تصعيد صهيوني جديد.. عقوبات على السلطة وشرعنة خمس بؤر استيطانية بالضفة
السياسية - تقرير :
مرزاح العسل
في تصعيد جديد وخطير.. تعمل حكومة العدو الصهيوني خلال الفترة الراهنة على فرض واقع سياسي وأمني جديد في مدن الضفة الغربية المحتلة مستغلا الحرب الغاشمة على غزة والمستمرة لليوم الـ266 على التوالي.
ففي فجر اليوم الجمعة، أعلن ما يسمى بوزير المالية في حكومة العدو الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، عن مصادقة "الكابينت" الصهيوني، على شرعنة خمس بؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، والدفع بمخططات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
وقال سموتريتش في بيان له: إن هذه القرارات تأتي "في أعقاب نشاط السلطة الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في الأمم المتحدة، ومذكرات الاعتقال ضد كبار المسؤولين الصهاينة والضغط الذي تمارسه من أجل الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية من قبل مختلف الدول".
كما صادق "الكابينت" على سحب التصاريح والمزايا الخاصة بكبار قادة السلطة الفلسطينية، وتقييد تحركاتهم بما يشمل منعهم من مغادرة الأراضي الفلسطينية، وتفعيل قانون معاقبة قادة السلطة على ما تصفه تل أبيب بـ"التحريض"، بالإضافة لسحب صلاحيات السلطة الفلسطينية على منطقة صحراء الخليل "صحراء يهودا" وتنفيذ القانون ضد تفشى البناء غير القانوني في المنطقة.
وكشفت وسائل إعلام العدو الصهيوني عن البؤر الاستيطانية الخمس التي "تقع في مواقع استراتيجية" في الضفة الغربية، وهي "أفيتار" المقامة على أراضي نابلس، و"سادي إفرايم" و"غفعات أساف" المقامتان على أراضي رام الله والبيرة، و"حالتس" على الأراضي الواقعة بين الخليل وبيت لحم، بالإضافة إلى البؤرة الاستيطانية "أدوريم" المقامة على أراضي الخليل، بالإضافة إلى "طرح مناقصات بناء استيطاني، ودعوة مديرية التخطيط العليا للاجتماع والمصادقة على خطط بناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة".
ويرى خبراء ومحللين سياسيين أن الإجراءات الصهيونية هذه تمس السلطة الفلسطينية ولا تعتبرها سلطة حاكمة تمهيدا لإسقاطها.. مشيرين إلى أن العدو سيقدم ذرائع منها أن السلطة الفلسطينية أصبح "وجودها غير مبرر أو بلا قيمة".
وأكد الباحث الأكاديمي في العلوم السياسية، ومدير تحرير شؤون فلسطينية، الدكتور إبراهيم ربايعة، أن قرارات "الكابينيت" كانت متوقعة ومُعد لها سلفا، لكنها جاءت بذريعة حراك السلطة الوطنية القانوني في الجنائية الدولية واعتراف خمس دول بدولة فلسطين.. مشيرا إلى أن هذه القرارات جزء من تجويف السلطة وتقويض صلاحياتها بشكل متدحرج وتقول بشكل فعلي ألا ولاية للسلطة الفلسطينية على الأرض والولاية جزئية على السكان ومن المتوقع أن تأتي خطوات لاحقة تراكم على ذلك، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، أكد الباحث في العلوم السياسية و"الإسرائيليات" الدكتور إياد أبو زنيط أن قرارات سموتريتش الأخيرة تأتي انسجاماً مع عقلية الاستعمار الاستيطاني التي نشأ عليها الكيان الصهيوني منذ بداية وجوده، وتحديداً في موضوع الاستيطان وتناميه في الضفة الغربية المحتلة.
وأوضح أن هذه القرارات تحمل أبعاد ذات دلالة مهمة من ناحيتين الناحية الأولى، وتتمثل في تعزيز الوضع الاستراتيجي للمستوطنين في الضفة الغربية، وتسريع عمليات الاستيطان لتوسيع التواجد الديمغرافي، وهذا يُشكل بالنسبة لإسرائيل سيطرة أكبر على مناطق الضفة الغربية.. أما الناحية الأخرى فتتعلق بالتفكير الأيديولوجي في الضفة الغربية، باعتبارها مملكة بني "إسرائيل" القديمة، وهذا يتطابق وعقلية سموتريتش الدينية، وكذلك أنصاره من المتطرفين المتدينين.
وحذر أبو زنيط من أن الكيان الصهيوني يقوم على محو السكان الأصليين من أماكن تواجدهم، لأنه يعتبرهم محور الخطر المتشكل عليه، وهذا يتشابه مع ما جرى قبيل عام 1948م، من تهجير وترحيل الفلسطينيين، ويتطابق تماماً مع العقلية الصهيونية التي ترى أن لا مكان في أرض فلسطين إلا لليهود، أما الفلسطينيين فلا بُد من العمل على ترحيلهم بأي طريقة كانت، ولذلك تأتي قرارات سموتريتش في هذا الإطار.
ولفت إلى أن القرارات الصهيونية تتعلق بالانتقال من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة حسمه مع الفلسطينيين، وهذا سيكون له ارتدادات كبيرة على الطرفين، إذ سيصعد من حجم المواجهة في الضفة الغربية المحتلة، وتوسيعها بشكل أكبر.
وفيما يتعلق بقرار سموتريتش بناء وشرعنة خمس بؤر استيطانية بعدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، أكد أن ذلك يأتي من باب رد الفعل وتحدي قرارات تلك الدول.. مشيرا إلى أن هذا الفعل لن يخدم الكيان الصهيوني على المستوى البعيد، لأن هذا الكيان بعقلية سموتريتش بات لا يرى في المجتمع الدولي أي مؤثر عليه، وهذا معاكس للحقيقة.
وزارة الخارجية الفلسطينية نددت بشدة مصادقة ما يسمى "الكابينت" الصهيوني على شرعنة خمس بؤر استعمارية في الضفة الغربية، والدفع بمخططات لبناء آلاف الوحدات الاستعمارية الجديدة في أنحاء الضفة.
وقالت الوزارة في بيان لها اليوم الجمعة: إنها "تنظر بخطورة بالغة لمواصلة الحكومة الصهيونية في ارتكاب جريمة التوسع الاستيطاني وتعميق الأبرتهايد (الفصل العنصري)، بهدف إغلاق الباب أمام أي فرصة لتجسيد الدولة الفلسطينية، وتحملها المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائجها وتداعياتها الخطيرة على ساحة الصراع والمنطقة برمتها".
واعتبرت الوزارة أن "التصعيد الاستيطاني الحاصل في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية تحد سافر لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة خاصة القرار 2334، واستخفاف صهيوني رسمي بالإجماع الدولي الرافض للاستعمار باعتباره عقبة في طريق تطبيق حل الدولتين".
وطالبت الوزارة بتدخل أمريكي ودولي عاجل لوقف إجراءاتها أحادية الجانب غير القانونية، وفرض عقوبات دولية رادعة على منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري برمتها، وممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة الصهيونية لوقف الاستيطان والانصياع لإرادة السلام الدولية.
بدوره اعتبر الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي اليوم، أنّ قرار الحكومة الصهيونية يُعدّ "إعلان ضم وتهويد للضفة الغربية بأكملها، وأخطر ما يواجه الشعب الفلسطيني منذ نكبة العام 1948".
وحذّر البرغوثي من أنّ قرارات الكابينت الصهيوني شملت الاستيلاء الكامل على الصلاحيات المدنية للسلطة الفلسطينية في ما يُسمّى المنطقة (ب) وإخضاعها لسيطرة المستوطنين بزعامة سموتريتش، بعد إلغاء الصلاحيات الأمنية للسلطة في المنطقة (أ)، في خطوة تُعدّ "تأكيدًا على إنهاء العدو الصهيوني لكل ما تبقى من اتفاق أوسلو".
ويشار إلى أنه في العام 1995، صنّفت اتفاقية "أوسلو 2" أراضي الضفة ضمن ثلاث مناطق، هي: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية صهيونية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية صهيونية.
وفي أبريل الماضي، دعا سموتريتش إلى قطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية.. مؤكدًا أنّه "مقتنع بأنّ السلطة الفلسطينية تُشكّل خطرًا مباشرًا على كيانه المحتل، ويجب العمل على إسقاطها"، وفق تعبيره.
وفي 13 يونيو الجاري، أمر سموتريتش بخصم 35 مليون دولار من أموال ضرائب السلطة الفلسطينية (المقاصة)، وتحويلها إلى عائلات صهيونية تزعم أنّ أفرادًا منها قُتلوا بهجمات نفّذها فلسطينيون.
وقبل أيام، أكد سموتريتش أنّه سيُحارب بكل قوته "إقامة دولة فلسطينية"، وسيُواصل عبر صلاحياته "تطوير الاستيطان في الضفة وتعزيز الأمن".
وجاء كلام الوزير الصهيوني المتطرّف بعد أن كشف تسجيل صوتي حصلت عليه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن خطة له لتعزيز السيطرة الصهيونية على الضفة الغربية وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية.
على الصعيد ذاته.. فرضت كندا حزمة جديدة من العقوبات على "مستوطنين متطرفين" في الضفة الغربية المحتلة، بسبب ضلوعهم في ارتكاب "أعمال عنف" بحقّ الفلسطينيين في الضفّة الغربية المحتلة، مطالبة تل أبيب بالتدخّل لوقف هذه الارتكابات.
وقالت الحكومة الكندية في بيان لها اليوم: إنّ العقوبات تستهدف سبعة أفراد وخمسة كيانات "لدورهم في تسهيل، أو دعم، أو المساهمة ماليًا" في هذا العنف.
وأعربت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي عن "قلقها العميق" إزاء هذا العنف.. مؤكدة إدانتها هذه الأعمال ومطالبة السلطات الصهيونية بـ"ضمان حماية السكان المدنيين ومحاسبة المسؤولين" عن هذه الارتكابات.
وشملت العقوبات بن تسيون غوبشتاين، المقرّب من الوزير الصهيوني اليميني المتطرف إيتمار بن غفير ومنظمته التفوّق اليهودي "ليهافا"، ومجموعة "شباب التلال" التي تقيم بؤرًا استيطانية من دون تراخيص صهيونية رسمية، إضافة إلى اثنين من قادة هذه المجموعة هما مئير مردخاي إيتنغر وإليشا ييريد.
كما استهدفت العقوبات الكندية جمعية "أمانا" التي تقوم بحملات من أجل بناء مستوطنات وبؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة.
وتنصّ العقوبات على حظر أي تعاملات مع الأفراد والكيانات المشمولين بها، وتمنعهم من دخول الأراضي الكندية.
وفي الأشهر الأخيرة، فرضت كل من بريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات مماثلة.
الجدير ذكره أن العدو الصهيوني يشن حملة عسكرية غاشمة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي وبدعم أوروبي أمريكي.. وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن أكثر من 37700 فلسطيني استشهدوا منذ بدء هذا العدوان على القطاع.