السياسية || محمد محسن الجوهري*

قبل أكثر من ثلاثة عقود حذَّر المفكر المصري الكبير الدكتور عبدالوهاب المسيري من خطورة مَن سماهم بــ: "اليهودي الوظيفي" وهو مسلم في الظاهر وفي الشكل، لكنه يعمل على خدمة المشروع الصهيوني بإخلاصٍ وتفاني، محذراً من أن هذا الجيل من اليهود سيؤم الشعوب قيادةً وديناً، وبأن هذا النوع من الشخصيات هو واحد من أهم سلاحين رئيسين يمنعان زوال "إسرائيل"، الآخر هو الدعم الغربي غير المحدود لليهود على أرض فلسطين المحتلة.

وبالفعل، فإن "إسرائيل" قائمة اليوم على حماية صهاينة العرب، فأغلب الأنظمة العربية خاضعة لهيمنة اليهود عبر فئة أخرى من إخوانهم في العقيدة، لكنهم في الظاهر عرب ويتكلمون باسم الإسلام، بل ويكفرون أبناء الأمة الإسلامية، ويحرضونهم على الاقتتال الداخلي دفاعاً عن بقاء الكيان الصهيوني، وحتى يستمر في إجرامه بحق شعوب المنطقة، كما نرى اليوم في فلسطين ولبنان.

وإذا كان الدكتور المسيري قد تنبه لخطر اليهود الوظيفيين في وقتٍ متأخر، بعد أن نجح اليهود في زرع أسر عميلة لحكم أغلب البلاد العربية، ولصياغة مناهجها وعقائدها حتى تكون بالشكل الذي لا تتصادم مع المشروع الصهيوني، ويقتصر خطره على الإسلام والمسلمين، وحسب.

وأكد المسيري في موسوعته الشهير "اليهودية واليهود والصهاينة" أن الإعلام أخطر على العرب من القوة العسكرية للكيان، وأن اليهود يتعمدون المبالغة في الحديث عن عظمة القوة الصهيونية كماً ونوعاً بهدف إثارة الرعب في نفوس المسلمين، وأن كل ذلك قد يتبدد بأي مواجهة مسلحة بين الفريقين، خاصة وأن "إسرائيل" كيان صناعي مؤقت لا يمتلك جماهير حقيقية، وقد يختفي كل مواطنيها بمجرد رؤية خطر وجودي يلوح بالأفق.

باختصار فإن المرحلة التي تحدث عنها المسيري في تلك الفترة هي التي نعايشها في الوقت الراهن، فطوفان الأقصى كادت أن تقضي على العدو بالضربة القاضية لولا فزعة الغرب ويهود العرب الوظيفيين، لكن الخطر بقرب نهاية الكيان لا يزال قائماً مع استمرار التهديد الوجودي المتمثل بجبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، ففلسطين المحتلة غير آمنة لليهود بعد اليوم.

ويكفي أن العدو الصهيوني لجأ إلى تجنيد مقاتلين مرتزقة من دول عربية وغربية عدة للقتال في غزة، وهذا مؤشر على عجز جنوده على الاستمرار في القتال، وأن جيشه في وضعية صعبة لا تؤهله على البقاء في المستقبل، كما أن الكثير من المدن والمستوطنات اليهودية باتت خالية من المغتصبين بعد أن فرَّ أغلبهم إلى الخارج.

ومن ذلك كله نستطيع أن نجزم بقرب انتهاء الكيان وانهياره في أي لحظة بمجرد أن تبقى المواجهات على حالها، علاوةً على أن تستعر مستجدات إضافية منكلة بالعدو، أو أن تظهر أسلحة نوعية تحسم المعركة لصالح محور الجهاد والمقاومة.

أما إذا خسر العدو إحدى ركيزتيه الأساسيتين، كأن يخسر الدعم الغربي أو أن تسقط الأنظمة الموالية له خاصة السعودية، فإن وضعية الكيان ستكون مأساوية، وعندها ستتغير الكثير من معادلات الصراع وتتبدل مواقف أغلب أنظمة التطبيع لصالح القضية الفلسطينية كمصر والأردن، فالنظامان هنا عملاء بالأجرة، وستنتهي عمالتهم بانتهاء البقرة الحلوب التي تمولهم وتتحمل نفقات خيانتهم للأمة وثوابتها.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب