لماذا مرتزِقةُ الجنوب أرخص وأوفر من مرتزِقة الشمال؟!
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لا مجال للمقارنة بين صرعى مرتزقة الجنوب وبين نظرائهم من مرتزقة الشمال من حيث الكم، وهذه من المسلَّمات المعروفة لدى الجميع؛ ويكفي أن عدد من هلكوا من العفافيش خلال التصعيد الأكبر في الساحل الغربي عام 2018، يوازي فقط عدد الصرعى من حي العريش بمديرية خور مكسر بمحافظة عدن، أما إجمالاً فإن قتلى العفافيش بالمئات فيما يُقدَّر قتلى الجنوبيين بعشرات الآلاف خلال النصف الثاني من العام نفسه.
وحسب تقرير كتبه الصحفي الاستقصائي "ريتشارد بيتر" لمجلة التايمز الأمريكية بتاريخ 24 أبريل 2019، فإن قيادات من جنوب اليمن وفرت لدولة الإمارات مقاتلين مرتزقة هم الأرخص في العالم وبأجرة يومية لا تتجاوز 7 دولارات، مؤكداً أن قائمة المقاولين للمرتزقة تضم عيدروس الزُبيدي، رئيس ما يُسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ونائبه الشيخ السلفي هاني بن بريك.
وبحسب الصحفي الأمريكي، فإن الإمارات نجحت منذ احتلالها لجنوب اليمن عام 2015، في إيجاد مرتزقة هم الأرخص على الإطلاق في العالم بعد سنوات طويلة من هيمنة أرقام البلدان الأفريقية على القائمة.
وحتى اليوم وبعد خمس سنوات من تقرير صحيفة التايمز، لا تزال قيمة المرتزق اليمني الجنوبي هي الأرخص، بخلاف قيمة المرتزق الشمالي والتي لا تزال نسبياً أعلى بكثير، رغم أن الاثنين يندرجان في نفس المستوى من العمالة والانحطاط، إلا أن عوامل سياسية كانت سبباً في التمييز المادي بينهما.
وبحسب صحفيين يمنيين، منهم الجنوبي صالح الداعري، فإن المناطقية التي أذكاها عفاش بين الشمال والجنوب عقب حرب 1994، لعبت دوراً في ترسيخ عقدة الدونية لدى الجنوبيين، وباتوا يرون أنفسهم أدنى بكثير من غيرهم، ويرضون بأقل من الحقوق، حيث قضى معظمهم سنوات طويلة بعد الوحدة بلا مرتبات ولا أجور، ما جعلهم عرضة للاستقطاب السياسي الراهن.
فيما يرى محللون أن الاستثمار السعودي في العقيدة السلفية لعب دوراً في تدني قيمة المرتزق الجنوبي، حيث حلَّت الأفكار المتطرفة القائمة على الأحقاد محل الأجور المادية، وهذا يبرر إنشاء المملكة للعشرات من المراكز السلفية في الجنوب بعد العام 2015، وتعمل في البداية على استقطاب الشباب مقابل أجور زهيدة لا تتجاوز تكاليفهم المعيشية.
إلا أن سبباً آخر ساعد في ميل الكفة لصالح مرتزقة الشمال ورفع أجورهم إلى أضعاف إخوانهم في الجنوب، وهو أن الشمال مهد حركة أنصار الله التي تحاربها السعودية والإمارات والمعسكر الصهيوني من خلفهم، وبالتالي تزداد قيمته المادية لأنه أندر من نظيره الجنوبي.
فمثلاً المرتزق الذي ينتمي لمحافظة صعدة هو أغلى لدى تحالف العدوان من غيره من المرتزقة، باعتبار صعدة هي الحاضنة الأولى للمشروع القرآني، وبالتالي لن تغامر المملكة في إقحامه بالمعارك البرية بسهولة، وليبقى شاهداً لها على وجود موالين لها في أهم معقل لأعدائها، وهذا ما ذكره المرتزق فهد الشرفي، وتفاخر به في يوم من الأيام، عندما ذكر سائر المرتزقة بأنه من صعدة ويحظى بمكانة خاصة لدى آل سعود.
وبالفعل، فإن قيمة المرتزق عثمان مجلي تفوق قيمة المرتزق عيدروس الزبيدي بأضعاف مضاعفة، والسبب أن الأخير متوفر بكميات تجارية، فيما مجلي يحظى بقيمة الندرة التي ضاعفت من قيمته لدى آل سعود، ومن هنا يتبين لنا أهمية المشروع القرآني، وفضله حتى على المرتزقة أنفسهم، فكلما زادت الحاضنة الشعبية للمجاهدين في منطقة ما، زادت قيمة المرتزق من أبناء المنطقة نفسها لدى أعداء اليمن، وقد أدرك عفاش هذه الحقيقة عقب خروجه من السلطة عام 2011، وسعى للتقرب من الأنصار أملاً في أن يحظى بقيمة مادية أعلى لاحقاً لدى قيادة العدوان، لكن مشيئة الله حالت دون تحقيق حلمه الأخير في أن يصبح أغلى مرتزق في العالم.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب