العملية البرية للعدو إلى أين؟ قراءة عسكرية ميدانية
السياسية:
شارل أبي نادر*
كان لافتًا ومفاجئًا للجميع، وخاصة لرئيس هيئة أركان جيش العدو (هاليفي)، ما طرحه وزير حرب العدو الجديد "يسرائيل كاتس"، بإضافته إلى أهداف العدوان "الإسرائيلي" الواسع على لبنان نزع سلاح حزب الله كهدف أساسي، وباعتباره شرطًا ضروريًا لوقف حربه على لبنان، ورد فعل هاليفي الغاضب من خلال تعابير وجهه، والتي أظهرته مصدومًا، جاءت لتعبّر بشكل كامل عن غرابة إضافة هذا الهدف بهذه الطريقة العشوائية والانفعالية وغير الطبيعية من قبل وزير الحرب.
طبعًا، استغراب هاليفي وامتعاضه الواضح، لم يكن بتاتًا لأنه لا يريد نزع سلاح حزب الله، فهذا حلم طالما راوده مثلما راود كل من سبقه في رئاسة أركان العدو وضباطه، بالإضافة لمسؤولي الكيان السياسيين كافة، إنما جاء هذا الاستغراب من الأخير، لأنه كان واضحًا أن الأمر لم يكن منسقًا مع الجيش المعني الأول بالتنفيذ، لكون هاليفي هو أكثر من يعلم عمليًا استحالة تنفيذ هذا الهدف، وكونه أيضًا هو الأخبر بمسار المواجهة الحالية وبصعوبتها، وبمعضلة تزايد خسائر جيشه الكبيرة فيها، والأهم أنه الأكثر دراية بما يعانيه جيش العدو اليوم في طريقه لتحقيق الأهداف الموضوعة للعملية، والمتعلقة بإعادة مستوطني الشمال ومنع استهداف داخل الكيان بالصواريخ والمسيرات.
فكيف يمكن فهم تفاصيل عملية العدو البرية اليوم؟ وإلى أين يمكن أن تصل ضمن هذه المواجهة مع حزب الله؟
عمليًا، أطلق العدو مؤخرًا ما أسماها المرحلة الثانية من عمليته البرية في لبنان، والتي حددها قادته العسكريين بفرض منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية بعرض بين ١٢ و١٥ كلم، والسيطرة عليها بعد تدمير بنية حزب الله العسكرية فيها ونزع قواعده الصاروخية والمسيرة منها.
في متابعة لنقاط الاشتباك الحالية بين وحدات العدو وبين المقاومة، يمكن تحديد ثلاثة أهداف عملانية سيحاول العدو تحقيقها، لتكون نقاط ارتكاز منتجة من أجل تنفيذ فرض هذه المنطقة العازلة التي ادعى بأنه سيعمل على احتلالها، وهذه الأهداف العملانية هي:
- التقدم شرقًا من اتجاهات مركبا والعديسة وغرب الخيام نحو الطيبة، والتي تعطيه من خلال السيطرة عليها، مفتاحًا ميدانيًا بأكثر من اتجاه للتقدم نحو وادي الحجير حتى الليطاني.
- التقدم من اتجاهات عيترون ومارون الراس - يارون وعين إبل باتجاه بنت جبيل، والتي تمنحه السيطرة عليها إمكانية ميدانية واسعة نحو شقرا وبرعشيت ونحو تبنين، والتي تؤمن له بدورها التمدد الميداني باتجاه بلدات صور وباتجاه البلدات المشرفة على الليطاني والحجير من اتجاه الغرب.
- التقدم من اتجاهات شيحين والجبين ووادي حامول نحو طيردبا وشمع، واللتين تعطيه السيطرة عليهما إمكانية واسعة لبسط سيطرته غرباً نحو صور وبلداتها.
عمليًا، هذه هي المحاور التي من المفترض للعدو أن يتقدم منها لإقامة المنطقة العازلة المذكورة، ولكنْ للمقاومة رأي آخر، يمكن تحديده بالآتي:
استنادًا لأكثر من مواجهة قاتلة لوحدات العدو - يسمونها داخل الكيان بالحدث الصعب- إن كان في مرحلة التوغل الأولى للعدو، في اللبونة ومثلث عيتا راميا القوزح أو في مارون الراس أو في العديسة والخيام، أو في المرحلة الأخيرة التي أطلقها العدو، ومنها كمين مثلث التحرير بين عيترون وعيناتا وبنت جبيل، من الواضح أن مجاهدي حزب الله ينفذون خطة دفاعية محضرة ومدروسة، تشمل السيطرة بالنار ( بين العبوات والمضاد للدروع) على كل المحاور التي يفترض بالعدو اعتمادها للتقدم، بالإضافة لاعتمادهم مناورة استدراج وحدات العدو إلى نقاط حساسة، يعتبر العدو السيطرة عليها ضرورية لحماية محاور تقدمه، والعمل من خلال هذا الاستدراج على الإجهاز على تلك الوحدات، من خلال نسفيات محضّرة مسبقًا.
بالمقابل، وبالتوازي مع مناورة المقاومة الدفاعية، والتي يشكل فيها إسقاط أكبر عدد من جيش العدو هدفاً رئيسيًا وإنجازاً أساسياً، تتابع مناورة الاستهداف الصاروخي والمسير داخل الكيان، حيث تطّورت هذه المناورة يومًا بعد يوم، سواء لناحية إدخال صواريخ ومسيرات نوعية جديدة، أو لناحية توسيع وتعميق مروحة الأهداف واختيار الأهم منها، والتي لها طابع عسكري - إستراتيجي.
من هنا، ومن خلال ما أثبتته المقاومة حتى اليوم من تطور في الأداء والسيطرة والتحكم في كامل مفاصل ومراحل المواجهة، ومن خلال ما تؤكده يومًا بعد يوم من ارتفاع في مستوى قدراتها، القتالية العملانية أو الصاروخية والمسيرة، يمكن القول إن عملية العدو البرية ستكون بدون أفق لناحية الأهداف الموضوعة لها، ويمكن من الآن استنتاج ما سوف يسقط للعدو من خسائر بشرية، لن يقوى على تجاوز تداعياتها، الأمر الذي سيفرض عليه التخلي عن الأهداف المستحيلة التي وضعها لها، والعودة إلى مربعالتسوية الوحيدة والتي تقوم على تطبيق القرار ١٧٠١بكامل مندرجاته دون زيادة ولا نقصان.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري