حقيقية، بل على العكس، فقد عانت من فقدان شرعيتها ومصداقيتها. إن المتاجرة بالقضية الفلسطينية لم تؤدِّ إلا إلى تفاقم المآسي الإنسانية، وشهدنا كيف تلاشت شعارات الدعم عندما تعارضت مع المصالح الشخصية والسياسية.
في هذا السياق، يجب أن تكون غزة مصدر إلهام للجميع، ودرسًا في قوة الإرادة والثبات. إن ما يحدث فيها من معاناة يجب أن يُحرك مشاعر الشعوب ويحفزهم على اتخاذ موقف حقيقي. إن دعم غزة يعني دعم الإنسانية، يعني التمسك بالمبادئ، والوقوف في وجه الغطرسة.
علاوة على ذلك، يجب أن نتذكر أن النصر لا يأتي من الفراغ، بل يتطلب تضحيات وصمودًا. اليمن على سبيل المثال، يثبت أن الشعوب التي ترفض الخنوع وتتمسك بقضاياها يمكن أن تُحدث فرقًا.
إن موقف اليمن الثابت إلى جانب غزة يُعبر عن روح التضامن العربي والإسلامي، ويُظهر أن الأمل لا يزال موجودًا بقوة في تحرير فلسطين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب