د. شعفل علي عمير*

قد يقول قائل: وهل الفكر يُغتصَب والعقل أَيْـضًا يُغتصَب؟! ولكي يعيَ مجتمعنا الكبير فَــإنَّ كُـلّ شيء معرَّض للاغتصاب، الذي يسلب من المجتمعات حقوقها المادية والفكرية وحتى حقها في استخدام عقولها.

إنها سرقة بمعنى الكلمة، سرقة أخطر من سرقة مقدرات الأُمَّــة واغتصاب العقول والأفكار، عادة ما تسبق سرقة الثروة التي تعد الهدف النهائي من تهيئة العقل والفكر ليصبح الإنسان متقبلاً، بل ومنفذاً للأهداف التي يسعى إليها الأعداء فيصبح كُـلّ شيء متاحاً أمامهم، وهنا لا بُـدَّ أن نرجع إلى الوراء قليلًا لعمل مقارنة بين حال الأُمَّــة في الماضي وحالها في واقعنا الآن؛ لنجد أن غير الممكن للعدو أصبح ممكناً وأن المستحيل أصبح مباحًا، ألم يكن من المستحيل وغير الممكن أَيْـضًا أن يصبح الكيان الصهيوني هو الصديق وأن العربي والمسلم هو العدو؟

لم يخطر ببال عربي أَو مسلم أن يأتي اليوم الذي يشاهد فيه إخوته في العروبة والإسلام وهم يقتلون أطفاله ونساءه وتدمّـر كُـلّ مقدراتهم، ولم يكن هناك أية ردة فعل رسمية أَو شعبيّة لبعض الأنظمة والشعوب تجاه ما يحصل، كما لم يخطر ببال أحد أن يقف العربي والمسلم موقف المحايد وهو يشاهد إخوانه في غزة أشلاء ومدنهم قد أصبحت أنقاضاً، لم يكن هذا ليحدث قبل أن يغتصب الأعداء أفكار وعقول أبناء الأُمَّــة!

هنا يجب علينا أن نتحمل جزءاً من المسؤولية التي أحدثت ذلك الفراغ الفكري؛ فاستغله الأعداء في تعبئة تلك الفجوات الفكرية، ليعملوا على سد هذا الفراغ بتلك الأفكار المنحرفة، والتي لا تنسجم مع هُويتنا العربية والإسلامية؛ فكانت تلك الأفكار التي جعلت من غير الممكن ممكنًا ومن المستحيل مباحًا، فلا يمكن أن يتجرأ الأعداءُ على غزو شعب قبل أن يهدموا أسوارَ حصونه الفكرية فينفذوا من خلالها إلى عقول الشباب وأفكارهم، التي إن لم تكن مُشبعةً بثقافة الولاء للدين والانتماء للهُوية الحقيقية لهذه الشعوب فَــإنَّها مستعدةً لتقبل أية ثقافة وتذوب في أي فكر، هنا تعمى البصيرة وهنا ينقلب الفكر والعقل الجمعي على نفسه فيتحول الولاءُ للدين إلى الولاء لأعدائه والانتماء للوطن إلى معاداته.

إنه عمى البصيرة، وصل الحال ببعض أبناء الأُمَّــة لأن يقف مع الباطل ضد الحق، مسانداً للعدو الصهيوني، مشجعاً له في ارتكاب جرائمه، إنه الذوبان الفكري بكل معانيه، والانتماء المادي والروحي للعدو للحد الذي أصبح هؤلاء الأعراب يفرحون عندما يوغل الصهاينة في دماء المسلمين، ويحزنون إن حقّقت المقاومة في فلسطين أَو لبنان أي انتصار على العدوّ.

واقعنا أصبح يترجم مخرجات الاغتصاب الفكري إلى حَــدّ بعيد؛ فنجد المرتزِقة في اليمن يتوسلون للأجنبي ليحتل بلدهم ويتقربون للأمريكي والصهيوني بإبداء استعدادهم لحماية السفن الصهيونية، أليس هذا نتيجة المسخ الفكري؟ فكيف وصل به الحال لحد أن يقف مدافعاً عن عدو شعبه وأمته وساعيًا لتمكين الأعداء من احتلال أرضه ونهب مقدراته، وصدق الله القائل: {أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَو آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

* المصدر : صحيفة المسيرة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه